لاتزال الموسيقى الأندلسية إلى يومنا هذا تتناقل بين فئة محصورة من الفنانين وتتوارث بين الأجيال بفضل الجمعيات الثقافية التي لازالت تناضل من أجل المحافظة على ما تبقى من تراث الأندلس وفنها الأصيل ناقلة عذب الألحان وأجملها، عاكسة انصهار الثقافات الموسيقية العربية والأمازيغية والإسبانية في قالب موسيقى أصيل يحاكي التراث التاريخي المشترك بين هذه الاقطار فكانت هذه الجمعيات حضنا التجأ اليه العديد من الفنانين والمواهب الشابة وكذا القلوب الشغوفة للعزف على أوتار مختلف الآلات الموسيقية تارة واحتراف صنعتها تارة أخرى، على غرار العود وهو سلطان الآلات ومجلب المسرات وآلة الكمنجة والقانون والرباب والكمان باعتباره أحن أصوات الالات الموسيقية. وتعتبر صناعة الآلات الموسيقية القديمة في الجزائر من الصناعات الآيلة للزوال بسبب نقص الحرفيين وندرة وغلاء المادة الخام وعزوف الشباب عن هذه الحرفة. "الحوار" وقفت عند هذا الموضوع" وتحدثت مع أبرز صناع هذه الالات وأهم الجمعيات التي تشتغل على الحفاظ على ما تبقى من هذه الصناعات العتيقة التي تحمل في طياتها ملامح العصر الذهبي للحضارة العربية والأندلسية. * رغم نقص المادة الخام محمد بلمشري ..عشق العود فتفنن في صناعته يعد محمد بلمشري واحدا من بين خمسة صانعي عود معروفين في الجزائر، بدأ رحلته مع صناعة العود سنة 1982 وهو في العشرين ربيعا وتعلم أبجديات الحرفة على يدي الحاج مبروك الجودي وهو أكبر صانع للآلات الوترية في مدينة الأغواط لينتقل بعدها الى دمشق لأجل صقل حرفته، فأخذ من الشيخ الحلبي عشرة مقاييس في مهارة صناعة العود. وحسب ابن مدينة الأغواط فان للعود أسرار لا يعرفها الا صُناعه الحقيقيون، فاللخشب دور مهم في انتاج الة موسيقية عذبة الألحان، حيث يحتفظ بالخشب بعد تقطيعه لخمسين سنة في الظل، ويترواح سعر العود الواحد من 40 ألف الى 50 ألف دينار جزائري، الا أن هذه الحرفة آيلة الى الزوال بسبب نقص الحرفيين والمواد. وللباحث محمد بلمشري علاقة حياة ووجود، إذ أصبح العود جزءا لا يتجزأ من حياته وناطقا بلسانه في الحديث فهو مكمن أشجانه وبواعث سروره وبهجته، وله ذكرى حلوة المذاق مع أول عود صنعته يداه، أهداه لنجم الأغنية الطوارقية الراحل عثمان بالي والثاني للفنان المرحوم محمد بوليفة.
* عبد القادر ترسان صنع 30 آلة موسيقية وأهدى أول كمنجة لبوتفليقة يرى عبد القادر تسران ان صناعة الالات الموسيقية في الجزائر يواجه مستقبلا غامضا بسبب غلاء المادة والتكلفة العالية للصناعة، فصناعة كمنجة بيضاء واحدة من غير دهن يتطلب 300 ساعة، كما أن السوق الاسيوي غزا المحلات بالالات والتي يقبل عليها طلاب الموسيقى مع أنها غير صالحة للتعليم لأنها تصنع من مواد غير يدوية وهي تفتقر للتقنيات المطلوبة وبالتالي لا تعطي لحنا سليما. كما تعرف هذه الحرفة عزوفا من طرف المتعلمين بالاضافة الى السياسة غير الواضحة في حق الموسيقيين والحرفيين. وعن مشواره قال محدثنا إنه بدأ مع صناعة الالات الموسيقية، بعد تخرجه من المدرسة العليا لصناعة الالات الموسيقية بمنطقة كريمونا الايطالية، والتحق بعدها بالمعهد الوطني العالي للموسيقى بالجزائر كأستاذ في تاريخ الالات الموسيقية وصانع لهذه الاخيرة في آن واحد، حيث أبدعت أنامله في صناعة الكمنجة، القوس، الالتو، التشيلو والكونترباص. وباعتبار الجزائر بلدا افريقيا فهي تفتقر للخشب الخاص بالالات الموسيقية، لهذا لم يفوت الحرفي عبد القادر ترسان فرصة تواجده بايطاليا وجلب معه حصة من الخشب وحصيلة ثلاثين آلة موسيقية من صنع يديه، تضم سبعة تشيلو ومايزيد عن العشرين كمنجة.
* جمعية الجنادية 32 سنة في الحفاظ على الأندلسي أنشأت جمعية "الجنادية" في 1985من قبل مجموعة من الموسيقيين والمهتمين بالموسيقى الأندلسية بمدينة بوفاريك. وتعنى الجمعية حسب نائب رئيس الجمعية بومدل سمير بالاهتمام بالفن الأندلسي والمحافظة عليه والعمل على تلقين الشباب أصول الموسيقى الأندلسية، وتعرف اقبالا كبيرا من طرف الشباب الهاوي للموسيقى والعزف على مختلف الالات. ويذكر أن الجمعية التي سميت بالجنادية تكريما للشيخ سي بوعلام الجنادي أحرزت المراتب الأولى في العديد من المهرجانات كالمهرجان الدولي في العزف على الموندولين ومهرجان الحوزي بتلمسان.
* جمعية المزهرية ..نموذج متميز للحفاظ على التراث الموسيقي تعتبر جمعية المزهرية بالأغواط نموذجا للمحافظة على التراث الأندلسي بالمدينة بسبب محافظتها على الموروث الموسيقي والطرب الأندلسي. تأسست جمعية المزهرية من طرف قدماء الموسيقيين ونالت شرف الاعتماد بتاريخ 18 سبتمبر 2004، ومن اهتمامات الجمعية الحفاظ على الموسيقى الأندلسية والطرب الأصيل الذي جاء به أكبر المشايخ في هذا المجال الشيخ محمد الجودي المدعو الراي مالك الذي عاش حينا من الدهر بالقصر الملكي بالمغرب الشقيق، ويعدّ من أقطاب الغناء والطرب الأندلسي وأخذ عنه في ذلك الكثيرون أمثال الفنان ميسوم والمطرب مقاري سليمان والفنان محبوباتي ومحمد المسقلدي من المغرب، وعازفون بينهم مصطفى اسكندراني والمبروك عازف الناي إلى جانب تكوين الأجيال الجديدة لضمان توارث هذا التراث عبر الأزمنة والعصور. واستطاعت الجمعية من خلال رصيدها الحافل بالمشاركات الفنية من بينها المهرجان الأندلسي الذي نظم بمدينة الأغواط سنة 2007 تكريما الشيخ محمد الجودي والمشاركة في الطبعة الثانية لموسيقى الحوزي بتلمسان سنة 2008 والطبعة الثانية للمهرجان الوطني لموسيقى الصنعة المنظم بالجزائر العاصمة سنة 2008. استطلاع : آمال .ك