ردا على رسالة الشيخ فركوس وجماعته عدة فلاحي/ باحث في الإسلاميات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نرضى للأمة الإسلامية هذا التشتت والانقسام والتطاحن الذي يتعارض مع القيم السامية التي جاء يبشر بها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليخرج بها البشرية جمعاء وليس المسلمين أو العرب فقط من الظلمات إلى النور ولا يوجد ظلمات أكثر من العداوة في الدين والمذهب أو في المدرسة الفكرية، وبحكم عضويتي بمجمع التقريب الذي يسهر على وحدة المسلمين على مختلف مذاهبهم ونحلهم ومللهم لا بد من الاجتهاد لتجاوز الفتنة والمحنة التي تمر بها شعوبنا التي كثيرا ما تسقط تحت خيارات حكامها بتحالف مع شيوخها وعلمائها لحسابات سياسية في كثير من الحالات أو معظمها الرابح فيها خاسر وبالتالي يمكن القول بأنه يمكن عقد مصالحة فكرية مع إخوتنا من عقلاء أتباع السلفية الوهابية في حالة ما إذا ابدوا استعدادا لمراجعة قناعاتهم حول مثلث برمودا القاتل الذي تقوم عليه منظومتهم الفقهية والباقي يبقى مجرد فروع وتفاصيل وما لم يتحقق ذلك فإننا نبقى نعتقد بأن السلفية ليست خطرا على الجزائر وفقط وإنما على الإسلام نفسه والمسلمين في جميع بقاع الأرض وعلى الإنسانية كذلك ولا يمكن لورقة الشيخ فركوس وجماعته التي نشرها الأسبوع الماضي على شكل بيان إعلامي عبر موقعه الالكتروني والتي قدم فيها الحجج والبراهين التي تنفي أن تشكل السلفية خطرا وإنما هي كذلك على صنف من الناس ومنهم المبتدعة والعلمانيون…، أن تغير من قناعة العقلاء والراسخين في الفقه والسياسة معا وبالتالي يجب… أولا: مراجعة الانتساب دون غيركم للطائفة الناجية التي جاءت في الحديث النبوي الشريف عن عبد الله بن عمرو: "إِنَّ بني إسرائيل تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي" رواه الترمذي وحسَّن الألباني إسناده، فهذا احتكار للحقيقة يجعلكم في موضع الحاكم بأمر الله تدخلون من تشاءون في جنة الرضوان وتدخلون من لا تشاءون إلى الجحيم برفقة الشيطان ولو في أبسط الأمور والمسائل حتى الخلافية منها وربما حتى حول تلك المتعلقة بقوله عليه الصلاة السلام "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" فما بالك بما له صلة بالعقائد التي جردتموها من الأخلاق التي من أجلها بعث المصطفى الأكرم وهنا لا بد من توضيح الحديث النبوي المذكور حيث قال الشاطبي في الاعتصام رحمه الله بوضوح: "هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزئي من الجزئيات، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل، وشاذها في الغالب لا يختص بمحل دون محل، ولا بباب دون باب. "إذن لا مجال لاحتكار الحق والحقيقة وإعطاء الحصانة العلمية لمراجعكم وتحقير الآخرين من المراجع والتقليل من شأنها وتبيحون التجريح فيهم بما لا ترضونه لشيوخكم الذين بايعتموهم على السمع والطاعة مثلهم مثل أولي الأمر، غير مكترثين بقيمة بثقافة النقد، فذلك مدعاة إلى الفتنة التي لا تساعد على العيش المشترك في ظل الاختلاف الذي هو سنة من سنن الله في خلقه، علما أن الإمام علي كرم الله وجهه نفسه قال "بأن القرآن حمال أوجه" وما دام الأمر كذلك كيف نرضى لأنفسنا تعطيل التفكير ليحل محله التكفير وقد أكرمنا الله بالعقل ! ؟ ثانيا: إسقاط قاعدة "عدم شرعية الخروج على الحاكم" لأن هذا الأمر ولى زمانه ولا بد من الاحتكام إلى الدستور والقوانين التي تحدد المهام والسلطات التي تقوم بتسيير شؤون الدولة الحديثة، لأنه ليس من المنطقي والمقبول الارتهان لقاعدة تعود إلى العهد الذي تأسست فيه وقامت الدولة الأموية التي تحولت إلى ملك عضوض على أنقاض الخلافة الراشدة وبالتالي ما كان عليها سوى توظيف المرجعية الدينية لتجد لها مخرجا يضفي عليها الشرعية، شرعية الدوام وليس شرعية التأسيس وفقط، فلم يتأخر فقهاء السلطان في اختراع هذه الفتوى التي جنت على امتنا على المستوى البعيد من خلال تكريس حكم الاستبداد وبكل ما يحمل من تبعات مهينة لكرامة وحقوق الإنسان التي جاء بها الإسلام واجتهادات الإنسان الحرفي العالم، وإذا