الرئيس تبون يثني على جهود مصالح الأمن والدفاع بعد تحرير الرهينة الإسباني    عرقاب يشارك في الاجتماع الخاص بمشروع ممر الهيدروجين الجنوبي    رمضان القادم سيعرف وفرة في مختلف المنتجات الفلاحية    رخروخ يشرف على وضع حيز الخدمة لشطر بطول 14 كلم    انطلاق الطبعة 20 للمسابقة الدولية لجائزة الجزائر لحفظ القرآن وتجويده    المشاركون في جلسات السينما يطالبون بإنشاء نظام تمويل مستدام    تحرير الرعية الاسباني المختطف: رئيس الجمهورية يقدم تشكراته للمصالح الأمنية وإطارات وزارة الدفاع الوطني    الفريق أول شنقريحة يستقبل رئيس قوات الدفاع الشعبية الأوغندية    إشادة واسعة بدور رئيس الجمهورية في قيادة جهود مكافحة الإرهاب في إفريقيا    مجلس الأمة : فوج العمل المكلف بالنظر في مشروعي قانوني الأحزاب السياسية والجمعيات ينهي أشغاله    تحويل ريش الدجاج إلى أسمدة عضوية    الجزائر ستكون مركزا إقليميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر    استيراد 63 طنا من اللحوم الحمراء تحسّبا لرمضان    "فتح 476 منصب توظيف في قطاع البريد ودعم التحول الرقمي عبر مراكز المهارات"    61 ألفا ما بين شهيد ومفقود خلال 470 يوم    وزيرة الدولة الفلسطينية تشكر الجزائر نظير جهودها من أجل نصرة القضية    غوتيريش يشكر الجزائر    وحشية الصهاينة.. من غزّة إلى الضفّة    استفزازات متبادلة وفينيسيوس يدخل على الخط    حاج موسى: أحلم باللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز    لباح أو بصول لخلافة بن سنوسي    هذا موعد قرعة كأس إفريقيا    إصدار 20500 بطاقة تعريف بيومترية و60 ألف عقد زواج    برنامج خاص لمحو آثار العشرية السوداء    9900 عملية إصلاح للتسرّبات بشبكة المياه    44 سنة منذ تحرير الرهائن الأمريكيين في طهران    لا ننوي وقف الدروس الخصوصية وسنخفّف الحجم الساعي    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    مزيان في إيسواتيني    تاريخ العلوم مسارٌ من التفكير وطرح الأسئلة    السينما الجزائرية على أعتاب مرحلة جديدة    "كاماتشو".. ضعيف البنية كبير الهامة    حدائق عمومية "ممنوع" عن العائلة دخولُها    "زيغومار".. "فوسطا".."كلاكو" حلويات من الزمن الجميل    نص القانون المتعلق بحماية ذوي الاحتياجات الخاصة يعزز آليات التكفل بهذه الفئة    تألّق عناصر مديرية الإدارة والمصالح المشتركة لوزارة الدفاع    من 18 إلى 20 فيفري المقبل.. المسابقة الوطنية سيفاكس للقوال والحكواتي    لتفعيل وتوسيع النشاط الثقافي بولاية المدية..قاعة السينما الفنان المرحوم شريف قرطبي تدخل حيز الخدمة    الغاز: بعد استهلاك عالمي قياسي في 2024, الطلب سيستمر في الارتفاع عام 2025    وفد برلماني يتفقد معالم ثقافية وسياحية بتيميمون    دراجات/ طواف موريتانيا: المنتخب الجزائري يشارك في طبعة 2025        كأس الجزائر لكرة القدم سيدات : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    الأمم المتحدة: دخول أكثر من 900 شاحنة مساعدات إنسانية لغزة    شرفة يترأس لقاءا تنسيقيا مع أعضاء الفدرالية الوطنية لمربي الدواجن    شايب يلتقي المحافظة السامية للرقمنة    الاحتلال الصهيوني يشدد إجراءاته العسكرية في أريحا ورام الله والأغوار الشمالية    وزير الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية في زيارة عمل وتفقد إلى ولايتي سطيف وجيجل    العدوان الصهيوني على غزة: انتشال جثامين 58 شهيدا من مدينة رفح جنوب القطاع    دومينيك دي فيلبان ينتقد بشدة الحكومة الفرنسية    الجوية الجزائرية: على المسافرين نحو السعودية تقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بدءا من ال10 فيفري    الجوية الجزائرية: المسافرون نحو السعودية ملزمون بتقديم شهادة تلقي لقاح الحمى الشوكية رباعي التكافؤ بداية من 10 فبراير    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهيئات الثقافية العربية تخاف من زوالها إذا صدر منها بيان لا يتواءم وسياسات الحكومات
نشر في الحوار يوم 25 - 11 - 2016

