د. منصور أبو كريم كاتب وباحث سياسي فلسطيني مثلت الدولة الفلسطينية المستقلة حلما كبيرا لدى ياسر عرفات، فقد عاش الرجل واستشهد من أجل تحقيق حلم هذه الدولة، ومن أجل إعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني التي تعرضت هويته الوطنية لمحاولة الشطب بعد النكبة عام 1948م. لقد كانت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بهدف الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وإثبات حقوق الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وسوف نحاول في هذا المقال بحث ارتباط ياسر عرفات بتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، التي أعلنت في الجزائر عام 1988م. أولاً: شخصية عرفات يعتبر الشهيد الراحل ياسر عرفات أحد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، بل أحد رموز حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار خلال العصر الحديث. قاد عرفات النضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال على مدار 50 عاما، عمل خلالها عرفات على إنبات الأفكار التي زرعها، وفي مقدمتها فكرة الوطنية الفلسطينية، وبناء شعب فلسطيني يستطيع المطالبة بوطنه، فأصر على تحقيق وصيانة الوحدة الوطنية الفلسطينية وعدم السماح بتعرضها للتشرذم والانقسام، وذلك بهدف الحفاظ على كينونة الشعب الفلسطيني. كان التتويج النهائي لعرفات كبطل عربي قومي بعد معركة الكرامة في مارس عام 1968، عندما كان الجيش الإسرائيلي في ذروة مجده. ورغم أنّ المعركة انتهت بمقتل 100 فلسطيني، ومئات الجرحى، وعشرات القتلى من الجيش الأردني، و33 قتيلا فقط من الإسرائيليين، إلا أن المعركة اعتُبرت هزيمة إسرائيلية واعتبر عرفات كمن قاد شعبه نحو النصر، وقد وقف إصراره ضدّ خنوع زعماء الدول العربيّة. كانت إسرائيل دائما تعتبر عرفات إرهابيا خطيرا، يطمح إلى قتل الإسرائيليين بشكل جماعي، حتى الاتفاقات مع إسرائيل لم تحسّن كثيرا من صورة عرفات في أوساط عامة الناس في إسرائيل. اسمه الحقيقي محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، عرفه الناس مبكرا باسم محمد القدوة، واسمه الحركي "أبو عمار". برز اسم الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات بقوة عام 1967 حينما قاد بعض العمليات الفدائية ضد إسرائيل عقب عدوان 1967 انطلاقاً من الأراضي الأردنية، وفي العام التالي اعترف به الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، ممثلاً للشعب الفلسطيني. وقد ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيسها على يد أحمد الشقيري عام 1964، كان يتولى القائد العام لحركة "فتح" أكبر الحركات داخل المنظمة، التي أسسها مع رفاقه في عام 1959. عارض منذ البداية الوجود الإسرائيلي ولكنه عاد وقبِل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في أعقاب هزيمة جوان 1967، وافق على قرار حل الدولتين والدخول في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية. كرس معظم حياته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالباً بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. ثانياً: إعلان الاستقلال عام 1988 راود ياسر عرفات من الصغر حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، من أجل ذلك أعلن عن انطلاقة الثورة الفلسطينية مع انطلاقة حركة فتح في العام 1965، وقد مرت الثورة الفلسطينية بمراحل ومحطات كثيرة كان أهمها محطة إعلان الدولة الفلسطينية في المنفى بالجزائر عام 1988م، بعد أن غيرت انتفاضة الحجارة وصمود الشعب الفلسطيني أمام قوات الاحتلال الإسرائيلية معادلة جديدة، كان لابد على عرفات استغلالها. لقد كان لانتفاضة الحجارة الفلسطينية التي اندلعت في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1987م انعكاسات كبيرة في اتجاهات مختلفة على المستوى الدولي والإقليمي والعربي، فعلي الصعيد العربي، أعيدت القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العربي بعد أن كان مؤتمر القمة العربية في عمان قد تجاهلها بسبب التركيز على الحرب العراقية