كأس الجزائر (نصف النهائي): اتحاد الجزائر يفوز على اتحاد الحراش (1-0 بعد الوقت الإضافي) ويبلغ النهائي    الجزائر – الصين.. عهد جديد لشراكة استراتيجية مثمرة    إعلاميون من 17 ولاية يلتئمون في ملتقى جهوي بوهران    السيد شايب يستقبل وفدا برلمانيا عن روسيا الاتحادية    إعداد نموذج طاقوي وطني استشرافي بخطط دقيقة    مصنع لعلامة "جيتور" وآخر ل"أومودا " قريبا بالجزائر    استغلال البحث العلمي لتحقيق التنمية وخلق مناصب شغل    الفتوى صمام أمان في وجه الأفكار الهدامة    أربعة لقاءات جهوية تجمع الأسرة الإعلامية    أشواط معتبرة قطعتها الجزائر بالعلم والعمل لتشييد الدولة    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    البوليساريو تدين كل المحاولات الدنيئة والمغالطات المكشوفة    الاحتلال يمنع دخول المواد الأساسية اللازمة للحياة إلى غزة    الاتحادية الجزائرية تقف على آخر الاستعدادات    تبسة تكشف عن قائمة ألف مستفيد من السكن الاجتماعي    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    "الطرّاح القسنطيني" إرث من الصوف يصارع البقاء    تحديد موعد مبارتي محليي "الخضر" وغامبيا في تصفيات "الشان"    صدور السيرة الذاتية لجوهر أمحيس أوكسال    الفرقة الفنزويلية تضيء ساحة البريد المركزي    زروقي يلعب آخر موسم له مع نادي فينورد الهولندي    لوحة فنية جمالية تقاوم الاندثار    اجتماع متعدد القطاعات لتنسيق جهود تأمين واستدامة إمدادات الوقود    المجلس الشعبي الوطني يشيد بالمؤشرات الإيجابية الواردة في خطاب رئيس الجمهورية أمام المتعاملين الاقتصاديين    رياح قوية مُرتقبة    احذرو الباراسيتامول ..    يوم العلم: مختصون يبرزون دور الحركة الإصلاحية في حماية الهوية الوطنية    صحة: دورة تكوينية متخصصة للالتحاق ببعض الرتب لأسلاك الممارسين الطبيين المفتشين    وهران: البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر اختصاص منازلات السبت المقبل    وزير الاتصال يشرف على لقاء جهوي للصحفيين والإعلاميين الخميس المقبل بوهران    الجزائر/الصين: رغبة مشتركة من المتعاملين الاقتصاديين للارتقاء بالشراكة بين البلدين    الجزائر والصين توقعان 8 اتفاقيات لإطلاق مشاريع استثمارية في الصناعة والفلاحة    جبهة البوليساريو تتصدى مجددا لحملة تشويه موجهة من قبل المغرب لمواصلة احتلاله اللاشرعي لأراضي الجمهورية الصحراوية    الجزائر العاصمة : الوالي يقف على مشاريع إعادة تأهيل حديقة وادي السمار    ملاكمة/المنتخبات الوطنية : تنصيب الطواقم الفنية لفئتي الأواسط و الوسطيات    وزيرة العلاقات مع البرلمان تستقبل نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن للمجلس الفدرالي الروسي    بلمهدي يبرز دور الفتوى في تعزيز المرجعية الدينية والحفاظ على الهوية الوطنية    وهران.. أيام إعلامية حول مدرسة أشبال الأمة "الشهيد حمداني"    تدشين معرض "التراث الجزائري من منظور بلجيكي" بالجزائر العاصمة تكريما للفنان البلجيكي ادوارد فيرشافيلت    المدارس الحرة: سلاح جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في وجه الاستعمار الفرنسي    مبارك : نجاح باهر لعملية فتح رأس مال بنك التنمية المحلية عبر البورصة الجزائرية    الجزائر تظفر عن جدارة واستحقاق بعضوية مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي    حوادث الطرقات: وفاة 49 شخصا وإصابة 1884 آخرين بجروح في ظرف أسبوع    الحكومة المغربية تواجه انتقادات متزايدة    إلى متى الصمت؟!    بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة    إطلاق شبكة الجيل الخامس قبل نهاية 2025    السودان.. جرحٌ عربيٌ نازفٌ    السفير يطمئن على قندوسي    والي بجاية يُسدي تعليمات صارمة    فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت    ندوة تاريخية في قصر رؤساء البحر : لاحياء يوم العلم الحركة الإصلاحية في الجزائر..مسيرة التحولات ومسار التحديات    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ياسر عرفات وحلم الدولة الفلسطينية المستقلة
نشر في الحوار يوم 08 - 12 - 2017

د. منصور أبو كريم كاتب وباحث سياسي فلسطيني
مثلت الدولة الفلسطينية المستقلة حلما كبيرا لدى ياسر عرفات، فقد عاش الرجل واستشهد من أجل تحقيق حلم هذه الدولة، ومن أجل إعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني التي تعرضت هويته الوطنية لمحاولة الشطب بعد النكبة عام 1948م. لقد كانت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة بهدف الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وإثبات حقوق الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وسوف نحاول في هذا المقال بحث ارتباط ياسر عرفات بتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، التي أعلنت في الجزائر عام 1988م.