منذ اندلاع الحراك العربي، مطلع عام 2011 ، الذي أطلق عليه مصطلح " الربيع العربي"، الذي حول العديد من دول العالم العربي إلى رماد، حيث باتت ساكنته تنام وتستيقظ على وقع دوي الانفجارات، وأضحت بعض المناطق العربية اليوم ميدانا للتناحر ومجالا حيويا تتسابق نحوها القوي الغربية لفرض سيطرتها عليها، وشكلت تحالفات للنيل منها، و دفعت ثمن هذه الحرب البربرية شعوب الدول التي مرت بها رياح التغيير الزائفة. واقع أُسند زمام حله إلى القوى العظمى، وأمام هذا الواقع المرير اعتلى المبدع العربي الذي يحمل أعظم سلاح للدفاع عن قضايا وطنه، صهوة قلمه وفر نحو فضاء مجهول غير مبالي لما يعانيه الإنسان في تلك البقاع المشحونة بالتوتر.
فما هي أسباب عدم فعالية المثقفين العرب وغيابهم الشبه الكلي على الساحة ؟، وما سر فرارهم وانزوائهم إلى ركن مظلم، وما سبب هيامهم بوجوههم في عالم الخيال والبعد عن الواقع، أين ضميرالمثقف العربي ، وبماذا يفسر الصمت المطبق الذي لازمته اتحادات الكتاب العرب التابعة للحكومات الوطنية، الذين لم نقرأ لهم بيان تنديد لما يجري بالمنطقة العربية، لماذا عجز المبدع العربي عن إنتاج أفكار عملية تدفع إلى المساهمة في معالجة القضايا الراهنة؟؟ مجموعة أسئلة طرحتها " الحوار" على بعض الأقلام العربية، البعض منهم كانت لهم الجرأة وأبدوا رأيهم في القضية، والبعض الأخر رفضوا الإدلاء برأيهم متحججين بحجج واهية.

الكاتب والإعلامي الدكتور محمد بغداد من الجزائر :
تنظيمات المثقفين العرب هياكل مهجورة

