بقلم: عمار لشموط شهدت بعض المدن الإيرانية حركات إحتجاجية عنيفة أدت إلى سقوط عدد من ضحايا بينهم قتلى ، التظاهرات جاءت نتيجة ارتفاع في معدل أسعار بعض المواد الأساسية المدرجة في القانون المالية وإفلاس بعض البنوك الخاصة. حيث اصبح هذا الحدث الايراني محل إهتمام اعلامي و تتبع سياسي يأخذ مسارات و قراءات و تخمينات متعددة ، فهل هي بداية سقوط النظام الملالي ؟ هل هو الربيع الفارسي ؟ هل ما يحدث من حراك هو تمرد على المؤسسة و المرجعية الدينية أم هي حركات مطلبية ظرفية ؟ تساؤلات تعبر عن تخوف هذا وذاك من انهيار كلي لطهران و رغبة بعض الاوساط الإقليمية في عودة الهدوء للمنطقة ،فبينما تشكل إيران محور إقليمي هام في معادلة التوازن الجهوي ، فهي عامل إستقرار كما هي فاعل توتر في المنطقة ، التوتر الذي يصنع في الغالب الديبلوماسية التصالحية أو التصادمية . إن المشهد الإيراني عبر التركيبة المؤسساتية السياسية فريد من نوعه في العالم ويشكل التنوع العرقي و الإثني معطى معقد في محيط إقليمي تشكل فيه الأقليات أوراق جيوسياسية و جيودينية عامل حاسم في الصراعات الشرق الاوسطية . ما جعل إيران تسخدم أوراق و تستعين بوكلاء تتحرك عبرهم في باقي الأقطار، هذا ما أنتج تحالف محور معادي لها في المنطقة من دول الخليج كالسعودية ، الإمارات ، إسرائيل و أمريكا و بعض الكيانات السنية في سوريا و العراق و اليمن و لبنان ، توقع الكثير عبر تدوينة رونالد ترمب الرئيس الأمريكي :إن وقت التغيير قد حان في إيران . فلطالما انتقد ترامب سياسية أوباما الإحتوائية و الإتفاق النووي فعبر هذا التصريحات انتظرت أطراف صعود الحركات الاحتجاجية من المطلب الاجتماعي إلى المطلب السياسي ، فهل عمليا ستكون هذه التصريحات متبوعة بتدخل في الشأن الإيراني الذي يمتلك مواطنيه حساسية في التعامل مع الطرف الخارجي . القراءة في المشهد المعارضاتي في إيران يدرك أن القوى الفاعلة على الأرض ليست المعارضة الموجودة في الخارج بل هي العناصر المتواجدة في مساحات هامشية داخل منظومة الحكم نفسها . الصراع أوجد قطبين رأسيين في معادلة التجاذب السياسي هما المحافظين و الإصلاحيين، منافسة أنتجت فضاءات صراعاتية كان الشارع دائما المسرح لفصل الصراعات والخلافات لصالح معسكر ما ، فعلى سبيل المثال الحركة التي قادها الإمام حسين منتظري الذي عينه الخامينئي نائبا له جاءت من داخل منظومة الحكم و قد قادت حملة تمرد ضد المؤسسات الدينية و تغولها السياسي والإقتصادي وكان مصيره السجن و الإقامة الجبرية. في نفس السياق شهدت إيران في 2009 أكبر حركة إحتجاجية اطلق عليها الحركة الخضراء دامت لأشهر عدة قادها حسين موسوي الذي طالب بجملة من الإصلاحات الدينية و السياسية تعاملت معها السلطة وفق استراتيجية تعكس مقاربة طهران في احتواء الحركات الاحتجاجية، فحسين موسوي لا يشكل معارضة خارج القوالب التقليدية المحافظ و الاصلاحي ، إضافة الى هذا هناك خصوصية إيرانية في التعامل مع الإضطربات السياسية يمكن حصرها فيما يلي. 1-النظام البوليس القمعي عبر الحرس الثوري و اللجان الثورية و قوات ما يسمى باسيج 2-النظام الإيراني اقرب إلى النظام الديمقراطي الغربي في العملية السياسية الثمثيلية ، فالمؤسسات المنتخبة كرئيس الجمهورية و السلطة التشريعية تمثل الارادة الشعبية الحقيقة عكس الدول العربية التي تأسس فيها على التزوير و عدم شرعية المؤسسات المنتخبة بدء بالمحليات ، والجو العام أيضا يشكل في إيران استثناء في وجود صحافة حرة ، ومستوى النقاش السياسي يتناول تقريبا كل المحظورات ، أما على المستوى الفني و الثقافي ايضا هناك رصيد تاريخي و مساهمات في إثراء النقاشات العامة على مستوى المجتمعي . 3-الإحتواء الديني : تبقى المؤسسة الدينية هي القادرة على استقطاب التباعد و التصادم السياسي عبر ما تمتلكه من مرجعية في وجدان الفرد الإيراني ، فحتى الفقه السياسي المعارضاتي الإيراني قائم على اسس دينية و فكرة المظلومية هي نتيجة المخيال الأتنروبولوجي في التكوين العقائدي الشيعي جراء الكربلائيات و الشعور بالاضطهاد التاريخي بدأ من معاناة أهل البيت إلى الحزن على الحسن و الحسين. نحن نتحدث عن بلد له تأسيس سياسي و فقهي يمتد إلى قرون أسسه إسماعيل صفوي في 1500 ميلادي و لقد كان الشاه الاب يعتمد على المرجعية الدينية الشيعية في تثبيت الحكم الملكي عكس الشاه الابن فعلمنة الدولة اصطدم اولا كثيرا مع النفسية الإيرانية ما جعل الخميني يسترجع المرجعية الشيعية من الدولة و يوظفها في الخطاب السياسي المعارضاتي. أكيد سيعود الهدوء الى الشوارع طهران و أصفهان و تتراجع الحكومة عن اتخاذ بعض القرارات الإصلاحية لكن الشيء الذي يستفاد من الحراك الأخير أن الكبرياء الإيراني لم يعد له تبرير و تغوله الاقليمي لعبة كرتونية قادرة على أن تسقط عليه، ومحدودية فكرة تصدير الثورة لدى الجماهير الشعبية و الطبقات الهشة، فعمر النظام الايراني يقارب الاربعين سنة من تأسيسه و قد استهلك الى غاية اليوم الكثير من الشعارات الدغمائية التي أطالت وجوده و أن ثورة الجياع قد تلتهم الجميع