قصتي مع الكتاب: كتبت على صفحتي بتاريخ 31 جويلية 2017، أقول: " دخلت اليوم المكتبة فأعجبني كتاب لأحد مجاهدي المنطقة يعرض فيه مذكراته حول الثورة الجزائرية، أقول لصاحبة المكتبة: 1000دج سعر مرتفع جدا لايطيقه الطالب، تجيبني: لست الأول الذي يستنكر هذا السعر. كنا ومازلنا نطالب المجاهدين، متّعهم الله بالصحة والعافية، الإسراع في كتابة مذكراتهم، ونعرض خدماتنا إن احتاجوا إلى حبر يدوّن أيامهم، واليوم وبعد الذي رأيناه في المكتبة، نطالب القائمين على كتابة الثورة الجزائرية من مجاهدين ومؤرخين ودور نشر ووزرات، السعي الحثيث لتخفيض سعر الكتاب ليكون في متناول الجميع ويساهم في تعريف الجزائري بثورته ورموزه، وذلك أضعف الإيمان في حق الجزائر". وكتبت في اليوم الموالي 01 أوت 2017، أقول: "طلب مني البارحة زميلنا الشاب البليغ الأديب، صدام حسين خليفة مجاهد، فقال: " السلام عليكم ورحمة الله نريد منك أن تعرّفنا على المجاهد يوسف الخطيب، لماذا لا نعرفه؟، لماذا لا يتناوله الإعلام". ولألبي طلبه أسرعت صباح اليوم إلى المكتبة واشتريت كتاب "مذكرات من الونشريس، المجاهد محمد الصغير نمار، من أجل أن تحيا الجزائر"، تحرير الأستاذ: محمد عزة، دار النظر، وهران، الجزائر، الطبعة الأولى، السداسي الثاني 2016، من 188 صفحة. وقد أفرد صاحب الكتاب فصلا بعنوان: " القائد الحكيم: المجاهد الدكتور يوسف الخطيب، العقيد سي حسان"، صفحات 114 – 118. وأريد أن أشير إلى نقطة لها علاقة بعالم الكتب: يقرأ المرء الكتاب لأسباب، ويعرضه لأسباب، وينتقده لأسباب، ويهديه لأسباب، ويوصي به لأسباب، لكنه أبدا لايبيع كتبه مهما كانت الأسباب، ويسأل ربّه أن يبعد عنه "دْعاوِي الشر" المتمثلة في بيع كتبه ويحفظه منها، كما حفظ اللّوح المحفوظ، وما أسعد القارىء الناقد حين يشتري الكتاب لأجل القارىء ويعرضه لأجله". ومن يومها وصاحب الأسطر منكب على قراءة الكتاب، فكانت هذه القراءة التي بين يدي القارىء، وهي: القسم الأول صفحات 6 – 70: وأول ملاحظة تلفت انتباه القارىء من خلال مقدمة الكتاب، أن النشر جاء بعد 54 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، أي في سنة 2016، وفي منتصف 2016 حسب سنة الطبع، ما يعني أنّ الكتاب جديد وطبع لأول مرّة، وهذه إحدى العناصر التي تدفع القارىء لاقتناء الكتاب وقراءته. ويقول المجاهد محمد الصغير نمار في مقدمته للكتاب، تحت عنوان "كلمات للتّاريخ"، صفحة 10: " اليوم وقد ناهزت ثمانين عاما من عمري"، ويمكن القول بعدها أن الرجل حين يكتب وهو في الثمانين من عمره فهو يكتب عن صدق وإخلاص، لكن في نفس الوقت لم يعد له تلك الذاكرة القوية والصحة الجيدة، وقد اعترف بهذا القصور وطلب العذر إن لم تساعده ذاكرته في تذكّر أحداث وأسماء، ما يدعو إلى ضرورة تدوين الأيام في حينها واستغلالها فيما بعد لكتابة المذكرات، ويكفيه فخرا أنّه دوّن للأجيال الحالية والقادمة، وهذا عمل جليل يشكر عليه راجين أن يكون قدوة لغيره في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية. وتحت عنوان "حياتي… من الزّاوية إلى الثّورة"، وابتداء من صفحة 14 يبدأ في التحدث عن حياته، ويبدو واضحا أنّه ابن الزوايا الذين شاركوا في الثورة الجزائرية، وجاء في صفحة 15، أن الزوايا " كانت المصدر الوحيد لتحصين النفس والشخصية الوطنية ولتحصيل العلم والمعرفة وإثبات الانتماء الحضاري للإنسان الجزائري والاحتماء بالدين والوطن". وتحدّث عن كون الإمام وزاوية السعدي السعيد كانت منطلقا للثورة الجزائرية، وعن جمع الاشتراكات لحساب