وعلى صعيد مماثل، أوضح الكاتب والإعلامي، محمد بغداد، من الجزائر، أن عدم فعالية دور المثقفين العرب، لا على مستوى الدول الوطنية ولا على مستوى العالم العربي، حتى اتحادات الكتاب "عمرها ما صدرت بيان بخصوص واش يصرا في الشارع العربي"، وأضاف يقول إن حالة التحول التاريخي العميق التي يمرّ بها الوطن العربي، تجاوزت حدود إزالة هياكل الدولة الوطنية، إلى مستوى إزاحة الكثير من المفاهيم التقليدية، وفي مقدمتها مفهوم المثقف ودوره المفترض، مما جعل من الصعوبة على المثقف فهم أو تفسير ما يحدث في الواقع، الذي يقوده اليوم أناس آخرون لا يملكون الصفة التقليدية للمثقف، وأصبحنا نعيش حالة ما بعد التنظيمات وهياكل المثقفين، التي انتهت مبررات وجودها، ولم يعد لها من معاني الوجود سوى الهياكل المهجورة، وما يسمى اتحادات أو تنظيمات للمثقفين، يضيف المتحدث ذاته، فقد التحقت بهياكل الدولة الوطنية المنهارة، وفقدت مبررات وجودها، وابتعدت عن حركة التاريخ، كون أصحابها ما زالوا محبوسين في تلك الذهنية المتخلفة والرؤية القاصرة، محرومين من فهم ما يدور في العالم، في الوقت الذي تمكنت فيه التكنولوجية التواصلية من فتح الفضاءات الجديدة للأجيال القادمة، بعيدا عن تلك الحواجز والعراقيل البيروقراطية والإيديولوجية، التي تتنافس تنظيمات المثقفين في تشييدها يوميا. الوطن العربي تحول إلى قارب مثقل بهموم الشعوب والأنظمة السياسية التي تعمل على التخلص من فئات اجتماعية واسعة بعدما عجزت عن حل مشاكلها، في الوقت الذي بقي المثقفون يتجاهلون هموم هذه الفئات ويتفرجون عليها، وهي ترقى في البحار ويتم التخلص منها من قبل النخب السياسية الحاكمة، مما أفقد المثقف شرعية تمثيل التاريخ، والعمل على صناعة المستقبل، هذا المستقبل الذي لن يكون فيه مكان للمثقف التقليدي الذي نتصوره اليوم، هذا المثقف الذي فشل في مجرد فهم ومسايرة التحول الذي نعيشه اليوم. ومن خلال ما ينتج اليوم من المعرفة القليلة جدا في الوطن العربي، يمكن أن نكتشف تلك الحالة المهمة التي نعيشها اليوم، والتي تعتبر الجسر الذي نعبر عبره إلى المستقبل، وهو في الوقت نفسه موعد لنهاية حقبة المثقفين وميلاد نخب جديدة التي ستأتي من ألم ومرارة هذا التحول التاريخي، ولن تكون ملزمة بالنظر إلى الخلف، أو تحمل ما تتركه هذه النخب اليوم من تركة غير صالحة، لتكون في رصيد أجيال المستقبل، إلا أن التحول التاريخي العميق الذي يجري في الوطن العربي سيكون من ثمراته المهمة ميلاد نخب جديدة تنسجم مع المشهد المستقبلي الذي سيؤول إليه الوضع، ولكنها ستدفع الثمن الباهظ من أجل إعادة ترميم التموضع التاريخي لها، وستكون مجبرة على إيجاد الإحداثيات التاريخية التي من خلالها تكسب هويتها ودورها ومنطق عملها، دون أن تكون مجبرة على تحمل تبعات الحاضر اليوم، والذي لن يكون في نظرها سوى ذكريات مؤلمة وفرص ضائعة، كان بالإمكان الاستثمار فيها لمنع التكاليف التاريخية الباهظة، التي يدفعها المثقفون اليوم.

* الدكتورة غادة سليم من العراق:
نحن بحاجة إلى جدولة أعمال اتحادات الكتّاب العرب

وفي المنظور ذاته، أوضحت الشاعرة الدكتورة، غادة سليم، الباحثة في علم الجيولوجيا البيئية بجامعة نيوزلندا، أن المبدع في جميع تخصصاته، فهو يتناول في أعماله ألية الدفاع عن قيّم وطنه وحق شعبه بالعيش بأفضل صورة، والأدب قادر على التغيير نحو الأفضل إذا كان المبدع حريصاً على تقدم وطنه. لقد قدّم شعراء وكتّاب الفكر الحر الكثير لأوطانهم، وقد تصبح الكلمة أحياناً أمضى من الرصاصة، منذ أن ساوى المتنبي بين القلم والرمح، ولكن أحيانا ينساق الأدباء إلى مبادئ أحزابهم وطوائفهم فتستخدم القصيدة والرواية لخدمة فكر معين وليس الشعوب بشكل عام، بينما المثقف العربي يجب أن يكون إنسانا ولا يُقيد بأفكار مرسومة ولايرتبط بحزب معين، وقد ينتهي الأمر بهذا المثقف أن يصبح رجل سياسة. تصدر الاتحادات الأدبية أحيانا بيانات طنانه، ولكن هل هذا هو المهم؟. ارتفعت لغة السلاح فوق لغة الحوار وأزيز رصاص غلب قوة الكلمات، نحن بحاجة إلى جدولة أعمال هذه الاتحادات وإعادة شبابها، وتسليط الضوء على أهمية الكلمة في هذا الزمن الضائع.