أولاً: شخصية عرفات
يعتبر الشهيد الراحل ياسر عرفات أحد رموز الحركة الوطنية الفلسطينية، بل أحد رموز حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار خلال العصر الحديث. قاد عرفات النضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال على مدار 50 عاما، عمل خلالها عرفات على إنبات الأفكار التي زرعها، وفي مقدمتها فكرة الوطنية الفلسطينية، وبناء شعب فلسطيني يستطيع المطالبة بوطنه، فأصر على تحقيق وصيانة الوحدة الوطنية الفلسطينية وعدم السماح بتعرضها للتشرذم والانقسام، وذلك بهدف الحفاظ على كينونة الشعب الفلسطيني. كان التتويج النهائي لعرفات كبطل عربي قومي بعد معركة الكرامة في مارس عام 1968، عندما كان الجيش الإسرائيلي في ذروة مجده. ورغم أنّ المعركة انتهت بمقتل 100 فلسطيني، ومئات الجرحى، وعشرات القتلى من الجيش الأردني، و33 قتيلا فقط من الإسرائيليين، إلا أن المعركة اعتُبرت هزيمة إسرائيلية واعتبر عرفات كمن قاد شعبه نحو النصر، وقد وقف إصراره ضدّ خنوع زعماء الدول العربيّة. كانت إسرائيل دائما تعتبر عرفات إرهابيا خطيرا، يطمح إلى قتل الإسرائيليين بشكل جماعي، حتى الاتفاقات مع إسرائيل لم تحسّن كثيرا من صورة عرفات في أوساط عامة الناس في إسرائيل.
اسمه الحقيقي محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، عرفه الناس مبكرا باسم محمد القدوة، واسمه الحركي "أبو عمار". برز اسم الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات بقوة عام 1967 حينما قاد بعض العمليات الفدائية ضد إسرائيل عقب عدوان 1967 انطلاقاً من الأراضي الأردنية، وفي العام التالي اعترف به الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، ممثلاً للشعب الفلسطيني. وقد ترأس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1969 كثالث شخص يتقلد هذا المنصب منذ تأسيسها على يد أحمد الشقيري عام 1964، كان يتولى القائد العام لحركة "فتح" أكبر الحركات داخل المنظمة، التي أسسها مع رفاقه في عام 1959. عارض منذ البداية الوجود الإسرائيلي ولكنه عاد وقبِل بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في أعقاب هزيمة جوان 1967، وافق على قرار حل الدولتين والدخول في مفاوضات سرية مع الحكومة الإسرائيلية. كرس معظم حياته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالباً بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
ثانياً: إعلان الاستقلال عام 1988
راود ياسر عرفات من الصغر حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، من أجل ذلك أعلن عن انطلاقة الثورة الفلسطينية مع انطلاقة حركة فتح في العام 1965، وقد مرت الثورة الفلسطينية بمراحل ومحطات كثيرة كان أهمها محطة إعلان الدولة الفلسطينية في المنفى بالجزائر عام 1988م، بعد أن غيرت انتفاضة الحجارة وصمود الشعب الفلسطيني أمام قوات الاحتلال الإسرائيلية معادلة جديدة، كان لابد على عرفات استغلالها.
