حضور جزائري في اجتماع مونتريال    وكالة جديدة للقرض الشعبي    الوفد الإغاثي يعود للجزائر    الخضر أبطال إفريقيا    العدوان الصهيوني على غزة : استمرار الإبادة الوحشية خصوصا في الشمال "إهانة للإنسانية وللقوانين الدولية"    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    مجلس الأمة: رئيس لجنة الشؤون الخارجية يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    ينظم يومي 10 و11 ديسمبر.. ملتقى المدونات اللغوية الحاسوبية ورقمنة الموروث الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    مباراة التأكيد للبجاويين    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(رسالة مفتوحة من أب مكلوم إلى الرأي العام الجزائري ….! أغيثوا "بناتي" المختطفات ..!!)
نشر في الحوار يوم 17 - 10 - 2016


بقلم : محمود عبد الرحمن الشهابي
"لقد أخطأت كثيرا حين ظننت أن التضحية أن تمنح أكثر من اللازم وأن تصمت أكثر من اللازم .. ولذلك أتيتكم لأبوح قهري بعد كل محاولاتي الحثيثة والمجهدة لتحقيق خرق ما تجاه عقلها أو وجدانها المغلق على فضاءات الحقد والكراهية والعقد، لأنني آمنتُ أن من الكرامة ألا تصمت أكثر من اللازم".
"رسالتي لبناتي .. قريبون أنتم كوشم في صدري كأنفاسي كأفكاري كمشاعري .. ولن أترككم ما حييت … أحبكم .. بل أتنفسكم ..!!".
ما زلت أستذكر تماما تلك المشاعر الحميمة والعواطف المتدفقة التي كانت تعتريني وأنا أحتضن بناتي الثلاث (توليب "13 عاماً، لوتس 11 عاماً ونيلوفر 6 أعوام )، كنت أشبه بمليك في عرشه، كنّا أسرة متماسكة تجمعنا المحبة والألفة والسكينة والطمأنينة مع زوجتي (غادة عرب) التي عندما ارتبطت بها أقسمت أن أكون البلسم الذي يداوي جراحها النازفة فقد عاشت مأساة طلاق وانفصال بين أبوها ووالدتها أثرت على خرابها الروحي ونموها النفسي المتوازن، فحاولت أن أكون الزوج والطبيب المداوي، وكانت قد تخرجت من معهد للرسم الهندسي بعد الثانوية العامة فأليت على نفسي أن أطور ذاتها، وأن أتلقف أحلامها لأصنعها بالتعب والعمل والسهر وحراسة الأحلام، فقد تبنيت طموحاتها وعجنتها بطموحاتي ليقيني بأن صناعة أم تشبه صناعة "مدرسة" وبأن هذا سيعود على شخصية بناتي وبناؤهم الذاتي، وسيعود مستقبلا على المجتمع الذي أنتمي له على بلادي ووطني بالخير والبناء واستشراف المستقبل، فما ادخرت جهدا لأدخلها في الجامعة كي تكمل دراستها التي رغبتها في حقل "الترجمة" في "الأدب الانكليزي"، كانت كل سنة تجتازها تقفز بي عمراً ملوناً يضاف إلى عمري ولو كان ذلك على حساب متطلبات أسرتي واحتياجاتي الشخصية، وكسرت كل القوالب الجاهزة والعادات والتقاليد البالية ومداخلات الأهل الغاضبة والمعترضة ومناكداتهم، وكل مادة كانت تخفق في اجتيازها كانت تعتبر إخفاقا شخصيا لي.

عشت رساما أكحل عينيها بالفرح، وأطرز قلبها وأوشيه بدانتيلا السكينة والسلام، سهرت على راحتها وتلبية كل متطلباتها، متناسياً تعبي ولهاثي خلف رغيف الخبز، وتأمين الشكل الاجتماعي والمعيشي اللائق لأسرتي، من دمي ولحمي وأعصابي لأكوَن ألفة ومودة لأسرة متماسكة جميلة، وحرصت لتكون إضافة للمجتمع لا عالة على كاهله، وتحملت ما تحملت حتى تخرجت من الجامعة ونالت شهادتها، وكانت فرحتي كبيرة لأنني اعتبرت إنجازها إنجازي الذي جبلته بالعرق والسهر والتعب، إلا أن ألذ التعب وأطيبه كان ما بذلته تجاه بناتي، أزهاراً كأسمائهم رعيتها بالسقاية والرعاية حتى رأيتهم يكبرون أمام عيني وتتفتح براعمهم برقي وجمال وروعة فحرصت على أن يدرسوا في أرقى المدارس بمبالغ مادية طائلة، وأن يلبسوا ويأكلوا ويشربوا أفضل اللباس والمأكل والمشرب وأجوده، أدخلتهم في كافة المعاهد الفنية والموسيقية والنوادي الرياضية كمؤسسات رديفة للبناء والنمو وتطوير الذات مهما كلفني الأمر.

