محمود درويش تأخر حزني عليه قليلاً، لأني كغيري توقعت من سيد النجاة أن يعود إلينا هذه المرة أيضاً ببداية جديدة، لكن الزمن الجديد أقوى من شاعرية الأسطورة ومن سحر العنقاء. وللتأبين طقس دائم، يبدأ باستعمال فعل الماضي الناقص. كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة، إلى واقع تأسيسها المتعثر، لكن للأبطال التراجيديين قدراً يشاكسهم، ويتربص بخطوتهم الأخيرة نحو باب الوصول، ليحرمهم من الاحتفال بالنهاية السعيدة بعمر من الشقاء والتضحية، لأن الزارع في الحقول الوعرة لا يكون دائماً هو الحاصد. يعزينا في هذا المقام أن أفعال هذا القائد الخالد، الذي بلغ حد التماهي التام بين الشخصي والعام، قد أوصلت الرحلة الفلسطينية الدامية إلى أشد ساعات الليل حلكة، وهي الساعة التي تسبق الفجر، فجر الاستقلال المر، مهما تلكأ هذا الفجر، ومهما أقيمت أمامه أسوار الظلاميين العالية. ويعزينا أيضاً أن بطل هذه الرحلة الطويلة، الذي ولد على هذه الأرض الشامخة، قد عاد إليها ليضع حجر الأساس للمستقبل، وليجد فيها راحته الأبدية، لتغتني أرض المزارات بمزار جديد. الرموز أيضاً تتخاصم، كما يتخاصم التاريخ مع الخرافة، والواقع مع الأسطورة، لذلك كان ياسر عرفات، الواقعي إلى أقصى الحدود، في حاجة أحياناً إلى تطعيم خطابه بقليل من البعد الغيبي، لأن الآخرين أضافوا إلى الصراع على الحاضر صراعاً على الماضي، بمحو الحدود بين ماهو تاريخي وماهو خرافي، ولتجريد الفلسطيني من شرعية وجوده الوطني على هذه الأرض، لكن البحث عن الحاضر هو شغل الناس وشاغلهم، وهو ميدان عمل السياسة، وعمل القائد المتطلع إلى الغد. أعاد ترميم الحكاية والرحلة، نجا من غارة على غرفة النوم في تونس، ونجا مرةً أخرى من سقوط طائرته في الصحراء الليبية، ونجا من آثار حرب الخليج الأولى، ونجا من صورة الإرهابي واستبدلها بصورة الحائز على جائزة نوبل للسلام، وحقق نبوءته التي سكنته طيلة العمر، عاد إلى أرض فلسطين، عاد إلى أرض ميعاده. لو كانت تلك هي النهاية لانقلبت التراجيديا الإغريقية على شروطها. لكن شارون، العائد من ضواحي بيروت نادماً على ما لم يفعل، سيلاحق خصمه الكبير في رام الله، سيحاصره ثلاث سنوات، سيحول مقره أطلالاً، وسيسمم حياته بالحصار والعزلة، وسيحرمه من الموت كما يشتهي شهيداً في مقره، فإن شارون لا يحارب الشخص ولا يحارب نصه الوطني فحسب، بل يحارب إشعاع الرمز في الزمن، ويحارب أثر الأسطورة في ذاكرة الجماعة. لكن ياسر عرفات، الذي يعي بعمق ما أعد لنفسه من مكانة في تاريخ العالم المعاصر، أشرف بنفسه على توفير وجع ضروري للفصل الأخير من أسطورته الحية، فطار إلى المنفى ليلقي عليه تحية وداع أسلم معها روحه، فالبطل التراجيدي لا يموت إلا في المنفى. وفي طريق عودته المجازية، عرّج ذو الهوى المصري على مصر ليسدد لها دينه العاطفي. وعند عودته النهائية، التي لا منفى بعدها، ألقى النظرة الطويلة الأخيرة على الساحل الفلسطيني المغروز كسيف في خاصرة البحر، ثم نام، تدثر الجسد الخفيف بأرض الحلم الثقيل ونام، لا لينهض كصنم أو أيقونة، بل فكرةً حيةً تحرضنا على عبادة الوطن والحرية، وعلى الإصرار على ولادة الفجر بأيد شجاعة وذكية. ****** عرفات يستحق دمعة هادي جلو مرعي