لقد كان لانتفاضة الحجارة الفلسطينية التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1987م انعكاسات كبيرة في اتجاهات مختلفة على المستوى الدولي والإقليمي والعربي، فعلي الصعيد العربي، أعيدت القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام العربي بعد أن كان مؤتمر القمة العربية في عمان قد تجاهلها بسبب التركيز على الحرب العراقية الإيرانية، فعقدت القمة العربية الطارئة بالجزائر 1988م التي اتفق الملوك والرؤساء العرب على عقدها تحت ضغط الانتفاضة المتواصلة بهدف البحث عن أفضل السبل لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وأصدرت القمة قرارين حول دعم الانتفاضة الفلسطينية، وعقد مؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة، فقد أدى اشتعال الانتفاضة الفلسطينية وتمسك قادتها بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني إلى توجيه ضربه قاسمة لكل المحاولات العربية والدولية للقفز على منظمة التحرير الفلسطينية، والتي زادت بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والحروب التي شُنت على المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1985 /1986م، فقد فرضت الانتفاضة على كل القوى الإقليمية والدولية إعادة النظر في سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، وفسحت المجال أمام ظهور مبادرات دولية جديدة لتسوية الصراع في الشرق الأوسط.
وفي السياق السياسي المشحون الذي أحدثته الانتفاضة، استطاعت خلال أقل من عام على اندلاعها، أن تقلب علاقات القوة في إسرائيل وخارجها رأساً على عقب، ففي 31 جويلية 1988، ألقى الملك حسين خطاباً تاريخياً، أعلن فيه فك الارتباط مع الضفة الغربية، وألغي فيه ما كان يقوله الأردن، بأنه يمثل الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية بصفته بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، وأسهمت الإنجازات التي حققتها الانتفاضة الفلسطينية، وتلك التي ساعدت على إنجازها في تفعيل الوضع الداخلي الفلسطيني، بوتائر منتظمة، عكست بشكل تدريجي تطوراً ملحوظاً في الوعي السياسي الفلسطيني مثلته حالة الجدل والحوار المسؤول حول توظيف التراكمات الإيجابية في الساحة من أجل بلورة الكيانية الفلسطينية وإنجازها في مؤسسة "الدولة الفلسطينية " والاستفادة من أشكال التأييد من الدول الشقيقة والصديقة المتعاطفة مع القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، عقد المجلس الوطني دورته التاسعة عشر في الجزائر، في الفترة من 12-15 نوفمبر 1988، وذلك لتثبت مواقفه الجديدة على ضوء المتغيرات السياسية السريعة والعميقة الجارية التي أحدثتها انتفاضة الحجارة بعدما صمد الطفل الفلسطيني أمام آلة القتل الإسرائيلية، وفي تلك الدورة التاريخية صدر إعلان استقلال دولة فلسطين على أن تكون عاصمتها القدس، وبعد ذلك ألقى عرفات خطابه المهم في الدورة الثالثة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف يوم 13 ديسمبر 1988م.
جاء إعلان المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر عام 1988م، في اجتماعه في الجزائر قيام دولة فلسطين المستقلة الجديدة تعبيرا عن حلم عرفات بالدولة الفلسطينية، مع تأكيده على الربط بين هذه الدولة وبين المقدسات الإسلامية والمسيحية في إشارة لوحدة الصف الوطني الفلسطيني لتحقيق هذا الحلم، لذلك قام رجل في مساء يوم إعلان الاستقلال بالجزائر، وأخذ يتلو إعلان الاستقلال أمام حشد في المسجد الأقصى في القدس الشريف، في إشارة على أن القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، وكان قرار المجلس الوطني الفلسطيني بإعلان استقلال دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ثمرة من ثمرات الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وبداية لمرحلة جديدة من مراحل نضاله الممتد منذ عام 1920 من أجل التحرر والاستقلال، فبعد نقاش طويل في صفوف الفصائل الفلسطينية والقيادة الفلسطينية، وبعد صراع مرير مع الذات بين الفكر القومي والديني المثالي المتأصل والتفكير الواقعي الناشئ دام ثلاثة شهور، نجحت الانتفاضة في طبع بصماتها الواقعية على قرارات المجلس الوطني في دورته التاسعة عشر التي انعقدت في الجزائر، حيث تم الإعلان في 15 نوفمبر 1988 عن ميلاد الدولة الفلسطينية على أساس القرار 181، وهو القرار الذي أكسب إسرائيل شرعية وجودها الدولي، وترافق إعلان الاستقلال الوطني مع موافقة المجلس الوطني على الاعتراف بالقرار 242 والقرار 338، ودعا إلى دولتين لشعبين على أرض فلسطين.