* الدكتور عزيز عايض السريحي من اليمن:
المثقف العربي منفصم الشخصية
الرأي نفسه لمسناه عند الدكتور عزيز عايض السريحي، الذي قال بأن المثقف الحقيقي هو كل من له تفكير علمي نقدي يكشف به عن المسلمات و البديهيات الزائفة السائدة في المجتمع ويطرح لها حلولا، والمثقف الحقيقي يتصف بشجاعة فكرية ويقتحم المستحيل ولا يتلقى ما يسمعه و يقرأه، ولا يعتمد الأفكار الجاهزة مثل العوام وجل المتعلمين، بل يعتمد التمحيص والبحث والتحري ويراعي الموضوعية والنزاهة حين التعبير عن رأيه بعيدا عن التعصب والتحيز، وحين يقرأ فهو يقرأ قراءة الناقد لا قراءة المتذوق المتلقي الأعمى، بل يقرأ قراءة تمحيص ونقد ولا يثق ولا يصدق بسهولة، وهناك نوعان من المثقفين، المثقف الواعي والمثقف المصنوع، فالأول هو الذي يعي ما يأخذ ويعي ما يترك ويمتلك محورا ثابتا، يدور حوله ولا يكون تحت رحمة التيارات والسلطات الحاكمة، والثاني هو ذلك المثقف الذي تؤهله الحكومات والسلطات المستبدة لكي يصبح منبرا وبوقا من أبواقها، فدور المثقفين أمام مجتمعاتهم كبيرة، فهم مصابيح نور على ضوء ثقافتهم يتلمس المجتمع طريقة نحو التحرر والعدالة و التطور، فمصدر الثقافة في اللغة مشتقه من الفعل (ثقف.. ثقفا) أي صار حذقا، وإذا قلنا (ثقف الرمح) أي قومه وسواه، وثقف الطالب هذّبه وعلمه، فالمثقف مهيأ نفسيا وعقليا لبناء مجتمع صالح عادل راق ومتطور، لأنه متنور ومتحرر من قيود الجهل، ومعافى من أمراضه كالتعصب والأنانية والعدوانية، فهو دائما يبحث عن الحقيقة، وقد يدفع ثمن هذا الواجب حياته، وما نلاحظه أن المثقف العربي في اتحاد الكتاب العرب ونقاباته في هذه الفترة لا نرى له موقف إنساني نبيل تجاه ما يدور في عدد من البلدان العربية مثل اليمن وفلسطين وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية وما تمارس عليهم من حرب إبادة للإنسان فأصبحت هذه الاتحادات والنقابات أبواق للسلطات الظالمة التي تشترى ضمائرهم بحفنة من المال وكأنهم بعيدون وفي معزل عما يدور في الواقع، فمنهم من التزم الصمت ومنهم من ينتمي إلى فئة أو طائفة ويصرح ويعطي آراءه بما يخدم هذه الفئات، حسب ما تراه سياسة بلدانهم فأصبح بعض المثقفين العرب مسلوبي الإرادة بائعين لضمائرهم، وما يلاحظ من بعض وسائل الإعلام العربية وما تقوم به من تشويه للحقائق وما يدور في اليمن وبلدان عربية أخرى من جرائم حرب تقشعر لها الأبدان لهو دليل على ما وصل إليه المثقف العربي وكل الاتحادات والنقابات والمنظمات وحقوق الإنسان والهيئات الثقافية من فشل فكري ذريع، مسلوبي الإرادة والضمير الإنساني الحي الذي يتصف به المثقف في رؤاه للواقع بنقده البنّاء الذي ينطلق من موقف إنساني نبيل بعيدا عن التعصب إلى فئة أو حزب أو منظمة، بل يكون هدفه نابع من إرادة مثقف يبحث عن العدل والحرية والمساواة ونبذ الظلم بكل أشكاله والإيمان بحرية الشعوب واستقلالها.
وأرجع عزيز انقطاع المثقف العربي وخاصة في الفترة الأخيرة على مسايرة الأحداث إلى عجز المثقف العربي وتقاعسه عن التفاعل الإيجابي وفقدانه بوصلة التفكير الملائم لقراءة المرحلة مع ما يحصل في الأمة العربية والإسلامية، وما تواجهه من تحديات وما يمارس من ظلم وقتل وقمع حرية الإنسان وانتهاك لحقوق الطفل، وغير ذلك من التصرفات الإجرامية التي تمارسها سلطات وحكام لها نفوذها في المنطقة تحركها دول عظمى، ونجد المثقف العربي خارج كل مراهنة على أدواره وأصبح صورة افتراضية، يحركها حنين إلى نماذج وأوجه مثقفين عرب انتهى تأثيرهم، وكذا تهميشه من قبل السلطات والحكومات الظالمة للمثقف المتحرر من قيود السلطة والفكر الظالم، والذي يدعو إلى العدالة والمساواة في المجتمعات مما يجعله منعزلا متقوقعا لحل مشاكله الشخصية ومجابهة صعوبات الحياة، فضلا عن هيمنة دول عظمى على المنظمات والنقابات والاتحادات والهيئات الثقافية مما يجعلها لا تتخذ موقفا يعارض فكرها وسياستها وبما يتعارض مع مصالحها اتجاه دول أخرى فتبقى هذه المنظمات بوقا لهذه السياسات.