هبطت طائرة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مطار بغداد. بعد يومين حطت في مطار مهر آباد بطهران!. عانق الرئيس صدام حسين، وإنحنى للإمام للخميني، وضحك في وجهين لم يعرفا إلا إبتسامة محسوبة بالمليم، كما يقول إخواننا المصريون. حين سقطت تلك الطائرة وتوغلت في تلال الرمل الليبي كان الجميع يحسب أن الأرواح السبع لعرفات قد تعطلت فيها طاقة الحياة، لكنه خرج كأفعى الصحراء منساباً على كثبان لا تعرف إلا وأد الحياة. قبره تحول إلى شاهد على وجع، فكل الذين يزورونه في رام الله على علم تام: إنه أبو الوجع الفلسطيني، وإنه أحب، وكره، وخادع، وماطل، وساوم، وانحنى، وخضع، ومال، وجال، وصال، وخاب، ونال، وهام ، ولام، وسام من أجل فلسطين، وكذب وصدق، وابتسم في وجوه كثيرة بغيضة، وسافر، وعاند، ولان ، من أجل قضية. طرد من بيروت تحت الضغط، ومضى إلى تونس، تمنطق بالألم الفلسطيني، واعتمر الكوفية وخط عليها خارطة الوطن الذي ضحى لأجله، وتحمل إستهجان الزعماء، وسخرية البعض، وشفقة آخرين، وعرف إن منهم من أراده نكتة تلوكها الألسن لتتسلى بها النفوس حين تضجر. إستجدى من إخوته، وإقترض من الأبعدين، وفي عهده مل العرب منه، وأحبوه، وساوموه، وطلبوا نصرته في معاركهم القذرة، وصراعهم مع بعضهم البعض. تقطعت أوصاله من شدة الألم، وتيبست شفتاه لكنهما ظلتا تفتران عن إبتسامة تسع الضفة وغزة، وإحتوى الإسلاميين، وغير الإسلاميين في منظمة التحرير. عرف إن من أنصاره من يبغضه ويكيد له، لكنه لا يملك غير المداومة سبيلا لتحقيق الهدف المنشود في سبيل الغاية المستحيلة. علم أنه سيمضي إلى جوار ربه دون أن تتحرر فلسطين، وأن بين العرب وذلك المراد مسافة هائلة، لكنه من أجل أن يحصل على دعم العرب والمسلمين ظل يبتسم، وانطبعت ذكرى إبتساماته في القاهرة، ودمشق، وعمان، وبغداد، وصنعاء، والرياض، وإسطنبول، وطهران، وجاكارتا، وأفشى لصدام حسين بسر خطير! (سنصلي في القدس) ولم يصليا. اتهمناه بالكذب، والإستجداء، والمتاجرة بالقضية، وتحمل نكاتنا السخيفة، لكنه صار عنواناً لقضيته، فهو الوحيد من حكام العرب الذي تحول قبره إلى مزار، وهو الوحيد الذي لم يتخل عن القضية. وبينما توجه أنظمتنا سلاح جيوشها، وعبقريات أمنها، وعقارب حقدها ضدنا، لا يجرؤ أحد أن يقول: إن بندقية ياسر عرفات توجهت إلى ناحية غير العدو الصهيوني، وحتى حين قاتل هنا وهناك، وحوصر في هذه العاصمة، أو تلك، فإنه كان يقدم شيئاً ليأخذ نظيره من أجل فلسطين. كل الفلسطينيين ينادون به شهيداً، ولا ينهرهم بقية العرب، بينما شعوب الأمة تطارد حكامها وتلعنهم، وقد تختلف فيهم، والذي كان يستجدي العطف منهم، صار مثلاً في النزاهة والتضحية، وحين رحل إلى الموت من رام الله إلى باريس، لم يبخل بابتسامته الشهيرة، وكان مودعوه يلوحون له، ويبكون، ويتوسلون، ويجرون هنا وهنا في مساحة المقاطعة، ولم يحتج إلى حجر أو زنقة أو آله قمع. تحركت روحه الآن من المقاطعة إلى كل أقنية الإعلام في العالم، وصرخت أن الرئيس قتل مسموما من قبل عملاء الموساد، وإن إسرائيل اللقيطة هي التي دبّرت الجريمة وارتكبتها ظنا منها أنها ستمضي وتطوى مع الزمان، لكن عرفات يأبى ذلك وقرر فضح الجناة. يحفظ الفلسطينيون صوراً كثيرة لياسر عرفات، وأجملها صورته وهو يبتسم، أفلا يستحق منهم دمعة؟