ثالثاً: شكل الدولة الفلسطينية
حدد إعلان الاستقلال شكل الدولة الوليدة، فنص على قيام دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، حيث أن دولة فلسطين هي دولة عربية، وهي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، من تراثها وحضارتها، إلى تحقيق أهدافها في التحرر والتطور والديمقراطية والوحدة، لتكون دولة للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورن هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرمتهم الإنسانية.
وفي مجال السياسية الخارجية والعلاقات الدولية، أوضح المجلس الوطني طبيعة تلك العلاقات، فقد حدد إعلان الاستقلال سياسة دولة فلسطين الخارجية في التزام بمبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنها دولة غير منحازة تلتزم بسياسة ومبادئ عدم الانحياز، وأنها دولة محبة للسلام، وتلتزم بمبادئ التعايش السلمي، ولكن عبّر المجلس عن وعيه بضرورة التفرقة ما بين العنف والإرهاب من ناحية، واستخدام الكفاح المسلح لتحرير الأراضي المحتلة، فأكد على حق دولة فلسطين الطبيعي في الدفاع عن أراضها واستقلالها (صالح، 1992، ص189-190) وكانت صياغة إعلان الاستقلال تعبر عن رؤية منظمة التحرير لطباع الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي، وانطلقت منه مبادرة فلسطينية تقوم على أساس القبول بقراري 242 و338، مع ضمان حق العودة وتقرير المصير.
وتضمن إعلان الدولة في الجزائر، وما تضمنه من اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بقرارات الأمم المتحدة، استجابة حذرة ومشككة من الولايات المتحدة التي بدأت اتصالات سرية وعلنية شاقة مع المنظمة وعبر وسطاء معتمدين، كان الهدف منها أن تعترف المنظمة بالشروط الأمريكية، لذلك خوّل المجلس اللجنة التنفيذية ورئيسها عرفات بالسير في طريق المبادرات السياسية والدبلوماسية، وعقد اجتماع في ستوكهولم حضره وفد من منظمة التحرير ووفد أمريكي يهودي، أصدر الاجتماع بياناً مشتركاً، جاء فيه أن منظمة التحرير الفلسطينية:
توافق منظمة التحرير على الدخول في مفاوضات سلام تجري في مؤتمر دولي يعقد برعاية الأمم المتحدة.
تعلن تأسيس الدولة الفلسطينية وتقبل بوجود إسرائيل كدولة في المنطقة.
تعلن عن رفضها وإدانتها للإرهاب بكل أشكاله بما فيها إرهاب الدولة.
تدعو إلى حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً للقانون الدولي والتطبيقات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بما فيها حق العودة أو التعويض.
وبهدف دفع جهود التسوية السياسية في المنطقة، ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف في 13 ديسمبر 1988م إلى عقد لجنة تحضيرية للمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط، تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة، ودعا إلى " أن يتم العمل لإشراف مؤقت للأمم المتحدة على الأرض الفلسطينية ونشر قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني، تشرف في الوقت نفسه على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية". وأكد ياسر عرفات أن منظمة التحرير ستعمل للوصول إلى تسوية سلمية شاملة بين أطراف الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث أوضح الشهيد صلاح خلف "أبو إياد" أن البيان السياسي الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشر في الجزائر يشكل جواباً على سلسة المشاكل التي يثيرها في وجهنا الأمريكيون والإسرائيليون، وتتخذها كذلك بعض الدولة الأوروبية كذريعة لعدم التقدم أكثر إلى الأمام في علاقاتهم معنا. واعتبر أبو إياد أن قرارات الجزائر كانت بمثابة آلية للبرنامج المحلي للمنظمة، الذي تم إقراره في عام 1974م.