* الدكتور سيد علي إسماعيل من مصر:
المثقف العربي عديم الشخصية

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور سيد علي إسماعيل، من مصر، بأن هذا الوضع راجع إلى أننا نعيش في ظل أنظمة عسكرية أو قمعية أو ديكتاتورية .. أشكال عبادة الحاكم الواحد الأوحد، الذي يسخر كل موارد الدولة لحمايته وحماية نظامه، كذلك تفعل حكومات هذه الأنظمة من أجل مصالحا الشخصية، موهمة الحاكم بأنها تحافظ على وجوده وعلى استمرار حكمه. في ظل هذا المناخ يعيش المثقف أو الفنان أو المبدع، وليس أمامه سوى طريقين: الأول وهو طريق التطبيل للحاكم الظالم والترويج لظلمه في صورة ديمقراطية مزيفة، مع تزيين وتزييف لكل أفعاله وأقواله، حتى لو اضطر المثقف والفنان إلى قلب الإيجابي إلى سلبي أو جعل السلبي إيجابياً!!، وهذا الطريق يسلكه الغالب الأعم من المثقفين ضماناً للقمة العيش؛ إذا كان مثقفاً وفناناً حقيقياً مغلوباً على أمره. أما إذا كان من أنصاف وأرباع المثقفين والفنانين وما أكثرهم – فسيكون التطبيل والتهليل هو طريقه الوحيد، حتى يُكمل مركب النقص عنده، أما الطريق الآخر، وهو طريق معارضة الحاكم ونظامه عن طريق التصريح أو التلميح في الإبداع الثقافي أوالفني، فهو طريق الشجعان من مثقفي وفناني عالمنا العربي، وهؤلاء للأسف الشديد يعيشون على الكفاف وعلى الهامش، لأن النظام يحاربهم ويطاردهم، ويظل وجودهم خارج الوجود، ولا يذكرهم التاريخ إلا بعد وفاتهم أو زوال حكم الحاكم ونظامه، ومما سبق يتضح لنا أن السياسي الآن في عالمنا العربي هو المسيطر على كافة أشكال الثقافة والفنون بحجة حماية الحاكم ونظامه ..لأن السياسة نجاسة .. كما يُقال!!.