وحين صارحتني زوجتي بأنها تود اقتناء سيارة خاصة بها لتجاري ذاك المجتمع المخملي التي حرصت أن تنسج العلاقات الاجتماعية بداخله، أمّنت لها ذلك فارتادت أرقى المطاعم والمنتزهات والحدائق والنوادي الثقافية دون أن أبدي تذمراً أو اعتراضاً، لأنني كنت أومن بأن ذلك سينعكس على شخصية وبناء بناتي فلذات كبدي وزهرات عمري العطرة، إلى أن أناخت الأزمة السورية بكامل ثقلها الضاغط والمؤلم على الواقع السوري، فلم يبق بيتاً إلا وزاره الحزن والتعب والشقاء، لكنني كنت الجندي المرابط المستنفر على حدود بيتنا كي لا تصل نأمة ألم إلى عائلتي، ومنذ بداية الأزمة وقبل أن تشتعل المنطقة التي كنت أقطنها أنا وأسرتي نقلتهم إلى منطقة راقية (مشروع دمر) في العاصمة دمشق بعيداً عن أصوات القذائف ومشاهد القتل والتدمير كي لا يمسهم سوء أو تتلقفهم قسوة معاناة وتعب يشهد الاقتتال، متحملاً النفقات المالية الباهظة حرصاً مني على أن تنمو هذه الزهرات (توليب، لوتس ونيلوفر) مع أمهم في بيئة نقية نسبيا وملائمة للتفتح والتطور والبناء.

ولم أكتف بذلك بل عندما تضررت أسرة زوجتي ونزحوا من منطقتهم الساخنة ساعدتهم على تأمين المسكن البديل في منطقة آمنة وتأمين كافة احتياجاتهم من مأكل ومشرب وملبس ليستقروا ويتوازنوا كي تتوازن زوجتي وأولادي، كرما لعينها ولمحبتي وتقديري العالي لها حتى أنني عندما اشتكت والدتها من بطالة شقيقها (وائل) واستجدت أن أوأمن له فرصة عمل أجبتها بأن: ذلك واجبي ومرة أخرى كرما لعينيك سأتحمل العبء الثالث علي وأقسم اللقمة بين أسرتي وأسرته التي اعتبرتها أسرتي الثانية، كي يسود الوئام والانسجام، ساعدت شقيقها على اقتناء منزل وسيارتين بدلاً من الواحدة، ومرتباً عالياً، هو وزوجته وابنته حتى يعيشوا بوضع ومستوى لائق لا يقل عن معيشة أسرتي ، ومن يحب زوجته يحب أهلها، وهذه قاعدتي التي تربيت عليها.