لا شك أن إعلان الدولة في عام 1988م، شكل الحلم الذي كان دائما ياسر عرفات يسعى إليه، فقد جاء هذا الإعلان لكي يجسد النضال الوطني الفلسطيني عبر مراحله المختلفة في مؤسسة الدولة التي طال انتظارها، وأن هذه الدولة جاءت وفق الأفق السياسي المسموح به عربيا ودوليا في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967م، وأن الاستناد إلى القرار 181 كان من باب السند القانوني باعتباره القرار الأممي الصادر عن الجمعية العامة 1947م، والذي استندت إليه إسرائيل عند قيامها 1948م، وأن إعلان الدولة والقبول بالقرارات الدولية، وما ترافق معها من تصريحات بحق إسرائيل في الوجود ونبذ الإرهاب قد فتحت الأبواب المغلفة أمام منظمة التحرير لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بهدف التوصل لتسوية سياسية، باعتبار أن إعلان الدولة والقبول بالقرارات الدولية هو مجرد آلية للبرنامج المرحلي الذي اعتمد عام 1974.
رابعاً: وفاة ياسر عرفات
عقب انسداد الأفق السياسي، عاد ياسر عرفات لتبنى نهج المقاومة مرة أخرى، بعدما وصل لقناعة إن المفاوضات لن تثمر عن شيء في سبيل تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، فقرّر العودة للمقاومة الفلسطينية بعد انطلاقة انتفاضة الأقصى المباركة، لكن إسرائيل فهمت الرسالة وقررت التخلص منه بطريقة غير مباشرة، فقررت تسميم الزعيم عرفات، ففي يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحة ياسر عرفات، فقد أصيب عرفات كما قرر أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادثة طائرة، ومرض جلدي (فتيليغو)، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ أكتوبر 2003. وفي السنة الأخيرة من حياته تم تشخيص جرح في المعدة وحصى في كيس المرارة، وعانى ضعفا عاما وتقلب في المزاج، فعانى من تدهور نفسي وضعف جسماني.
تدهورت الحالة الصحية للرئيس الفلسطيني عرفات تدهوراً سريعاً في نهاية أكتوبر 2004، قامت على إثره طائرة مروحية بنقله إلى الأردن، ومن ثمة أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا في 29 أكتوبر 2004. وظهر الرئيس العليل على شاشة التلفاز مصحوبا بطاقم طبي وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به. وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الأنباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا وسط نفي لتلك الأنباء من قبل مسؤولين فلسطينيين، وقد أعلن التلفزيون الإسرائيلي في 4 نوفمبر 2004 نبأ موت الرئيس عرفات سريرياً، وأن أجهزة عرفات الحيوية تعمل عن طريق الأجهزة الإلكترونية لا عن طريق الدماغ. وبعد مرور عدة أيام من النفي والتأكيد على الخبر من مختلف وسائل الإعلام، تم الإعلان الرسمي عن وفاته من قبل السلطة الفلسطينية في 11 نوفمبر 2004. وقد دفن في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله، بعد أن تم تشييع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس، كما كانت رغبة عرفات قبل وفاته.
خاتمة
يعتبر الرئيس الراحل ياسر عرفات، من أبرز الشخصيات التي ارتبط اسمها بالصراع العربي الإسرائيلي، فهو شخصية محورية ارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية طوال العقود الخمسة الماضية، وينتمي ياسر عرفات إلى جيل القوميين العرب الذي ظهر في الخمسينات ولعب أدواراً مهمة في الستينات والسبعينات، وقد بدأ حياته في خنادق المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ثم غيّر خطه الفكري بعد أن آمن بفكرة المفاوضات والتوصل إلى الحق الفلسطيني عبر الحوار من خلال عملية السلام، وأسفرت فترة التسعينات عن اتفاقية أوسلو وإنشاء سلطة فلسطينية في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، التي اعتبرها عرفات خطوة على طريق الدولة، ولكن تم التخلص منه بعدما رفض التنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية.
لقد ترك غياب عرفات فراغاً كبير وأدى لتداعيات كبيرة وخطيرة على الساحة السياسية الفلسطينية، فقد حدثت مجموعة من الأحداث الخطيرة عقب وفاته، تمثلت في الانقسام الفلسطيني والصراعات السياسية والإعلامية. لقد شكّل عرفات مرحلة مهمة من تاريخ الشعب الفلسطيني، مرحلة تميزت بوجود زعيم فلسطيني يجمع عليه الكل الوطني الفلسطيني، نظراً لكون الرجل أفنى حياته في سبيل تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.