بقلم : الطيب توهامي سيناريست.. مخرج.. ومنتج سمعي بصري مسلسل الخاوة مختلف تماما عما قدمته وتقدمه القنوات من دراما محلية.. الاختلاف والتميز يبدأ من العنوان، فمنذ زمن بعيد لم يسترع انتباهي عنوان بهذه البساطة وبهذه الخصوصية. عنوان جزائري محظ ومعبر جدا عن قصة المسلسل. عنوان سلس ويمكن تداوله بسهولة. في العمل الدرامي العنوان مهم جدا فهو مفتاح القصة، وهو العنصر التشويقي والتسويقي الأول، فالعنوان قد يجذب وقد ينفر المشاهد. العنوان صمم بلمسة إبداعية، فخطه كان مميزا للغاية، ما فتح شهية المشاهد للغوص في جنيريك المسلسل، والتمتع بتلك التفاصيل الجمالية الراقية لذلك التصميم الفني، مع إيقاعي موسيقي لا يختلف جماليا وفنيا عن رقي التصميم. جاء جنيريك المسلسل متكاملا، يعكس جودة لم نعتد عليها في الدراما المحلية التي فقدت بريقها منذ سنوات. يحيلنا جنيريك المسلسل على كاست من الممثلين المخضرمين، أمثال حسان كشاش، جمال غوتي، فيزية تيغورتي، والممثلات الشابات أمثال زهرة حركات، شيرين بوتلة، ومنال جعفر. وجوه قديرة غابت فترة طويلة عن الشاشة تم تطعيمها بوجوه شابة هي في بداية مسيرتها الفنية. اختيار أراه موفقا ومختلفا إلى حد كبير عن الأسماء الفنية التي صارت تحتكر الدراما الرمضانية، حتى أصبحنا لا نفرق بين مسلسل ومسلسل آخر. الكاستينغ في مسلسل الخاوة كان موفقا نسبيا، ورباعي النجوم كشاش- غوتي- تيغورتي- حركات لعب دورا مهما في تميز هذا العمل من ناحية الأداء. شخصيا، منذ البداية كنت أدرك أن كشاش سيكون قوة ضاربة في هذا العمل الدرامي، ولم يكن مفاجئا أداؤه الراقي، رغم ما يشوبه من بعض الهفوات التي سأعود إليها لاحقا. المفاجأة الكبرى في الكاستينغ هو الأداء البارع للممثل جمال غوتي الذي أبهرني بتقمصه الخرافي لدوره في المسلسل، كما فاجأتني زهرة حركات بأدائها المتميز وشخصيتها التي تجعل المشاهد يتعاطف معها من وهلة الأولى. قلت إن الكاستينغ كان ناجحا نسبيا، فمخرج العمل مديح بالعيد لم يوفق، في كثير من المشاهد، في إدارة الممثلين خصوصا الشباب منهم، ولم يتمكن من دمجهم في صلب موضوع العمل، كما فشل في اعتقادي في بث الروح المحلية للعمل، ولولا اجتهادات رباعي التمثيل وبراعتهم الفردية، لما اختلف مسلسل الخاوة عن أي عمل درامي جزائري شاهدناه من قبل. معظم الممثلين الشباب أدوا أدوارهم بتكلف ظاهر للعيان، وهذا لا يدل على ضعف في مستوى هؤلاء الممثلين، وإنما تلقى كامل المسؤولية على عاتق المخرج، فدوره الرئيس إدارة وتوجيه الممثلين أولا وقبل كل شيء. لقد وفق فريق العمل في تقديم بنية شكلية مميزة للعمل الدرامي، فالديكورات والأكسيسوارات والملابس تم اختيارها بعناية فائقة، توحي أناقتها مباشرة أن ميزانية العمل كانت ضخمة، كما توحي كذلك باحترافية فائقة للفريق المشرف على ذلك. هذه العناصر الشكلية الثلاثة كانت تساهم مباشرة في رداءة الأعمال الدرامية الجزائرية في السابق، إذ لا يكلف المنتجون أنفسهم عناء البحث عن الديكورات والأكسيسوارات والملابس التي تعكس مضمون العمل، وغالبا ما يتحججون بضيق الوقت وقلة الإمكانات المالية. هذه العناصر الثلاثة كانت الحلقة الأضعف في العمل الدرامي المحلي، نتيجة سوء التحضير بالدرجة الأولى، والوقت الوجيز الذي يمنحه المنتجون عادة لهذه المرحلة، فمرحلة التحضير لكل منتج محترف هي أهم من مرحلة التصوير ومرحلة ما بعد الإنتاج، فهي المرحلة التي يستطيع المنتج من خلالها ترشيد نفقات التصوير التي تلتهم حصة الأسد من ميزانية التصوير. في مسلسل الخاوة يبرز جليا مدى التحضير الجيد، والتمهل في اختيار أفضل الديكورات والأكسيسوارات، وهو ما أضاف اللمسة الاحترافية للعمل، ومنحه الجودة الشكلية المرجوة التي لا تختلف عن أرقى الأعمال الدرامية عربيا. يتبع….