د عطاءالله فشار يحذر العلامة ابن خلدون من دورة انهيار حتمي للأنظمة السياسية العربية التي تبدأ بالحزم والتقشف، ثم تنتهي أجيالها التالية تدريجيا إلى الترف المهلك، بما يجعلها تفتقد إلى فضيلة المدافعة والممانعة عن بقائها ووجودها. فهل نحن مؤهلون لكسر حلقة الدورة التاريخية والخروج منها إلى آفاق جديدة، بلا شك فإن الامر ليس سهلا امام قانون التاريخ، ومع ذلك يمكن تلمس نور وحيد في آخر النفق، يتمثل في حركة اصلاح جريء وجذرى، وتجديد شامل للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. كلام ابن خلدون عن خطر "الترف المؤذن بخراب العمر ان" انما يقصد به النهايات المتوقعة والمذهلة لكثير من الانظمة بسبب الحالة الاستهلاكية المتسيبة والمتفلتة التي تنتهجها نخب انظمتنا السياسية، كما هو حاصل في منحة نهاية العهدة للنواب عندنا. ان الترف يؤدى الي ظلم الرعية الذي يضطرهم إلى المشاغبة واليى الفوضي المتمردة، ربما لقد دعا ابن خلدون في عصره السلاطين في ذاك الزمان الي اكتساب قلوب الرعية بالمودة والاحسان والعفو، وفي لفتة منه يقول: "ان التجارة من السلطان مضرة بالرعايا ومفسدة للجباية" اي النظام الضريبي في زمنه. ان ما رآه ابن خلدون مازال مترسبا في كثير من نظمنا ومجتمعاتنا رغم قشرة "الحداثة" بل "العولمة"، فنح بحاجة الي التفكير العميق في بدائل اقتصادية وبرامج تنموية واعادة الاعتبار لقيمة الوقت والعمل كمقياس للتفاضل بين الناس في ما يتعلق بما يقدمون وينجزون، كما اننا بحاجة الي سياسة اقتصادية بديلة ومتدرجة ترتكز علي الاستثمار في العنصر البشرى اساسا ان الدورة التاريخية لا ترحم، وسنن الكون لا تحابي احدا، وحب الاوطان لا يباع ولا يشترى، واذا كان رجال الوطنية الاولي ضحوا باغلى ما يملكون الا وهي نفوسهم الزكية، فلا ضير اليوم ان تكون نخبنا السياسية نموذجا في التضحية والتجرد من الانا وحظوظ النفس، من اجل ان يعيش الشعب معززا لا مكبلا ومقهورا وذليلا، تحت وطاة الفوارق بينه وبين اشخاص اخرين، وفي حالة من سوء توزيع الثروة رغم كل الجهود التي بذلتها الدولة في اقامة بنية تحتية تكون في خدمة الشعب، ولكن يبقي املهم في ان يكونوا آمنين في عيشهم، بعد ان اطمأنت نفوسهم وعاشوا الامن والامان، فهم بحاجة الي رغد العيش والرفاه، وعدم ارهاق كواهلهم بجبايات وضرائب تؤرق يقظتهم ونومهم، وهم بحاجة الي القدوات والنماذج كما عاشوها من رجال الوطنية الاولين، وحينها لن يبالوا باي شيء.