" وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين " – الأنفال 58 – هذه الآية تؤسّس لنظام دوليّ قائم على احترام العهود والمواثيق في الحرب وفي السّلم، فالوفاء بالعهد حتى مع الكافر المخالف أوالكافر الحربي واجب محتوم لا يجوز نقضه لشهوة أو طمع، كان معاوية بأرض الرّوم، وكانت بينه وبينهم وثيقة هدنة، بقي لها شهر وتنتهي، فأراد أن يستغفلهم ويتحرّك إلى حدودهم فإذا انتهت آجال الهدنة قاتلهم، وكان ضمن الجيش صحابي اسمه عمرو بن عبسة فقال: " وفاء لا غدرا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول :" من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلنّ عقدة ولا يشدّها حتى ينقضي أجلها أو ينبذ إليهم على سواء"، فلا بد من تساوي الطرفين في الخبر بمعلومة نبذ أو رفض، اتّفاق الصلح أو الهدنة حتى لا يستفيد منه الطرف الإسلامي باسم الخيانة " إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين". العلاقات الدولية وعلاقات الجوار حتى أثناء الحروب تقوم على قيم الوفاء والبعد عن الخيانة تلك من صميم منظومة الإسلام القيمية في العلاقات الدولية والجوارية " وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم" "فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم". ولقد جاء رجل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قبيل بدر، فقال له، إنّ المشركين أمسكوني ووالدي وأخذوا عنّا عهدا بأن لا نقاتل معك، فقال له :" نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم"، رغم أنّه في حرب وأنّ مثل هذا العهد أخذ بالجبر والإكراه، إلاّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّم أصحابه قيم الوفاء بالعهود. لا يجوز نقض العهد مع الكافر المحارب بحجة " الحرب خدعة "، ففرق بين الخدعة والخيانة، الخدعة هي من أساليب المكر في المواجهة الميدانية مع العدو، وذلك أمر تقرّه جميع الشّعوب، أمّا الخيانة فهي هدم للقيم والفضائل وانتهاك للحرمات والخير في الإنسانية، ولذلك شدّد القرآن على حرمتها وتبغيضها: " إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين "، فيجب الوفاء لهم ما لم تبد منه خيانة، " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم "، وإن ظهرت معلومات دقيقة تشير إلى ترتيبهم للخيانة، يجب إعلامهم بنقض العهد على سواء، حيث يتساوى الطرفان في المعلومة ولا يستفيد منها الطرف الناقض بأن يربح الوقت أو يتقدّم ميدانيا، وتلك من روائع ماجاءت به منظومة الإسلام في العلاقات الدولية. أ. لخضررابحي