الثورة، وكيفية البدء في التدريب على السلاح، والتحاقه بالفصيلة التي كان يقودها محمد تامسو. وشرعت كتيبة الكريمية من وادي الفضة الأصنام سابقا والشلف حاليا، في قيادة مختلف العمليات العسكرية ضد المحتل الفرنسي، وتحدّث عن إضراب الثمانية أيام سنة 1957 في منطقة الشلفو وبأن هناك تجانس رائع بين المجاهدين وأفراد المجتمع. وسميت بلدية الكريمية باسم الشهيد عبد الكريم السايحو وسميت كتيبة حينها على اسمه بعد استشهاده. ومن خلال صفحتي 22-23 يتحدّث صاحب الكتاب عن أن المستدمر الفرنسي وبعد انتهاء الاشتباك والخسائر التي يتكبّدها في صفوفه يعود للقرى "فيخرّب الأكواخ المخرّبة أصلا ويسرق الحلي على بساطتها والأثاث على قلته ويدمر الحقول والغلال على ضآلتها"، وتحدّث في أكثر من مرّة عن استفادة الثورة الجزائرية من خبرات الجزائريين الذين شاركوا في حرب الهند الصينية، كما هو موضح في صفحة 24. وتحدّث في صفحة 33 عن دعاية المستدمر الفرنسي التي كانت ترتكز على مقولة إن الطائرات الفرنسية تسقط بسبب قدمها مخفية إسقاط المجاهدين لطائرات العدو الفرنسي. وفي صفحة 35 وفي بداية سنة 1960 تحدّث عن استعمال الاستدمار الفرنسي لسلاح النابالم المحرّم دوليا، ما يدل على عجزه على مواجهة الثورة الجزائرية. وتحدّث عن معاقبة مسؤول الكتيبة بتخفيض رتبته العسكرية من قبل قيادة الثورة، لأنه خاض اشتباكا مع العدو الفرنسي وهو يعلم أنّه يفوقه عددا وعدّة ما جعل النتائج 45 شهيدا في صفوف المجاهدين الجزائريين. وخلال أيام 9، 10 و11 ديسمبر 1960 تمّ الإعداد لرفض زيارة المجرم ديغول، ورفع الأعلام الوطنية وشعارات الجزائر المستقلّة، ورفض مشروع تقسيم الجزائر، واعتداءات المستدمر الفرنسي على المتظاهرين. وفي صفحة 43 أشار إلى أنه وفي سنة 1961 وبعد استشهاد الكثير من المحافظين السياسيين شرع في تعيين محافظين جدد من الشباب الذين لهم دراية بالقراءة والكتابة. وتحدّث عن احترام قيادة الثورة لوقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، لكن الاستدمار الفرنسي كعادته أطلق النار على المحتفلين، فتمّ اغتيال طفلة وإصابة الجدّة بعاهة دائمة. تحدّث عبر صفحات 44-46 عن الشهيدات في الشلف، ومنهن: الزهرة من باب الوادي، وأخوات أخريات، و3 نساء فدائيات من الشلف، والعالية بنت الحمري التي كانت تأتي بالدواء من وهران والعاصمة عبر القفة، وسيّدة تسمى كماش، وعائشة التي تحصلت على بندقية من بيت أحد المدمرين الفرنسيين، والشهيدتان الأختين العالية ومريم باج، ناهيك عن اللواتي لم يستطع تذكرهن. وأفرد عبر صفحات 47-49 أسماء الشهداء والمجاهدين لعائلته من رجال ونساء، ذاكرا درجة القرابة وتاريخ الاستشهاد حين تساعده الذاكرة على ذلك. تحدّث في صفحة 51 -52 عن الحياة الصعبة للمجاهد، فهو يزن من 40 إلى 50 كلغ ويسير من 40 إلى 50 كيلومتر في الليلة الواحدة ويقطع الوديان، وتحدّث عن الفقر المدقع والبرد الشديد والعطش الخانق والعري المذل وحتى القمل والبعوض. وقال في صفحة 52 " أن بعض المواقف القاسية للثورة دفعت الثورة أحيانا إلى اتّخاذ أحكام قاسية في حقّ بعض الإخوة المجاهدين الذين أخطأوا مع نظام الثورة، ولأننا لم يكن لدينا مؤسسات قائمة تحت سلطة الاستقلال حتى تتصرف الثورة بقوانين السلم"، ويتعمّد الكاتب عدم الخوض في هذه النقطة ويتركها للقارئ اللّبيب، والقارئ المتتبع يتعمّد عدم مناقشته في هذه النقطة، وإن كان له رأي يخالف ما ذهب إليه المجاهد نمار من تبرير للأحكام القاسية. تحدّث عبر صفحتي 53-54 عن زاوية سيدي مكراز، وقد