، حينها يلتقيان (دمعة وابتسامة).
****** "أبو عمار" حاضر في قلوب الأسرى والمحررين عبد الناصر عوني فروانة لست مؤرخًا أو كاتبًا محترفًا، ولم أمتهن الصحافة يوما، ولست شاعراً أنا أوأديباً كي أمسك القلم لأنظم عباراتٍ تكافئ قامةً رفيعةً بحجم السنديان بشموخها، عن وطن جامع يسكن في ثائرٍ اسمه "أبو عمار"، بل إنني صوت للأسرى والمحررين، وقريب جدًا منهم، فقد شرُفت بأنني ومنذ أن أبصرت النور وأنا جزء من هذه القضية الوطنية النبيلة، فقد كانت الحركة الوطنية الأسيرة هي أول الأدبيات النضالية التي تعلمتها، حيث كان والدي من الرعيل الأول من الأسرى، ومن ثم اعتقلت وتعايشت مع أخوة مناضلين لسنوات في السجون، ولم ينته المطاف بي بعد التحرر، فما زلت بالتصاق وثيق بهذه القضية، فأنا معهم وبينهم وبجانبهم، ومتابع لهمومهم ومعاناتهم وتفاصيل حياتهم، ومطلع على أفكارهم وآمالهم وطموحاتهم، فهي قضيتنا ونحن جزء منها، فكبرنا وكبرت معنا وبداخلنا حتى أصبحت جزءاً من حياتنا وجزءاً أساسياً من قوتنا اليومي، لذا أرى أن من حقي وواجبي أن أنوب عنهم وأخط بضع كلمات بحق من وصفهم في محافل عدة بأنهم خيرة أبناء الشعب الفلسطيني، الزعيم الحاضر الخالد في قلوب الأسرى والمحررين في ذكرى استشهاده الثالثة عشر الشهيد (ياسر عرفات). إن العلاقة التي كانت تربط الشهيد "أبا عمار" بالأسرى، لم تكن مجرد علاقة مسؤول بمرؤوسيه، أو قائد بجنوده، فحسب، وإنما هي علاقة الأب الحنون بأبنائه المناضلين المقيدة حريتهم بفعل سلاسل السجان الإسرائيلي بعد أن قاوموا الاحتلال وقدموا الغالي والنفيس من أجل الوطن، لذا كان وفياً لهم ولمن كانوا أوفياء له وللقضية قبل وبعد اعتقالهم، ومتابعا لتفاصيل حياتهم وعلى تواصل دائم معهم، ومستفسرا ليل نهار عن أحوالهم، وحريص على تحقيق حلمهم بالعودة إلى أهلهم وشعبهم. لم يغفل "أبو عمار" قضيتهم ولم يضع ملفاتها في أدراج النسيان، فكانت حاضرة دوما على أجندته وفي صلب اهتماماته وعلى سلم أولوياته، وحرص على إبقائها حية في كل الأزمنة، وحاضرة في كل الأوقات والمناسبات، وضمن الخطابات الشعبية والرسمية، وموجودة على أجندة اللقاءات العربية والدولية، وكثير ما أصر على إدراجها ضمن لقاءاته مع زعماء العالم، واصطحب معه مرارا أبناء الأسرى خلال لقاءاته مع شخصيات عربية ودولية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: لقائه بالرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" والرئيس الفرنسي "جاك شيراك" وبابا الفاتيكان "يوحنا بولس" وغيرهم. لقد كان "أبو عمار" سنداً حقيقياً للأسرى والمحررين