الإيرانية، فعقدت القمة العربية الطارئة بالجزائر 1988م التي اتفق الملوك والرؤساء العرب على عقدها تحت ضغط الانتفاضة المتواصلة بهدف البحث عن أفضل السبل لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وأصدرت القمة قرارين حول دعم الانتفاضة الفلسطينية، وعقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأممالمتحدة، فقد أدى اشتعال الانتفاضة الفلسطينية وتمسك قادتها بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني إلى توجيه ضربه قاسمة لكل المحاولات العربية والدولية للقفز على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي زادت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والحروب التي شُنت على المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1985 /1986م، فقد فرضت الانتفاضة على كل القوى الإقليمية والدولية إعادة النظر في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، وفسحت المجال أمام ظهور مبادرات دولية جديدة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط. وفي السياق السياسي المشحون الذي أحدثته الانتفاضة، استطاعت خلال أقل من عام على اندلاعها، أن تقلب علاقات القوة في إسرائيل وخارجها رأساً على عقب، ففي 31 جويلية 1988، ألقى الملك حسين خطاباً تاريخياً، أعلن فيه فك الارتباط مع الضفة الغربية، وألغي فيه ما كان يقوله الأردن، بأنه يمثل الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية بصفته بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، وأسهمت الإنجازات التي حققتها الانتفاضة الفلسطينية، وتلك التي ساعدت على إنجازها في تفعيل الوضع الداخلي الفلسطيني، بوتائر منتظمة، عكست بشكل تدريجي تطوراً ملحوظاً في الوعي السياسي الفلسطيني مثلته حالة الجدل والحوار المسؤول حول توظيف التراكمات الإيجابية في الساحة من أجل بلورة الكيانية الفلسطينية وإنجازها في مؤسسة "الدولة الفلسطينية " والاستفادة من أشكال التأييد من الدول الشقيقة والصديقة المتعاطفة مع القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، عقد المجلس الوطني دورته التاسعة عشر في الجزائر، في الفترة من 12-15 نوفمبر 1988، وذلك لتثبت مواقفه الجديدة على ضوء المتغيرات السياسية السريعة والعميقة الجارية التي أحدثتها انتفاضة الحجارة بعدما صمد الطفل الفلسطيني أمام آلة القتل الإسرائيلية، وفي تلك الدورة التاريخية صدر إعلان استقلال دولة فلسطين على أن تكون عاصمتها القدس، وبعد ذلك ألقى عرفات خطابه المهم في الدورة الثالثة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف يوم 13 ديسمبر 1988م. جاء إعلان المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر عام 1988م، في اجتماعه في الجزائر قيام دولة فلسطين المستقلة الجديدة تعبيرا عن حلم عرفات بالدولة الفلسطينية، مع تأكيده على الربط بين هذه الدولة وبين المقدسات الإسلامية والمسيحية في إشارة لوحدة الصف الوطني الفلسطيني لتحقيق هذا الحلم، لذلك قام رجل في مساء يوم إعلان الاستقلال بالجزائر، وأخذ يتلو إعلان الاستقلال أمام حشد في المسجد الأقصى في القدس الشريف، في إشارة على أن القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وكان قرار المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان استقلال دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ثمرة من ثمرات الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وبداية لمرحلة جديدة من مراحل نضاله الممتد منذ عام 1920 من أجل التحرر والاستقلال، فبعد نقاش طويل في صفوف الفصائل الفلسطينية والقيادة الفلسطينية، وبعد صراع مرير مع الذات بين الفكر القومي والديني المثالي المتأصل والتفكير الواقعي الناشئ دام ثلاثة شهور، نجحت الانتفاضة في طبع بصماتها الواقعية على قرارات المجلس الوطني في دورته التاسعة عشر التي انعقدت في الجزائر، حيث تم الإعلان في 15 نوفمبر 1988 عن ميلاد الدولة الفلسطينية على أساس القرار 181، وهو القرار الذي أكسب إسرائيل شرعية وجودها الدولي، وترافق إعلان الاستقلال