* الشاعر والكاتب عبد الله السمطي من مصر:
المثقف العربي فقد توازنه

من مصر، قال الشاعر صاحب الموسوعة " النقدية لقصيدة النثر العربية"، عبد الله السمطي، إن دور المثقف الحقيقي بكل مجالاته واشتغالاته من المفترض أن يكون دورا وطنيا، نابعا من المثل والقيم والمبادئ التي تحقق الخير والجمال والحق، وتحقق قدرا من حرية الإنسان حتى يكون صالحا للعمل في هذه الحياة، وصالحا لأن يؤدي دوره بإتقان. ومن هنا، فإن المثقف يصوغ ويبني ملامح وهوية أمته، والمفكر أوالفيلسوف أوالكاتب أوالأديب أوالعالم كلهم يشكّلون منظومة إنسانية في التحليل الأخير، لكنها منظومة روائية، منظومة نخبوية، لا ينبغي أن تجلس في نخبويتها وأبراجها بل تتحرك وتعمل وتعلم فيما هي تنظر، إن هذه التنظيرات لن تلقى نتائجها على أرض الواقع إلا إذا تحررت من دفاترها وكتبها وأدراجها وامتزجت بالمجتمع امتزاجا فعالا وعمليا وحقيقيا، هكذا هو الدور المنوط بالمثقف بوجه عام، وهذا الدور إذا كان عمليا بالتأكيد سيصل للسياسي، سيتأثر به، أو على الأقل سوف يستلهم بعض أفكاره وتصوراته. المثقف بالتأكيد ليس كائنا هلاميا أو كائنا معزولا أو كائنا أعلى لكنه مواطن مرتبط بمجتمع بهوية أمة وبوجدان شعب، وعليه أن يكون حقيقيا وأن يقدم أدواره التي تنهض وتبني وتطور، وعن عدم فعالية اتحادات الكتاب المنتشرة بالدول العربية. وأوضح السمطي أن هذه الهيئات مرتبطة بشكل أو بآخر بالحكومات، وهي تخاف على استمرارية وجودها إذا صدر منها بيان إدانة أو بيان لا يتواءم وسياسات الحكومات، فضلا عن ذلك هناك حالة انكسار شاملة وهناك نوع من الارتداد إلى الذات وعزلتها، وهذا أنتج قدرا كبيرا من اللامبالاة ومن ضياع صوت المثقف وخفوته، كذلك غياب الكبار الذين أسسوا لمُثل وقيم ووجود الانتهازيين والصغار والمتطفلين على الثقافة، وهؤلاء لا صوت لهم ولا ضمير حقيقي يعبر عن ثقافة أو هوية، بل مجرد تسلق للانتشار لا أكثر. الهيئات الثقافية في حالة "كوما" وغيبوبة بفعل ارتباطاتها الرسمية بالحكومات، وبفعل غياب الكبار، وبفعل هيمنة الانتهازية وسياسة التقية والخوف، هذا بإيجاز شديد.

* الشاعر إبراهيم طالع الألمعي من السعودية:
لن تستطيع اتحادات كتاب العرب فعل شيء ما لم تستجب لهم الشعوب

من جهته، أشار الشاعر إبراهيم طالع الألمعي، من العربية السعودية، أن الثقافة العربية الطاغية عبر تاريخها هي ثقافة سلطوية تتبنى الغالب على المكان، ولا تتبنى جوهرها، ولا أستطيع استيعاب ثقافة عربية شعبية استقلت عن السلطة منذ كانت هذه الثقافة محصورة في مهدها (جزيرة العرب) حتى امتدت بالفتوحات العربية بتعريب شعوب غير عربية واستعربت بهذا الفتح .. وما يحدث اليوم ليس سوى بدايات لا نهاية لها تلوح قريبا في الأفق لإعادة صياغة ما نسميه عالما عربيا صياغات تعتمد على صراع الشعوب التي قد تعتمد قومياتها من جديد من جهة، وبين بقايا سلطات كانت تدعي القيادة القومية لشعوبها أو تمثيلها الحقيقي للدين الذي كان يمكن أن يكون بعيدا عن هذه الصراعات، فمنذ عهد الخلفاء الأول حتى عصر الاستقلال الشكلي الحديث للشعوب العربية والسلطات تُوظف الثقافة العربية توظيفا سياسيا ميكافيليا دون وعي الشعوب، وكان الحاكم يحارب أخاه العربي والمسلم على أن كليهما هو المجاهد ضد أخيه الخارج وهلم جرا .. وطالما أن الثقافة العربية تبعية للسلطويات فلابد أن يسير مثقفو كل إقليم أو قطر في دولاب سلطانه .. ومع الانفتاح المطلق على العالم ابتليت الشعوب العربية اليوم بنوع من المثقفين غابوا عن وعي واقع شعوبهم مع شعورهم بالإحباط، زيدي على هذا: أنه انكشف لهم زيف الديمقراطية العالمية المهيمنة على ما يطلق عليه العالم المتحضر أو الأول ، وأنها ديمقراطية تخص مصالحه هو، ولا يؤمن حقيقة بأهمية تطبيقها على شعوبنا العربية التي سيخسرها كمادة تجارية له ولأسلحته ومنتجاته لدمقرط هذه الشعوب … لن يستطيع مثقفو العرب في اتحادات كتابهم أو سواها فعل شيء حتى تصل شعوبهم التي هي أرضية ثقافاتهم إلى الدرجة المثلى التي تكون فيها السلطات روحا حقيقيا لشعوبها، لا مجرد مافيات تستخدم الشكليات الدينية والمذهبية لتجييش الشعوب كرعايا تساق بشعارات رنانة زائفة هي في جوهرها لا تخص جوهر القوم، ويسير مثقفو كل قطر مع جوقة المستفيد على عمى، وكل بما لديهم فرحون…دون أن ننسى أن المنطقة العربية عموما مستهدفة استهدافا لا شعوريا من قبل الدول القادرة اليوم والمسيطرة على العالم، فعلى المستوى الحضاري: – دينيا، كل الأديان الثلاثة في العالم مركز انطلاقها من هنا، ولذا نجد هذا التكالب اللاشعوري في هدم كل المراكز الحضرية العربية الإسلامية في العراق والهلال الخصيب بإشراف وإدارة تلك الدول القوية التي تنطلق لا شعوريا، كما أرى من منطلق ضرورة القضاء على هذا المنطلق وإنهاكه وتفتيته- حضاريا: لا يمكن مقارنة أوربا مثلا فضلا عن أمريكا وسواها ببلاد الرافدين والشام واليمن في عمق التأثير الحضاري الإنساني عبر التاريخ العميق جدا.. بل والأخطر من ذلك أن تدركي بأن شدة الانفجارات الاتصالية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية عالميا كشفت أن كل الشعارات والإيديولوجيات والسياسات ليست سوى وسائل في اتجاه (الميكافلية) المؤدية تدريجيا بالإنسان نحو الفردانية !!! وعليه فأنى لمثقفي أو كتاب أقطار عربية تقع تحت سياط هذا التسلط العالمي المكتظ حقدا لا شعوريا عليها؟؟، وأن يكون لهم موقف جماعي يمثلنا حقيقة ؟؟!!.