وعوائلهم، وشكّل لهم رمزاً تاريخياً عظيماً، وكان عنواناً للصمود والعزيمة، ومبعثاً للأمل والتفاؤل، فسكن قلوبهم وعقولهم، ليبقى إرثاً حياً في وجدانهم، وتاريخاً محفوراً عميقاً في ذاكرتهم، واسماً حاضراً دوماً وأبدا بينهم، وسيبقى في ذاكرتهم وذاكرة الأجيال المتعاقبة يذكره التاريخ بفخرٍ أبد الدهر. لقد قالت لي زوجته "سهى عرفات" عبر الهاتف: "إن الأسرى وهمومهم كانوا دوما في عقل وقلب أبي عمار، وكان دائم الاتصال بهم والتواصل معهم ودائم الفخر بهم والاعتزاز بنضالاتهم، وكثير الحديث مع المسؤولين الفلسطينيين لتوجيههم وحثهم على دعمهم وإسنادهم، خاصة إذا ما تردد لمسامعه أن هناك اعتداء أواقتحام أومواجهات في هذا السجن أوذاك. وكان حريصاً أيضا على لقاء أمهات الأسرى وأطفالهم والاستماع إليهم، وحتى وهو على فراش الموت أوصانا وأوصى من حوله بالأسرى، وحثّ وزير المالية في الحكومة الفلسطينية آنذاك "د. سلام فياض" بمواصلة الاهتمام بهم". "أبو عمار" ذاك الشهيد الخالد الذي حرص طوال سنين حياته على تحقيق حلم الأسرى بالحرية بما يعزز النضال الوطني الفلسطيني وديمومته، فهو من أوائل من أرسى ثقافة الأسر والخطف لجنود الاحتلال ومواطنيه ومستوطنيه، وأشرف على إنجاز العديد من صفقات التبادل منذ أن أطلقت حركة "فتح" الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من ديسمبر عام 1965، حيث كان أولها بتاريخ 28 جانفي 1971 وتحرر بموجبها الأسير محمود بكر حجازي، وهو أول أسير في الثورة الفلسطينية المعاصرة، فيما أنجز أضخم الصفقات في تاريخ الثورة الفلسطينية، وكان هذا في 23 نوفمبر 1983، والتي تحرر بموجبها جميع معتقلي معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) معتقل فلسطينيولبناني وعربي، و(65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود اسرائيليين كانوا مأسورين لدى (حركة فتح). كما وأصرّ على إطلاق سراح الأسرى في إطار "العملية السلمية" التي انطلقت عقب اتفاق "أوسلو" عام 1993، فنجح في انتزاع حرية الآلاف منهم، ولم تكن إفراجات شكلية، بل شملت أحكاماً عالية ومؤبدات وأسرى دوريات، فأجاد وبامتياز فن المزاوجة ما بين "المقاومة والعملية السلمية"، ما بين "العمل المقاوم والمفاوض"، ونجح في إطلاق سراح ما مجموعة (16) ألف أسير ومعتقل فلسطيني وعربي وما يزيد من السجون والمعتقلات الإسرائيلية عبر صفقات التبادل و"العملية السلمية" التي انطلقت باتفاق "أوسلو"1993. إن دور الشهيد "أبا عمار" لم يقتصر على دعم الأسرى القابعين في سجون الاحتلال فحسب، والنضال من أجل كسر قيدهم فقط، وإنما امتد دوره ليشمل دعم أسرهم وأطفالهم وعائلاتهم، بل واهتم أيضا بالأسرى المحررين وضرورة دعمهم وإسنادهم، فكان حريصاً على أن يوفر لهم ولعائلاتهم كافة احتياجاتهم ومستلزمات حياتهم اليومية، فأصدر في السابع من أوت عام 1998 قرارا يقضي بتشكيل جسم حكومي ورسمي يُعنى بشؤون الأسرى والمحررين، وأطلق عليها وزارة شؤون الأسرى والمحررين، -والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى هيئة شؤون الأسرى والمحررين من دون المساس بجوهرها ومضمونها ودورها تجاه هذه الشريحة- الأمر الذي شَّكل سابقة هي الأولى من نوعها على المستويين العربي والإسلامي، وأسس لمرحلة جديدة في التعامل مع قضية الأسرى على كافة الصعد، وأحدث انقلابا لجهة الأفضل فيما يتعلق بالخدمات المقدمة لهم، الحقوقية والاجتماعية، القانونية والمالية، وهو أول من اعتبر أن الأسرى هم جنود وأن رواتبهم يتم التعامل معها حسب رتبهم العسكرية، بالإضافة إلى قراراته باستيعاب الأسرى المحررين في القطاع العام (المدني والعسكري) واحتساب سنوات الاعتقال كسنوات خدمة فعلية، مما قاد إلى إحداث نقلة نوعية في مكانة وحضور قضية الأسرى والمحررين على المستويين الوطني والسياسي، ومع مرور الوقت وتراكم العمل وتطور الأنظمة والقوانين الخاصة بهم، يمكن القول إن نقلة غير مسبوقة قد حدثت في طبيعة ومستوى وحجم الخدمات التي تقدم لهذه الشريحة المناضلة، وما زال العمل مستمرا والخدمات تقدم لهذه الشريحة من دون توقف وبما يكفل لهم ولأسرهم مستوى لائق من الحياة الكريمة، لهذا وذاك، بقي الأسرى والمحررون وعوائلهم أوفياء له، يهتفون باسمه ويحيون ذكراه في السجون وخارجها، كيف لا وهو مفخرة لهم وللأمة جمعاء وعنوان لعزتها. وفي الختام أدعو المؤسسات الفلسطينية المعنية وكافة الجماهير الفلسطينية والعربية وأحرار العالم إلى حماية إرثه الفريد، وتاريخه العريق، وتوثيق علاقته التاريخية بأبنائه الأسرى وعائلاتهم، والتمسك بالثوابت الوطنية التي ناضل واستشهد من أجلها، والسير على دربه ودرب كل الشهداء نحو تحقيق أهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة في دحر الاحتلال وتحقيق الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأن يرفع شبلٌ من أشبالنا أو زهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق مآذن القدس وكنائس القدس، كما كان يوصينا دوماً أبو عمار.
******* من مذكرات أمجد النجار مدير نادي الأسير أمام مستشفى "بيرسي" العسكري أمجد النجار سأبدا بكلمات انقلها لكم كما رصدتها خلال تواجدي على مدار ثلاثة عشر يوما أمام مستشفى بيرسي، حيث كان يعالح رمز الثورة الفلسطينية، الشهيد أبو عمار. إن الشهيد القائد "أبو عمار" قد أوصى وهو على فراش الموت، بالأسرى، وحث وزير المالية بالاهتمام بعائلاتهم والحرص على صرف مخصصاتهم. "إن أبو عمار آخر زعيم تاريخي عظيم على هذا الكوكب نتمنى له الشفاء والعودة لاستكمال مشواره النضالي" هذا ما كتبه، الكاتب الفرنسي "هيرفي مراد"، خلال تواجد أبو عمار في المستشفى العسكري "بيرسي" في فرنسا في العام 2004. نواب شيوعيون من كلامار، وأمين عام الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب مولود عونيت، تجمعوا أمام المستشفى، وجلسنا على مدار ثلاثة عشر يوما. وقفت بجانب الطالبة ناجيت (18 عاماً)، وهي تغالب دموعها: إنهم يقفون وحدهم . . الفلسطينيونوعرفات، وسألتها لماذا حضرتي إلى هنا، فقالت لي حدثني قلبي بضرورة الحضور، فجئت إلى