ولشدة خوفي وتوجسي من تفاقم الوضع السوري، حرصت على تأمين الجنسية الجزائرية لزوجتي وعائلتها على نفقتي، متحملا تكاليف السفر واستخراج الوثائق ووقائع المحاكمات لتحصل على "الجنسية الجزائرية"، فهي فلسطينية من أصول جزائرية. وبموجب القانون الجزائري المعمول به في الأراضي الجزائرية حصلت بناتي على الجنسية الجزائرية وإخوة زوجتي أيضاً ووالدها، إلى أن أتت ذات ليلة تطلب مني السفر هي وبناتي لاستخراج جواز السفر "البيو متري" وقضاء إجازة في الجزائر بينما تصدر هذه الوثائق الرسمية، ورغم أن موافقتي ستعني حرماني من رؤية بناتي، وأن أعيش لواعج الألم والاشتياق بعيداَ عنهن، وافقت رغم مصارحتها لي بأنها ستستغل فترة وجودها هناك لتحصل على قرض من أحد البنوك الجزائرية، بحجة أنها ستؤمن بمبلغ هذا القرض مشروع عمرها، رغم اكتفائنا المادي وعدم حاجتنا لهذا النوع من القروض الربوية من أي جهة تصدر، وهل يعني الانتماء لجنسية أي بلد سوى تصوره كوليمة نريد أن نأكل منها دون أن نقدم لبنة واحدة في بنائه وتطوره وسؤدده، الجنسية برأي تعني الواجبات أكثر من الحقوق والمكاسب والمغانم، بل كان يكفيها شرف الانتماء لبلد المليون شهيد الذي لا يدانيه أي مكسب أو مغنم، لأن ذلك يعني أنها أضافت لهويتها جوهر الكرامة والأصالة والوفاء ومكرمة التضحية والبذل والعطاء كصفات لأهل الجزائر الأصيلين، فوافقت حرصا مني على سعادة أسرتي ورغبتهم في تغيير الجو على أن تعود بعد أن تقضي بضعة أيام من الاصطياف والعمل لتعود إلى مملكتنا الدفيئة، فسافرت مع أخوها "وائل" والذي كان هو الآخر يرغب باستخراج وثيقة جواز السفر البيومتري وعلى نفقتي أيضا لتستأجر منزلاً في منطقة راقية في وسط العاصمة الجزائرية (تيلملي)، وكنت أتواصل معها بشكل يومي لأطمئن عليها وعلى بناتي وكان يسود هذا التواصل جواً من الوفاق والانسجام والشوق لها ولهن، إلى أن فوجئت ذات ليلة باتصال هاتفي منها تعلمني به بأن أخاها قد عاد من "الشام" وقد حضر أخاها الثاني نائل إلى "الجزائر" دون أن تعلمني بذلك وكأن موافقتي هي تحصيل حاصل، فامتعضت وأخبرتها عن لا أخلاقية هذا التصرف وابتعاده عن أصول الأدب والتعامل العائلي وطلبت منها أن تعود إلى الشام هي وبناتي، وهنا كانت الكارثة والطامة الكبرى حيث رفضت ذلك وقالت إنها ستبقى في الجزائر ولن تعود إلى الشام فقد قطعت شوطاً كبيراً في إجراءات الحصول على القروض البنكية هي وإخوتها، وظنت أن استقلالها المالي قد تحصّل وأنها لم تعد بحاجة لي، فحاولت أن ألملم آثار التشاحن وذيول الخلاف إلا أنها كانت تمتنع عن الرد على مكالماتي رافضة أي محاولة للحلول الوسط في أي اتصال هاتفي تتكرم بالرد عليه مصادفة وأخبرتني أن بناتي هي التي صنعتهم وربتهم ونسيت كل ما قدمته من تضحيات تجاهها وتجاههن، إلى أن وصل بها كبرها وصلفها أن تصرخ في وجهي : "هذه البنات صنيعتي؟!! وأنا من تعبت بتربيتهن وليس لك الحق حتى بالتحدث إليهن والقانون الجزائري معي ولن ترى بناتك بعد اليوم بل حتى لن تسمع صوتهن" … فراحت تحظرهن عني وعن مواقع التواصل الاجتماعي وعن كافة وسائل وبرامج التواصل في الهواتف الذكية، وهنا أسقط علي الأمر وأدخلتني في نوبة اكتئاب وتعب وتلف نفسي وعاطفي مجزع …أيعقل أن بناتي اللاتي يرحن ويغدين أمام ناظري أصبحن بعيدين عني لا أستطيع مناغشتهن أو مداعبتهن أو اللعب معهن كما اعتدت في الأيام الخوالي … أيعقل أن تعب العمر قد تهدم كقصر من بلّلور شاهق وانهار بين ليلة وضحاها ؟!.

أيعقل أن أب بنى كل أحلامه ومشاريعه على أن يصنع أسرة متماسكة ومتآلفة تحطمت وارتطمت بجدار عزل عنصري وحاقد أشادته من أنانيتها وجشعها وعنجهيتها وأناها المتورمة .. ؟!، راحت الأسئلة تحاصرني والهواجس تضيق الخنّاق حول عنقي، ماذا لو مرضت إحداهن؟!، ماذا لو تعرضت واحدة منهن لمكروه؟! …وهن بعيدات عن ناظري، ماذا وماذا وماذا ؟!!

