معمر حبار مادفع القارىء المتتبع لكتابة هذه الأسطر، أنه قرأ هذه الأيام أن كتاب "العفن" لمالك بن نبي، غير صحيح ولم يرق لدرجة الصحة. وصاحب الأسطر إذ يحترم هذا الرأي ويقدر أصحابه، يفضل أن يدلي برأيه المخالف طبقا لما وقف عليه وهو يقرأ الكتاب ويكتب للمرة الثانية عن "العفن"، باعتباره سبق أن كتب مقالا بتاريخ الإثنين: 03 ربيع الثاني 1435هجري، الموافق ل 03 فيفري 2014 بعنوان "مالك بن نبي من خلال كتابه العفن"، حين تطرق للكتاب لأول مرة في حياته.
أقرأ بأنه جاء في كتاب "مذكرات شاهد القرن"، أن مالك بن نبي ألقى محاضرة بعنوان "هل نحن مسلمون ؟"، وجاء في كتاب "العفن " أنه ألقى محاضرة بعنوان "هل نحن عرب"، مايدل على أن "العفن" غير صحيح، وعليه أقول ..
كلمة واحدة لا تكفي لإلغاء الكتاب. ثم إن الفرق غير جوهري مادام هناك محاضرة وهناك سؤال. ولنقل خطأ في الترجمة والنقل، أو سهوا صدر من الناشر أو المترجم دون قصد. ويبقى من حق القارىء المتتبع أن يواصل بحثه ونقده للكتابين، ويقف على الجديد أو الغريب عن علم وبصيرة. وقد اشتكى بن نبي في حياته من سوء الترجمة، لذلك أشرف عليها فيما بعد بنفسه، واستغلال كتبه كما حدث مع كتابه "وجهة العالم الإسلامي"، الذي قدم بعنوان "مستقبل الإسلام"، وقدم على أنه كاتب فرنسي مهتم بالشؤون الإسلامية الشرقية.
أما فيما يخص تعرضه لمفدي زكرياء، نقول على إثرها.. تطرق مالك بن نبي في "العفن" لكل الشخصيات وليس مفدي زكريا فقط، وقد سبب له هذا الموقف مشاكل عديدة مع العلماء، والساسة، والقادة من الداخل والخارج، ويبقى رأي يخضع للنقد. لكن لا يرفض الكتاب لأنه انتقد فلان أو فلان.
وحين يدخل القارئ المتتبع عالم المقارنة، يجد أن مذكرات كلا من "الطفل" و "الطالب"، تحدث عبرهما مالك بن نبي عن مرحلة الطفولة والشباب، وهذه لا تتطلب نقدا واسعا، إنما يكفيها الوصف بغض النظر عن طبيعته. وفي "العفن"، تتطرق لمرحلة النضج، والكاتب، والخيانات، والصراعات، ونقده لكافة الأطراف الوطنية منها والدولية. لذلك اتسم "العفن"، بالشراسة والقوة وذكر الأسماء والأماكن والمواقف، مما جعل هذه الأسماء أو الموالين لها يقابلونه بنفس القسوة وزيادة أحيانا.
ولهذا السبب كان "العفن" عنيفا جدا مقارنة بكتبه التي سبقتها أو التي تلتها، لأنه يتحدث عن مرحلة النضج من حياته، وكلها صراعات فكرية، بل وصلت إلى التهديد. وبين يدي الآن "les Carnets de Malek BENNABI"، وهي تشبه كثيرا "العفن" في ذكر الأسماء، والأماكن، ووصف الصراع بالتفصيل، ورسم الخيانة، ولم يقل أحد – فيما نعلم -، أن دفاتر بن نبي لا وجود لها، رغم أن الأسماء تم استبدالها بالرموز. ولسنا ندري لحد الآن، هل مالك بن نبي هو الذي استعمل الرموز عوض الأسماء؟ . أم الجزائري الذي قدمت له الدفاتر وتولى نشرها؟، وفي هذه الحالة يكون من غير اللائق التصرف في تراث بن نبي بهذا الشكل المشين.
والقارىء المتتبع يقرأ لكل الأطراف ولا يميل لأحد. وقبول الكتاب أو رفضه لا علاقة له بنقد جهة أو مدح شخص. وقد قرأت كتاب "في صحبة مالك بن نبي" من جزأين وبالنسخة الورقية، للأستاذ المحامي عمر كامل مسقاوي، وعرضته لحد الآن في 20 حلقة منشورة، ولم يشكك في صحة "العفن". وكان أمينا متواضعا، حين اعترف أنه لم تتح له الفرصة لقراءة الكتاب، وتعامل معه كما تعامل مع الكتب التي أوصاه بها أستاذه مالك بن نبي الذي ظل وفيا له. وسبق لصاحب الأسطر أن كتب في الحلقة الثانية بعنوان " مالك بن نبي الطفل والطالب "، مايلي .."
يتضح إخلاص وأمانة الأستاذ عمر كاممسقاوي في صفحتي 67 -68، حين يؤكد أنه لم يطلع على مذكرات شاهد القرن الخاصة بكتاب "العفن" إلا بعد أن نشرتها ابنته رحمة مالك بن نبي، ماتطلب منه إعادة النظر فيما كتب، بعدما قرأ "العفن".
وأخشى ما أخشاه أن الذين انتقدهم مالك بن نبي في كتابه "العفن" وهم كثر، سواء من داخل الجزائر أو خارجها، ومن العلماء، والساسة، والقادة، والمفكرين، هم من وراء فكرة أن "العفن" غير صحيح ولا يحق التعامل معه. وكم يتمنى صاحب الأسطر أن الأيام القادمة تكذبه في شأن ما ذهب إليه.