الوطني مع موافقة المجلس الوطني على الاعتراف بالقرار 242 والقرار 338، ودعا إلى دولتين لشعبين على أرض فلسطين. ثالثاً: شكل الدولة الفلسطينية حدد إعلان الاستقلال شكل الدولة الوليدة، فنص على قيام دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، حيث أن دولة فلسطين هي دولة عربية، وهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، من تراثها وحضارتها، إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة، لتكون دولة للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورن هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرمتهم الإنسانية. وفي مجال السياسية الخارجية والعلاقات الدولية، أوضح المجلس الوطني طبيعة تلك العلاقات، فقد حدد إعلان الاستقلال سياسة دولة فلسطين الخارجية في التزام بمبادئ الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنها دولة غير منحازة تلتزم بسياسة ومبادئ عدم الانحياز، وأنها دولة محبة للسلام، وتلتزم بمبادئ التعايش السلمي، ولكن عبّر المجلس عن وعيه بضرورة التفرقة ما بين العنف والإرهاب من ناحية، واستخدام الكفاح المسلح لتحرير الأراضي المحتلة، فأكد على حق دولة فلسطين الطبيعي في الدفاع عن أراضها واستقلالها (صالح، 1992، ص189-190) وكانت صياغة إعلان الاستقلال تعبر عن رؤية منظمة التحرير لطباع الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي، وانطلقت منه مبادرة فلسطينية تقوم على أساس القبول بقراري 242 و338، مع ضمان حق العودة وتقرير المصير. وتضمن إعلان الدولة في الجزائر، وما تضمنه من اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بقرارات الأممالمتحدة، استجابة حذرة ومشككة من الولاياتالمتحدة التي بدأت اتصالات سرية وعلنية شاقة مع المنظمة وعبر وسطاء معتمدين، كان الهدف منها أن تعترف المنظمة بالشروط الأمريكية، لذلك خوّل المجلس اللجنة التنفيذية ورئيسها عرفات بالسير في طريق المبادرات السياسية والدبلوماسية، وعقد اجتماع في ستوكهولم حضره وفد من منظمة التحرير ووفد أمريكي يهودي، أصدر الاجتماع بياناً مشتركاً، جاء فيه أن منظمة التحرير الفلسطينية: توافق منظمة التحرير على الدخول في مفاوضات سلام تجري في مؤتمر دولي يعقد برعاية الأممالمتحدة. تعلن تأسيس الدولة الفلسطينية وتقبل بوجود إسرائيل كدولة في المنطقة. تعلن عن رفضها وإدانتها للإرهاب بكل أشكاله بما فيها إرهاب الدولة. تدعو إلى حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً للقانون الدولي والتطبيقات الدولية، وقرارات الأممالمتحدة ذات العلاقة، بما فيها حق العودة أو التعويض. وبهدف دفع جهود التسوية السياسية في المنطقة، ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف في 13 ديسمبر 1988م إلى عقد لجنة تحضيرية للمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، ودعا إلى " أن يتم العمل لإشراف مؤقت للأمم المتحدة على الأرض الفلسطينية ونشر قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني، تشرف في الوقت نفسه على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية". وأكد ياسر عرفات أن منظمة التحرير ستعمل للوصول إلى تسوية سلمية شاملة بين أطراف الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث أوضح الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" أن البيان السياسي الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر في الجزائر يشكل جواباً على سلسة المشاكل التي يثيرها في وجهنا الأمريكيون والإسرائيليون، وتتخذها كذلك بعض الدولة الأوروبية كذريعة لعدم التقدم أكثر إلى الأمام في علاقاتهم معنا. واعتبر أبو إياد أن قرارات الجزائر كانت بمثابة آلية للبرنامج المحلي للمنظمة، الذي تم إقراره في عام 1974م. لا شك أن إعلان الدولة في عام 1988م، شكل الحلم الذي كان دائما ياسر عرفات يسعى إليه، فقد جاء هذا الإعلان لكي يجسد النضال الوطني الفلسطيني عبر مراحله المختلفة في مؤسسة الدولة التي طال انتظارها، وأن هذه الدولة جاءت وفق الأفق السياسي المسموح به عربيا ودوليا