تلاحقني الأسئلة والتخمينات ككابوس مظلم لتقتل روحي أنا الأب الذي أرادت لي زوجتي أن أكون بحكم الميت في حياة بنات مثل الزهور، حكم عليهن أن يتربوا أيتاماً وأبوهن مازال على قيد الحياة … فدخلت المشفى على أثر ذلك وكنت أمسك ما تبقى لي من ذكريات وصور لهن على أربعة عشر عاماً، أداري نفسي بالجميل من الكلمات وأحوك من وبر القهر حصيري ومصيري …أتدري تلك المتكبرة كم من مرة صحوت في ليل مدلهم مرعب على منامات موحشة يأكلني فيها الشوق لبناتي؟!!، أتعلم أي ألم كطعم ازدراد الزجاج عانيته؟، أتدري كم من لهفة قتلتني وكم من شوق أكلني وأسقم روحي التي أرادت أن تدفنها في قبور ركبن على بعض من البعد والمنع والحظر؟!!، يا للوحشة أسمع … كم من مرة قرأت عن حوادث خطف لبنيات صغيرات في الجزائر وفي منطقة "تيلملي" تحديدا أثارت شجوني وهمومي وقلقي ومخاوفي.

كل مناشداتي ضاعت سدىً وكل توسلاتي وأناتي التي أرسلتها لها وصغتها بجملتي العصبية ذرتها رياح مرضها النفسي وأوهامها وعشقها لذاتها وانعدام إحساسها.

وأذكر وأنا المكلوم حتى تكسرت النصال على النصال، فجعت بمرض أمي رفة الروح في شعاب الوريد، فأرسلت صورتها وهي طريحة الفراش تعاني ما تعانيه في المشفى عبر إحدى وسائل التواصل الشاقة، لتريها لبناتي تحقيقا لرغبة أمي المسكينة جدتهن التي ماتت بحسرة الرغبة برؤية بناتي أو سماع صوتهن، إلا أن صلفها منعها من تحقيق هذه الرغبة الأخيرة لامرأة آزفة الرحيل .. وكنت مخطئاً حين ظننت أن كل القلوب كقلب أمي …!!
لقد أخطأت كثيراً حين ظننت أن التضحية أن تمنح أكثر من اللازم وأن تصمت أكثر من اللازم .. ولذلك أتيتكم لأبوح قهري بعد كل محاولاتي الحثيثة والمجهدة لتحقيق خرق ما تجاه عقلها أو وجدانها المغلق على فضاءات الحقد والكراهية والعقد لأنني آمنتُ أن من الكرامة ألا تصمت أكثر من اللازم.
فما من باب إلا وطرقته علَها تعود أواصر الوئام والتقارب، فاستجديت والدها المقيم في الدنمارك إلا أن كل رسالة أرسلتها كان يرسلها إلى ابنته ويسخر من مشاعري مميعاً الأمر بالمماطلة والتأجيل والتسويف، ليرتدي قناعين ووجهين قبالتي، حيث يلعب دور المجامل وفي الوجه الثاني يدفع ابنته للاستقلال والانفصال من خلال استخدام كل علاقاته في الجزائر لتأمين العمل لها في مجال التدريب في التنمية البشرية …..

يا للسخرية …أية تنمية بشرية ستشيّدها هذه المنهدمة من الداخل وأي معمار إنساني سترتقي به هذه المتمرغة في حضيض وحل القطع والانفصال، لا سمو الوصل والحوار..وكيف تؤتمن على التطوير والتغيير في ذوات "المتدربين" الذين لا يعلمون أنها أغلقت باب عمرها على نرجسيتها وشوائب الأنانية وعقد تصفية الحسابات المختلقة والواهمة دون أن يرف لها جفن في جريمة استخدامها لأطفال بريئات في خلافات أسرية بسيطة قد تنشب في أي عائلة في هذا الكون.

في مخالفة صريحة وتناقض رهيب مع مفهوم "التدريب" الذي لا يعدو عن كونه رسالة سامية كرسالة الأنبياء" لا المجرمين المضطربين وأي جيل سيحمل هذه الرسالة من التشويش والتدليس الفكري وخيانة الأمانة التدريبية وأي مهارات من التناقض والضياع والزيف ستكسبها لمتدرب بريء لا يعلم أن خلف قناع النبي تخفي ذئبا متوحشاً لا يهتم لمشاعر الآخرين ولا يضحي بطموحاته وأنانيته ومشاعره كرما لأطفاله البريئين، وأي مؤسسات للتدريب والتأهيل والتطوير اعتمدت هذه المخادعة لتنقل رسالتها الإنسانية السامية بعيدا عن النفاق والتضليل والتدليس الرهيب.