أردنا أن نستدعي محطة من تاريخنا القريب سنجد بان المملكة العربية السعودية الحديثة نفسها قد تأسست أصلا بالخروج على سلطة الخلافة العثمانية وهذا حينما تحالفت السلطة السياسية بقيادة أسرة آل سعود مع المرجعية الدينية للشيخ محمد بن عبد الوهاب ضد الباب العالي الذي أمر والي مصر محمد علي وقبله إبراهيم باشا بإعلان الحرب عليهم وإعادتهم إلى جادة الصواب وبسبب ذلك سقطت العديد من الأرواح وسالت الكثير من الدماء ولكن وبعيدا عن الاعتراف بمسألة الخروج على ولي الأمر بالأستانة يتحايل الشيخ ابن باز رحمه الله بالقول "الذي حدث لم يكن خروجا على الخلافة العثمانية وإنما كان خروجا على الأوضاع الفاسدة" بمعنى أن الدعوة الوهابية جاءت لإعادة تشكيل وبناء الإنسان المسلم والدولة الإسلامية من جديد على قاعدة التوحيد ومن هو خارج دائرتها فهو خارج عن ملة الإسلام وجماعة المسلمين وهو في حكم الكافر الذي لا تجب طاعته والخلاصة أن دول آل سعود والشيخ ابن عبد الوهاب على المحجة البيضاء ومن هو على غير هذا السبيل فهو بعيد عن سبيل الهدى والرشاد ولكن السؤال الذي نطرحه على الشيخ فركوس هو بخصوص ما قاله "بأن الدعوة السلفية هي خطر على كل علماني يفصل الدين عن الدولة" بأن يجيبنا بكل صراحة حول رأيه وموقفه من الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي ينتسبون إليه أو ينسبونه إليهم، حينما وقف إلى جانب مشروع أو خطوة كمال أتاتورك في إسقاط الخلافة الإسلامية بالأستانة وأسس على أنقاضها دولة علمانية، علما أن الشيخ ابن باديس بقي ثابتا في موقفه من أتاتورك منذ البداية حتى وافته المنية بدليل أنه كتب تأبينية يعلي فيها من قدر أتاتورك ومن دوره البطولي في إلحاق الهزيمة بالانجليز الذين أرادوا احتلال تركيا، كما بارك عزله علماء الدين المتخلفين والمشعوذين الدجالين الذين اتخذوا الدين سجلا تجاريا لخدمة مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، وكذلك ما هو حكمكم على الشيخ ابن باديس الذي وصف كمال أتاتورك بالرجل العظيم الذي ترحم عليه بالقول: "رحم الله مصطفى ورجح ميزان حسناته في الموازين، وتقبل إحسانه فيالحسنين" ؟؟. إن التوظيف السياسي للدين بات جليا ولا يخفى على كل متتبع بأن نتائجه كانت سلبية على كل المستويات والمشكلة الكبرى والخطيرة هو أنه حتى قاعدة "عدم شرعية الخروج على الحاكم" غير ثابتة وتخضع للمتغيرات والتوازنات السياسية التي يراها صاحب القرار الذي يتحكم في عقول فقهاء السلطان والشيطان وهذا بلا شك يقودنا إلى الفوضى و التخلف والفشل في خدمة العمران والأديان معا.. ثالثا: إننا ندعوكم إلى التخلي عن الإسراف في التبديع وتكفير الناس بالشبهة ولأهون الأسباب استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في الناس وصاحبها في النار" وبالتالي انسحب هذا المفهوم لدرجة تعطيل الابتكار والإبداع الذي تعرض ولازال يتعرض أصحابه إلى ملاحقات قضائية في بعض الدول بدواعي الحسبة لدرجة التفريق بين الزوج وزوجته كما حدث للمفكر الراحل نصر حامد أبوزيد وغيره في المواطن ولو طبقنا هذا المقياس بالتأكيد لا يسلم من هذا الحكم حتى شيوخ الأزهر وعلماء بلاد المغرب بالزيتونة والقرويين فما بالك من هم دون ذلك ولهذا يجب أن تضع الحرب أوزارها ونعمل على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه وإلا صدق فينا أننا شر أمة أخرجت للناس لأننا بسوء فهمنا للدين وبأعمالنا السيئة والمضرة بنا وبغيرنا صرنا نأمر بالمنكر وننهى عن المعروف ونحب أننا نحسن صنعا وما ذلك إلا لأننا قوم لا يعقلون والنصيحة الذهبية التي يجب التواضع لها هي الابتعاد ما أمكن عن مثلت برمودا القاتل الذي حددنا مجالاته في كلمتنا المختصرة التي جاءت في هذه المقالة التي أردنا من خلالها أن نوضح مسألة جوهرية ومهمة وهو أن الفرق بيننا وبينكم يا سماحة الشيخ هو أننا نعيش ونحيا بالسلفية أما أنتم فإنكم تعيشون بالسلفية وفي الأخير هذا الفيلسوف أبو حيان التوحيدي يسلم عليك ويقول لك:"الأمكنة في الفلك أشد تضامنا من الخاتم في أصبعك.." و السلام على من اتبع الهدى.