تخرّج منها علماء كمكروز وبوقلال، وزاوية بلغلام بأولاد فارس بالشلف التي تخرّج منها 25 طالبا استشهدوا في حرب التحرير في مناطق جبل بيسة. ويبدو أن تربية الزوايا هي التي دفعته لأن يقول: " وحتى أنّي صفحت عن من قتل أبي وتركته وشأنه"، ثم تحدّث عن ما بعد سنة 1965 أي بعد استرجاع السّيادة الوطنية حين أصيب بأمراض مزمنة كالروماتيزم والقلب نتيجة الحياة القاسية التي عاشها إبّان الاستدمار الفرنسي. وعبر صفحات 55-66 نقل شهادات مجاهدين في حقّه، وذكر أسماءهم لمن أراد أن يعود إليها. وعبر صفحات 67-70 وعنوان "مسك الختام"، يكرّر الحديث عن عظمة الونشريس وأنّه قلعة من قلاع التاريخ، ويقدّم بعدها نصائح للشباب الذي لم يكن له شرف المشاركة في الثورة الجزائرية لكنه يتنعم باسترجاع السيادة الوطنية التي صنعها رجال استشهدوا في سبيلها ولم يروها. وفي القسم الثاني الممتد عبر صفحات 71 – 128، تطرّق لمجموعة من المجاهدين والشهداء الذين أنجبتهم الولاية التاريخية الرابعة، أي الأصنام سابقا والشلف حاليا، ومنهم: الشهيدة حسيبة بن بوعلي، والتي عملت مع الشهيد العربي بن مهيدي، والشهيد علي لابوانت، المدعو علي عماري، والشهيد العقيد عميروش، والشهيد أحمد بوقرة المدعو سي امحمد، والشهيد جيلالي بونعامة، المدعو العقيد سي محمد، والذي خصّصت له فرنسا الاستدمارية فرقة المظليين 11 للصاعقة والملحقة بالرئاسة التي نقلت على جناح السرعة من كورسيكا إلى ميدان العمليات لاغتياله، والمجاهد يوسف الخطيب، المدعو العقيد سي حسان، والذي ترك الدراسة في الطب ليلتحق بالثورة، والشهيد النقيب علي مصطفاوي تيبة، المدعو سي بلعيد، والشهيد الملازم الأول عبد القادر صداقي، المدعو سي رشيد، وكان من حفظة كتاب الله تعالى. وفي القسم الخاص بالملاحق، والممتد عبر صفحات 131 – 188، عرض جملة من الصور الشخصية أيام الثورة الجزائرية، وبعد استرجاع السيادة الوطنية بمفرده وبرفقة أعضاء أسرته وأقاربه، وعرض بعدها مجموعة من التقارير التي كتبت على الآلة الراقنة وباللغة العربية تتطرق لمجريات الاشتباكات مع العدو الفرنسي وامتازت بالدقة والأمانة، حيث ذكرت ساعة ومكان الاشتباك، ومجريات الاشتباك، والخسائر التي لحقت بالعدو الفرنسي والتي مسّت المجاهدين، والمدة الزمنية التي استغرقها الاشتباك، والإجراءت الوحشية التي اتّخذها الاستدمار الفرنسي في حقّ الجزائريين بعد كل اشتباك كحرق الشهداء، والتعذيب، وحرق البيوت، وتخريب الممتلكات. تحدّث المجاهد رزقه الله الصّحة والعافية عن الجوع والمعاناة والمشي ليلا وعلى الأقدام لمسافة 40 كلم، والتعذيب والإهانة التي تعرّضوا لها على يد المستدمر الفرنسي، وكذا الخسائر في الأرواح وذكرها بالاسم والأرقام، وفي نفس الوقت تطرّق لبطولات المجاهدين والخسائر التي أوقعوها في صفوف المستدمر الفرنسي. لم يقل أبدا أن الثورة الجزائرية أسقطت طائرات بالحصى، ولا المجاهدين طاروا في السّماء ومشوا في الماء، ولا الملائكة حملت جرحاهم وأطفالهم، ولا اسم الله كتب في السّماء، ولا الثعبان مرّ على صدورهم دون أن يصيبهم بأذى، بل ذكر أنّهم استيقظوا فزعين حين رأوا الثعبان، وعظمة الثورة الجزائرية في فطرتها السّليمة وطبيعتها النّقية ولو كانت هناك بعض ما أصابها مما يصيب البشر وقد ذكرها صاحب الكتاب. إن الخرافة لا تبني ثورة والثورة لا تقوم على الخرافة، والثورة الجزائرية عظيمة جليلة ليست بحاجة لخرافة لأنها حقيقة أقرّ بها مرغما المستدمر الفرنسي، وشهد من صنعها وفجّرها من الابن، ومن أعجب بها من الجيران والإخوة والغريب.