* الشاعر ناصر أيوب (الأردن):
الإنقسام والغلبة سبب في تقاعس المثقف وألزمته البقاء في شرنقته

من جهته أوضح الشاعر، ناصر أيوب من الأردن، أنه في العصور القديمة كانت الكنيسة ورجال الدين يحاربون أصحاب الفكر والفلاسفة، ويقولون بأنهم مارقون على السلطة ويخشون من قول (الحق يحرركم)، حتى بات العداءُ متوارثاً بين السلطات الثلاث، وعلى الرغم من وجود العلماء وأصحاب الفكر والثقافة والأدب في وطننا العربي الكبير، إلا أننا لا زلنا نعيش بين المطرقة والسندان تحت وطأة الرقابة الفكرية واغتيال حرية الرأي في التعبير الواضح الصريح، أو التفسير الفاضح القبيح، أو ربما توارثنا سياسة القمع الفكري وحرية التعبير مما كان له الأثر الكبير على الخوف من نشر أفكار كثيرة لمدارس أدبية وفيرة في بلاط النبلاء والأمراء وصناع القرار السياسي، وبعد ما شاهدناه من تفرق وتقسيم ونزاعات في الوطن العربي، ندرك تماماً بأننا أصبحنا تربة خصبة لنثر بذور الفساد واستغلال المواقف وتحقيق المطامع على حساب معاناة الشعب وجوعه ودماء أطفاله وشيوخه، بحجة المحافظة على هيبة الدولة، ومع ذلك فإننا لا ننكر تضارب التوجهات الثقافية وتباين المدارس الأدبية مما لا يسمح لها بأن تقوى على التغيير لواقع مرتبط بدوائر سياسية أخرى تدير دفة الأمور عكس رياح ذلك التوجة، وبهذا نؤكد بأن الكيان المارق والدخيل قد أنجز مهمته في بلادنا في حصة رياضيات: فقد فرَّقَ (الجمع) وشجّعَ (القسمة) وأكثر (الطرح) وأوجع (الضرب)، أما نحن فلم نكن في غرفة الصف!!، أما آنَ لنا الحُضور؟.
وخلص ناصر يقول، صيحة إصلاح وأنا أعلم بأن ألف صيحةٍ من صيحات الإصلاح تظل صدىً ضائعاً ووهماً خادعاً مالم تهبط واحدةً إلى نفوسٍ فتّحت المعرفة أبصارها، وأضاءت الثقافة بصائرها فتتلقى حبها وتتفاعل معها ثم نُؤتي أُكُلها ناضجاً سائغاً في رجع الصدى واستجابة النداء.
استطلاع: نصيرة سيد علي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.