بقلم : جمال نصر الله لم تشفع أبدا المؤتمرات والندوات المقامة هنا وهناك على مدار ربع قرن وأكثر في مسار الثقافة العربية كي تحد وبشكل عام وكبير من حجم الاضطهاد المادي والمعنوي الذي لازم المرأة العربية عبر مختلف مستوياتها الاجتماعية ماعدا بعض الإجراءات القانونية المسجلة والتي قدرما أعطت نوعا من التقدم الملحوظ في الحريات، إلا أنها لم تجد لنفسها جمهورا من البنود المتتابعة والمتتالية لتضع المرأة في مصاف الرؤى الأكثر إنسانية، وتخلصها من براثن احتقار واستخفاف مكثت قرونا وهي حية تتحرك حتى اليوم …مصدرها سلطة ذكورية حادة. فهل من الواجب الإكثار وتكرار هذا النوع من المؤتمرات والإصرار على تنفيذ لوائحها على أرض الواقع والتي الغاية منها إعلاء دور ومكانة المرأة في الواقع والشؤون العامة.. أي هل هذا هو الحل الأسرع والأوفر والأنفع لأجل الفوز بوصفة تعمل على معالجة هذا المرض المذكور آنفا وهو (رؤية الرجل لغريمه في الحياة)، والغريب أننا في الوقت الذي اعتقدنا فيه أنه وجب علينا الإسراع في معالجة هذا المنحى أي رؤية الرجل للمرأة العربية في مراحل متقدمة وعبر جذورها، وجدنا أنفسنا بين فكيّ معضلة أكبر من الأولى وهي معالجة التطورات التي طفت نحو السطح إبان المرحلة التي كانت فيها الجهود تُبذل، فمرحلة المعالجة والإصلاح تخللتها في الجانب الآخر صعود فئة جديدة وجيل مشبّع بذات الأفكار، كان يولد في منأى أو خفية عن الأنظار حمل معه نفس الرؤى والأفكار من سلوكات وتصرفات تمس بحق المرأة في العيش الكريم وتنزل من شأنه هو كذلك كفرد يؤدي دوره بإحقاق وصواب. إذا فنحن أمام معالجة قبلية وأخرى بعدية، واحدة من اليمين وأخرى من اليسار، تلزمنا التصريح بأن الوضع جد معقد، فهل وجب معالجة تراكمات السنين أم ما جلبته لنا التطورات المفتوحة، وبتعبير آخر فإن مسألة معالجة حتى لا نقول محاكمة الجذور تقابلها عملية أخرى هي محاكمة الثمار والغصون، فقد أضحت مشاكل المرأة العربية عبارة عن عدوى سريعة المس والانتقال، ولا يُتهم فيها جيل دون آخر، لأن عملية التوارث هي الغول الذي لا توقفه بنود المؤتمرات والبحوث واللوائح…فقط السؤال الذي يُطرح في الصميم هو، كيف يتم القضاء على هذا التسارع الشنيع (عفوا) التوارث البشع؟. فلو كان الأمر متعلقا بجيل محدد فقط لتم ضبط ذلك، ومن ثمة بذل كافة الجهود لأجل إيجاد الحلول النفعية لها وبأسرع الوسائل المتاحة، لكن المعضلة في عدوى واسعة النطاق والمشارب. من كهل أو جد أو أب إلى حفيد جلهم مصاب بزكام روتيني متعدد الألوان والأعراض والأبغض أنه يتغذى من منابع متقاربة الوجهات والأرضيات هذه الأخيرة أوجدتها جهالة خاطئة في موضوع قراءة وفهم للتراث وتعامل سيء مع التقاليد، وعليه فنحن هنا لا نيأس بل نبشر بأن الداء المستشري يتطلب إمكانات ضخمة وضخمة جدا لا تقتصر على فرد أو هيئة أو جمعية أو مؤسسة أو معهد، بل هو مشروع أمة تشاركه كامل الفعاليات، ولكن للأسف نحن نعلم بأن ذلك لن يتحقق إلا في سياق وحدة الأفكار والرؤى، والتي لم تتحقق منذ قرون خلت، بل هي تتراكم وتزداد صلابة وتماسكا كطبقات الأرض، ولا زالت تفضل وتتلذذ بالتناطح والتراشق بدل السمو بثقافة التشمير على السواعد، وهذا ما يدعو إليه ديننا الحنيف، إذ نحن عدونا فوق سكة واحدة صوب غاية معلومة ومحددة، لكن للأسف الإنسان العربي ظل ممزقا ومصابا بالتشرذم الفكري ..فلا هو مقلدا للغرب بصورة مكتملة، ولا هو منفذا مرتويا بعقلانية تراثه الغني بالعبر والمواعظ، بل هو تحت سلطة غرائز لايقف في وجهها أي نوع من الدساتير والمراسيم. شاعر وصحفي جزائري [email protected]