في حدود الأراضي الفلسطينيةالمحتلة 1967م، وأن الاستناد إلى القرار 181 كان من باب السند القانوني باعتباره القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة 1947م، والذي استندت إليه إسرائيل عند قيامها 1948م، وأن إعلان الدولة والقبول بالقرارات الدولية، وما ترافق معها من تصريحات بحق إسرائيل في الوجود ونبذ الإرهاب قد فتحت الأبواب المغلفة أمام منظمة التحرير لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بهدف التوصل لتسوية سياسية، باعتبار أن إعلان الدولة والقبول بالقرارات الدولية هو مجرد آلية للبرنامج المرحلي الذي اعتمد عام 1974. رابعاً: وفاة ياسر عرفات عقب انسداد الأفق السياسي، عاد ياسر عرفات لتبنى نهج المقاومة مرة أخرى، بعدما وصل لقناعة إن المفاوضات لن تثمر عن شيء في سبيل تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، فقرّر العودة للمقاومة الفلسطينية بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى المباركة، لكن إسرائيل فهمت الرسالة وقررت التخلص منه بطريقة غير مباشرة، فقررت تسميم الزعيم عرفات، ففي يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أصيب عرفات كما قرر أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادثة طائرة، ومرض جلدي (فتيليغو)، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ أكتوبر 2003. وفي السنة الأخيرة من حياته تم تشخيص جرح في المعدة وحصى في كيس المرارة، وعانى ضعفا عاما وتقلب في المزاج، فعانى من تدهور نفسي وضعف جسماني. تدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطينيعرفات تدهوراً سريعاً في نهاية أكتوبر 2004، قامت على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن، ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004. وظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوبا بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به. وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الأنباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا وسط نفي لتلك الأنباء من قبل مسؤولين فلسطينيين، وقد أعلن التلفزيون الإسرائيلي في 4 نوفمبر 2004 نبأ موت الرئيس عرفات سريرياً، وأن أجهزة عرفات الحيوية تعمل عن طريق الأجهزة الإلكترونية لا عن طريق الدماغ. وبعد مرور عدة أيام من النفي والتأكيد على الخبر من مختلف وسائل الإعلام، تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر 2004. وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله، بعد أن تم تشييع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس، كما كانت رغبة عرفات قبل وفاته. خاتمة يعتبر الرئيس الراحل ياسر عرفات، من أبرز الشخصيات التي ارتبط اسمها بالصراع العربي الإسرائيلي، فهو شخصية محورية ارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية طوال العقود الخمسة الماضية، وينتمي ياسر عرفات إلى جيل القوميين العرب الذي ظهر في الخمسينات ولعب أدواراً مهمة في الستينات والسبعينات، وقد بدأ حياته في خنادق المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ثم غيّر خطه الفكري بعد أن آمن بفكرة المفاوضات والتوصل إلى الحق الفلسطيني عبر الحوار من خلال عملية السلام، وأسفرت فترة التسعينات عن اتفاقية أوسلو وإنشاء سلطة فلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، التي اعتبرها عرفات خطوة على طريق الدولة، ولكن تم التخلص منه بعدما رفض التنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية. لقد ترك غياب عرفات فراغاً كبير وأدى لتداعيات كبيرة وخطيرة على الساحة السياسية الفلسطينية، فقد حدثت مجموعة من الأحداث الخطيرة عقب وفاته، تمثلت في الانقسام الفلسطيني والصراعات السياسية والإعلامية. لقد شكّل عرفات مرحلة مهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، مرحلة تميزت بوجود زعيم فلسطيني يجمع عليه الكل الوطني الفلسطيني، نظراً لكون الرجل أفنى حياته في سبيل تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.