الحلقة 12 بقلم: جمال غلاب اجتاحت ريح عاصفة مصحوبة بأمطار غزيرة الهضبة الطينية حيث مخيمنا والحقول العارية وأسفلها أشجار الزيتون المحاطة بأشجار الهندي … وترتب عن هذه العاصفة أن خيمنا أثقلتها مياه الأمطار وصارت تشبه البهائم الضخمة الخائفة والطريحة على أرض حمراء … ففي إشراقة فجر خريفي رتيب وحزين على بادية أفريقية شوهت هضباتها حيث صارت كل آفاقها عائمة, وتجتاحها برودة لا تطاق .. وحول نار شاحبة وكثيفة الدخان، كنا ننتظر في صمت إبريق القهوة لإعادة لنا الدفء والقوة ..وبعد وعد لتسجيل انطباعتي ازاء هذا الوطن .. وكان أوله هذا الحيز البطيء والشاحب حين تبدو الروح فيه ممتلئة بما تدخره وتشعر به من أحزان قاسية وقاتمة والذي تنهار أمامه أية قوة بشرية ومهما يكون عنفوانها. منذ قرابة الشهرين وبمحض الصدفة من تيهاني, وأنا مخيمة مع القبائل في أعالي أراضي (الأميرة) المطلة على المروج والغابات الظلية وبتكليف من السلطات التونسية للقيام بتحقيقات وتحصيل الضرائب المتأخرة …. وهنا مع خليفة الصغير ابن قايد المنستير نحيف البنية, والعادل بما فيه الكفاية والصارم وليس جشعا خاصة… ورفقة أيضا مسنين ووظيفتهما المتمثلة في كتاب عدل مازالا متشبثين بأفكارهما ومواقفهما القديمة ولينين جدا في معاملتهما وعلى الدوام تعلو الابتسامة محياهما … وأيضا الرئيس أحمد السبايسي من وهران فريد بطبعه يجمع في معاملاته بين الرحمة والعنف الوحشي في بعض الأحيان ومتهور في تفكيره تبعا لوضعه الاجتماعي …وأخيرا حشد من البدويين ببرانسهم الحمراء والزرقاء والمشكلين من السبايسية و(الدايرة) للمخزن. ولمدة شهرين كان حضوري مجرد متفرج على ما يفعله هؤلاء الناس الذين عرفتهم منذ أن استلمت مهامي التي أشرت إليها سالفا. لقد عشت حياتهم في الظرف الذي لا يعرفون عني أي شيء فأنا بالنسبة لهم وفي حدود معرفتهم: سي محمود السعدي التركي الصغير الذي فر من معهده الفرنسي …. ودفتري الذي أسجل به انطباعاتي لا يحوي الكثير من الملاحظات على الرغم من بعض الندم إزاء ما أقوم به وعلى الرغم أيضا من نزعتي للكتابة … آه حياة البدو سهلة وكلها حرية يغمرها الابتهاج فهي تأسرني بانتشاء خمرتها ؟ أكتب لماذا ؟. في حين أبقى أفكر وأنا في حالة ضجر فيما آلت إليه حياتي الراهنة …ثم يأتون للبحث عني فجأة للذهاب هناك .. حيث الجزء السفلي للسهل لتهدئة الوضع في قبيلة تريد الثأر لمقتولها من قبيلة أخرى … وعليه يجب التخلي عن كل شيء أما المخيم فيترك تحت مسؤولية (الدايرة) لحراسته والتكفل بضمان نقلي في المساء رفقة الشيخ الفقيه، وفي سباق محموم عبر غابة أرضيتها لينة وزلجة تقفز بنا الخيول التي كلها نرفزة من الرياح المصحوبة بالأمطار, و التي نفقد السيطرة عليها لتجاوز الحفر وجدران الهندي, ونصل إلى دوار الحجاج حيث حوالي مئة كوخ ومثلها من الخيام المنخفضة على تلة مستديرة بموقع عاري ومخيف وحيث أيضا تنعدم به الأشجار والأعشاب ,, ومنه حركة غير عادية بالدوار ,ومن بعيد نسمع صراخا مشحونا بالغضب.