هنا. وكتبت صحيفة "الهيمانتيه" الفرنسية، ياسرعرفات "سبارتاكوس" الأحرار في العالم، وقالت فاطمة باهيا التي كانت تتشح بالكوفية الفلسطينية: هو أب بالنسبة لنا وللمغاربة وللعالم الإسلامي والعربي. وقالت شيرين، وهي جزائرية عاطلة عن العمل، وقد اتشحت بالكوفية وبالعلم الفلسطيني: سيعيش إن شاء الله. لديه قلب قوي وصلب. وقال الحاخام يسرويل دوفيد ويس، الذي يعيش في نيويورك: جئنا لنقيم صلواتنا ونبدي مشاعر الدعم والتضامن مع الرئيس عرفات ومع الشعب الفلسطيني عامة. يقول أمجد النجار، مدير نادي الأسير الفلسطيني في محافظة الخليل:" في مثل هذا الوقت وفي مثل هذه الساعة بالضبط كنت موجودا على أبواب مستشفى "بيرسي" العسكري التابع لوزارة الدفاع الفرنسية الواقع في مدينة "كلامار" في الضواحي الغربية القريبة من العاصمة باريس، وعندما وصلت إلى هناك، وذلك بتاريخ 29 /10 /2004، وهذا تاريخ لا ينسى، حيث وصل قائدنا وزعيم ثورتنا الشهيد الرمز أبو عمار إلى قاعدة فيلاكوبليه العسكرية في ضاحية باريس الجنوبية في الساعة الواحدة والنصف، على متن الطائرة الفرنسية الحكومية، وهي من طراز فالكون 50 المجهزة طبيا، وأضاف النجار ": كان مشهداً لايمكن لكل كتاب العالم أن يصفوه، وجدت الآلاف من محبي أبو عمار ومن جميع الجنسيات عربية وأوروبية ومن أمريكا اللاتينية، جاءوا فقط لوضع وردة وكتابة كلمة على جدران مستشفى "بيرسي"، وكان الجو باردا ودرجة الحرارة تحت الصفر وثلوج وأمطار غزيرة والمئات من رجال الأمن الفرنسي والمئات من فضائيات العالم نصبت سيارت البث الخاصة بها لمتابعة الوضع الصحي لزعيمنا الحبيب ياسر عرفات". وكان الطبيب العسكري، البروفسور دو روفيل، هو الذي كلف من قبل الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، ليشرف على معالجة الرئيس الفلسطيني.. وقد أولت كل وسائل الإعلام لخبر حضور عرفاتلباريس مكاناً هاماً في نشرات الأخبار والصفحات الأولى من الجرائد القومية والمحلية. وتابعت وسائل الإعلام يومياً تطور حالة الرئيس، الذي جاء في طلب علاج "الطبيب شيراك"، حسب عنوان صحيفة أو "فلسطيني في باريس"، حسب أخرى. وجدير بالإشارة، أن العلاقة الفرنسية الفلسطينية اتسمت تاريخياً بالصداقة في ظل كل الأحزاب التي توالت في الحكم الفرنسي من اليمين الديغولي إلى الاشتراكيين. ولنذكر بالدور الذي لعبته فرنسا إبان حكم فرانسوا ميتران، إبان حرب إسرائيل ضد لبنانوالفلسطينيين في أوائل الثمانينيات، ودور فرنسا في حماية خروج عرفات مع الفدائيين إلى تونس. وخلافات فرانسوا ميتران مع إسرائيل إبان حصار بيروت ومشابهته لهذا الحصار بحصار النازي لقرية فرنسية إبان الحرب العالمية الثانية. وفي ظل الحكم اليميني إبان حرب 73، صرح وزير الخارجية الفرنسية جوبير حينها، أنه لا يدين إشعال مصر للحرب "إذ كيف يدين بلدا تحاول أن تضع قدمها في أرضها". وقبل ذلك كان موقف ديغول من حرب 67 وحظره لبيع السلاح للبلدان المتحاربة من الأمور التي لم تغفرها له إسرائيل، وخاصة عبارته الشهيرة "إسرائيل متكبرة ومغرورة".