راحت تزرع الحقد في نفوس بناتي لتشوه ما تبقى من براءة ونقاء وجمال في حياتي وحياتهن، فقط لأنها تريد أن تنتصر لذاتها واستعانت على هذه الجريمة بصديقة لها تدعى (ع. ت) تصب الزيت على النار وتؤجج لهيب الخلاف لتأخذه إلى مساحات تأكيد الاستقلال والانفصال عوضاً عن التوافق والتقريب لوجهات النظر كسعي والدها المخادع كما أشرت.

فرحت أرسل أخوتها بعد أن عادوا وتركوها وحيدة في الجزائر الواحد تلو الآخر بعد أن قضوا مآربهم الشخصية بحصولهم على الجواز الجزائري متحملاً كل الأعباء المالية في السفر والتنقل ومتجاوزاً كل موانع التواصل والارتقاء، ليحاولوا إعادتها لرشدها وصوابها، محملاً إياهم كل ما كانت تحبه هي وبناتي في الشام من فاكهتها وحلوياتها وخصوصيتها العريقة التي كانوا يعشقونها، علها تحن أو تعود عن خيانتها للأمانة القانونية بوكالة السفر للبنات، إلا أنها أبت واستكبرت وطردت أخوتها الواحد تلو الآخر وأغلقت كل منافذ الحوار والعقلانية وكانت تخبرهم بأنها تريد رؤية حطامي ودماري وتقهقري ..ورغم كل الآلام والمثالب رحت أرسل المبالغ المالية كالتزام أخلاقي لمتطلباتها ومتطلبات بناتي علني أرسل رسالة طمأنينة لروحها المسكونة بالشرور والسموم لكنها لم تستجب.

ولا أخفيكم ما خسرته من انشغالي بهذه المشكلة من خسارات مادية لالتزامي بمشاريع قيد التنفيذ وأخرى جديدة كانت ممكن أن تضيف لي ولأسرتي أرباحاً وتطوراً، إلا أنني تماسكت ورحت ألملم حطامي كي لا أكون موضع شماتة هذه المتعالية وأبوها وكل من أراد لي ولأسرتي أن تتهدم وأن يتقوض معمارها الحميمي الجميل، وقد نسيت أو تناست أن غيبة الأولاد لا تحجّر القلب العطوف ولاتفترس الذكريات الندية والأمنيات الطاهرة.
جئتكم أناشد ضمائركم الحية كما عهدي بأبناء الجزائر الأحرار الأشراف الأطهار … أستصرخ إنسانيتكم الحارة التي صنعت استقلالكم المجيد وبنيان كرامتكم الشاهق كنفوسكم الحرة … أن تنقذوا زوجتي من نفسها المريضة أولاَ فتساعدوها على أن تأخذ القرار بأن تمتنع عن حجب البنات وتشويه حياتهن وتسهل تواصلي ولقائي بهن كحق إنساني وقانوني وشرعي .. وأن تنقذوا بناتي ثانياً من هذه العقد والأمراض والبيئة غير الصحيّة للنمو والنضج والتطور النفسي والفيزيولوجي.
لقد سعيت بكل ما أوتيت من قوة وعلاقات وإنجازات وبناء كي أصل إلى الجزائر، وتتالت الزيارات لسفارتكم الموقرة في دمشق إلا أنني قوبلت في كل مرة ببرود الرفض ولا إنسانية المنع كوني من أصول "فلسطينية" ومن مواليد "سورية"، أنقذوا أطفالي أعيدوا لي فرحي المغتال وحياتي المتهدمة وساعدوني على أن ألتقي بروحي التي استلت مني قسراً …. بيدكم أن تشفوا ندبة الأرواح وكلم النفوس … فلا تمتنعوا عن مساعدة بسيطة يمكن أن تعيد حياة بأكملها … ورسالتي لبناتي .. قريبون أنتم كوشم في صدري كأنفاسي كأفكاري كمشاعري .. ولن أترككم ما حييت … أحبكم .. بل أتنفسكم ..!!.

الأب محمود الشهابي
فلسطيني مقيم في سوريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.