معمر حبار كان من المفروض أن أكون اليوم في زاوية سيدي امحمد بن علي بمجاجة قصد متابعة الدروس المكثفة حول كتاب "تهذيب الفقه المالكي"، وكتاب "حفيف الورقات" حول الإمام الجويني من طرف الأستاذ سكحال المجاجي لليوم الثالث على التوالي، لكن الأب فضل أن يغيب عن العلم ليرافق أصغر أبنائه شمس الدين للمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الشلف، فاستغل الأب الفرصة ليمارس هوايته المفضلة، ألا وهي قراءة بعض الكتب المعروضة، وكأنه لم يغب عن العلم. انقسم الأطفال إلى فوجين، فوج لقراءة كتاب ثم تلخيصه، وقد أعطي كل طفل ورقة وقلم. وفوج لرسم ما يراه مناسبا، وقد أعطي كل طفل ورقة والأقلام الملونة، وتجمع بعد الانتهاء قصد توزيع الجوائز على أحسن تلخيص وأحسن رسم يوم الخميس. راح كل طفل يمارس هوايته المفضلة، هذا يقرأ ويلخص، وذاك يرسم. وبعد دقائق معدودات، إذ بي أرى بعض الأولياء يقفون إلى جنب أبنائهم ويطلبون منهم أن يكتبوا كذا وكذا، والبعض يمسك بالقلم ويكتب نيابة عن ابنه، ودون شعور مني قمت من مجلسي مرتين وأطلب من الأولياء أن يبتعدوا عن الأبناء ويتركوهم لشأنهم، لأن الغرض هو تربية الابن على حب القراءة والمطالعة وليس كسب الجائزة، وأن ما يقومون به غش سيساهم في تعزيز الكسل والخمول. ثم أقول لهم: انظروا إلى ابني فهو يجلس بعيدا عني، ولا أعرف الكتاب الذي اختاره، ولن أتدخل في تلخيصه أبدا، وفعلا تعمدت أن لا أرى تلخيصه ولغاية كتابة هذه الأسطر. حدثت زميلنا مدير المكتبة محمد قمومية Mouhamed Guemmoumia، عن التصرفات السيئة التي أشرت إليها، فأخبرني بحسرة وأسى أنه في السنوات الماضية كنا نعلن عن جائزة لأحسن تلخيص يختاره الطفل، إذ بالأولياء يلخصون لأبنائهم ويمدونهم بالتلخيص ليقدموه لأبنائهم على أنه من جهدهم وعرقهم من أجل جائزة لا تستحق كل هذا الغش الذي يفسد الطفل، وطموحه، وبراءته، وحبه للعلم والمعرفة. وفي انتظار نهاية القراءة والتلخيص والرسم للفريق الثاني، قمت كغيري من الأطفال بقراءة بعض من الكتب التي استفدت كثيرا من مطالعتها وأحببت أن أشارك القارىء بعض ما قرأت، وأعتبرها جائزة أهديها لكل شغوف بالقراءة والتلخيص، وهي: كتاب "الشهيد العربي بن مهيدي"، للأستاذ سليم كبير، المكتبة الخضراء، الجزائر، دون الطبعة، ولا عدد الطبعات، ولا سنة الطبع، ولا عدد الصفحات، وبدعم من وزارة الثقافة، ومما جاء فيه: طرد العربي بن مهيدي لنبوغه في المدرسة، وهذا شأن الاستدمار الفرنسي يومها الذي يمعن في طرد النوابغ الجزائرية وصناعة الجهل والفقر والجوع. وكان مولعا بالقراءة والكتابة. ورفض العمل في الإدارة الفرنسية المحتلة. وسجن إثر مجزرة 8 ماي 1945. وحكم عليه المستدمر الفرنسي ب10 سنوات غيابيا. وحين إندلعت الثورة قال قولته المشهورة: "إرموا بالثورة إلى الشارع وسوف يحتضنها الشعب". وقاد إضراب 8 أيام في 28 جانفي 1957. وألقي عليه القبض في 23 فيفري 1957. قال الشهيد العربي بن مهيدي لجلاديه: "إن جلدي يأبى أن يخون وطنه وشعبه" وقال أيضا: "تستطيعون انتزاع قطعة من لحمي، لكنكم لن تنالوا كلمة سر من لساني". وقال المجرم الجلاد السفاح الكولونيل بيجار: "إن ابن مهيدي يعرف كيف يقهر الألم". وقرأت كتاب "الشهيد باجي مختار" الذي أسشهد في 19 نوفمبر 1954، أي أستشد في الشهر الأول من اندلاع الثورة. وعيب الكتاب أن أوراق الكتاب كلها معادة، ما يجعل قراءة الكتاب صعبة، وربما قد تكون مستحيلة مرهقة لغير المدرب على قراءة الكتب، وقد نبهت القائمين على الكتب لهذه الملاحظة، وأرجو أن يزاح الكتاب عن الأطفال ومن المكتبة، ويستبدل بنسخة جيدة غير معادة. وقرأت كتاب "الشهيدتان فضيلة ومريم سعدان، والشهيدة حسيبة بن بوعلي"، دار أطفالنا، الجزائر، بدعم من الصندوق الوطني لترقية الفنون والاداب. ومما جاء في الكتاب أن الشهيدة حسيبة بن بوعلي إستغلت جمالها في تمرير القنابل للمجاهدين لأنها كانت تمر على مراكز المراقبة للمحتل الفرنسي ولا تخضع للتفتيش لاعتقادهم أنها فرنسية من ناحية شكلها الخارجي. ورحم الله شهداء الجزائر جميعا ورضي الله عنهم جميعا وأرضاهم، وحفظ الله كل من يقرأ ويستغل كل وقت للقراءة والإفادة، وتحياتي الخالصة لمحمد قمومية مدير لمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الشلف، على ما يقوم به من نشاط دؤوب تجاه العلم والثقافة وحفظ الذاكرة.