دلالتان أخريان داخلية وخارجية، مع شواهد ممتدة ومتجددة في تفاعلات الحدث الإيراني البارز، تفيدان باستمرار تداعيات أزمة يونيو/حزيران الماضي التي فاجأت العالم بحراك غير متوقع للمجتمع الإيراني من داخل جسم الثورة ومن خارجها.أما الأولى فهي بيان الجمعية الإيرانية للدراسيين والباحثين في قم في الخامس من يوليو/تموز الجاري الذي أكد التشكيك في نتائج الانتخابات، وهذه المرة من أحد معاقل الحركة العلمية الحوزوية في إيران التي تعتبر دائما مصدر التدفق التنظيري للثورة الإيرانية، واعترض البيان على اعتبار مجلس صيانة الدستور مرجعا محايدا باعتباره جهة منحازة للرئيس الفائز حسب الإعلان الرسمي وهو محمود أحمدي نجاد.أما الدلالة الأخرى فهي حجم التفاعل الغربي والإسرائيلي مع الحدث الإيراني سواء من خلال اتهام دوائر المحافظين المستمر للتدخل الغربي في أصل الأحداث والتخطيط لها، أو في تداعيات رفع السقف الإعلامي في مواجهة إيران أوروبيا ردا على حملتها الإعلامية, وصولا إلى التصريحات المتناقضة من أطراف أميركية أبرزها نائب الرئيس بايدن ورئيس الأركان في الرابع من يوليو/تموز الجاري بين غض النظر عن عمل عسكري محتمل وبين رفضه مطلقا، في تزامن مع عبور الغواصات الإسرائيلية قناة السويس واقترابها من مياه الخليج العربي، وهو ما سنعرض له عند تحليل الموقف المتوقع أن ترتكز عليه الأمور بين واشنطنوطهران في سياق المقال.ومع أن الحسم بدا واضحا لمصلحة التيار المحافظ بقيادة المرشد علي خامنئي، فإن المؤكد أن أحداث يونيو/حزيران الماضي لا تزال فاعلة في المشهد الوطني الإيراني في حالة تفاعل واحتقان تاريخي لم تعرفه الثورة.ولذا فإننا نحتاج إلى إعادة رسم الصورة وتفكيكها من البداية حتى نصل إلى مقاربة دقيقة لمستقبل إيران والمنطقة الواعد بمزيد من التطورات التي بدأت تأخذ مسارات حادة في تغيير الحالة السياسية والإستراتيجية للمنطقة. انطلاق الشرارةمنذ عصر الاثنين الخامس عشر من يونيو/حزيران الماضي بعد يومين من إعلان النتائج بدأت تتجمهر المسيرة الخضراء المؤيدة للسيد مير حسين موسوي والرافضة للنتائج المعلنة للانتخابات بفوز السيد محمود نجاد بغالبية كاسحة لرئاسة الجمهورية لدور ثان.وبعد حملة احتجاجات مندفعة بدأت مواجهة عنيفة للسيطرة على الحركة الشبابية التي تقود حملة التغيير الداعمة للمرشح موسوي، تَوتر بعدها الوضع في طهران بعد إعلان أقطاب الحركة الإصلاحية وآلاتهم الانتخابية أن رصد التزوير كان واضحا ومباشرا، فردت السلطات الإيرانية باعتقال مائة من قيادات الحركة الإصلاحية بمن فيهم محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس السابق وزهراء إشراقي حفيدة الإمام الخميني، وإثر تطورات خروج الشارع بدأت تبرز سيطرة السلطة المركزية الواقعة أصلا في قبضة المرشد بموجب الدستور والهيمنة الفعلية.لقد أعطت شهادات الشارع الإيراني قبل انفلات الأمور، وبمؤشر واضح صور أجواء الحملة الخضراء من لقاءات في الشارع الميداني والقيادات الفكرية والسياسية العديدة والجمهور الشبابي الذي ركز معظمها بصورة لافتة على نقل نموذج حي من الشاهد لواقع مختلف عما تصوره وسائل الإعلام الإيرانية التقليدية طوال الفترة التي سبقت الانتخابات، وذلك قبل أن تُحظر التغطيات ويمنع الصحفيون الأجانب.ونقلت برامج الجزيرة وقناة العربية وبي بي سي العربية ووكالات الأنباء رغم توجيهات وزارة الإرشاد ومتابعتها لهم، فكان المشهد يشير بحد ذاته إلى أن حركة الصعود في الميدان كانت للقوى الإصلاحية وكانت الشعارات الخضراء من الكف إلى ربطة العنق والساعد إلى الرايات تنتشر بصورة أفقية في شوارع طهران حتى لاعبي المنتخب الإيراني، على غرار يُحاكي الثورة البرتقالية بما يُشير إلى أن هذا الجمهور الذي أفصح عن توجهاته يملك وجودا يشير إلى الغالبية في الشارع المنظور إعلاميا، مع أن السلطات اعترفت له بثلاثة عشر مليون صوت فقط.لكن اللقاءات كلها التي أُجريت مع الإصلاحيين كانت تؤكد جازمة أنها واثقة من تملكها للغالبية المريحة وكان صوت الاحتجاج المتزامن مع المناظرات مرتفعا في داخل الشارع الإيراني رافضا لما يُعلنه الرئيس نجاد من تقدم اقتصادي واستقرار في الجمهورية، وهو ما كنا نسمعه طوال الفترة السابقة من قبل القنوات العربية الإيرانية أو الموالية لإيران.وقد تصاعد التوتر في أجواء الحملة بالصراع العلني والتهديد الذي باشره الرئيس محمود نجاد من توعده لقوى رئيسية في صناعة الثورة وتثبيت النظام السياسي، في طليعتها الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي توعده بقطع الأيدي بعد الانتخابات بعد أن عاتب الشيخ رفسنجاني المرشد على تشجيعه الضمني لهجوم نجاد وطعنه في أمانة قيادات رئيسية لنظام الجمهورية.في المقابل كانت حفيدة الإمام الخميني ترد بقوة على اتهامات نجاد مؤكدة قبيل التصويت أن الفوز محسوم من معرفتها الميدانية للشارع وأن السلطات لو أعلنت فوز نجاد، فسيكون ذلك تزويرا، وذلك في مقابلتها مع بي بي سي العربية.ولقد كان مفاجئا للجميع أن التلفزيون الإيراني أعلن مُبكرا وقبل فرز 5% من الأصوات فوز الرئيس نجاد في خطوة أثارت لغطا عن الفرز بعد الإعلان الأولي للنتائج، ويرى بعض المراقبين أن إعلان موسوي أن آلته الانتخابية رصدت تفوقه الكبير كان فخا ناجحا لجر الهيئات الرسمية لإعلان فوز نجاد قبل الفرز الأولي باعتبار أن قرار التزوير -وهذا كله بحسب موقف الإصلاحيين- كان مُبيتا بالفعل.ورغم أن مآلات الأمور انتهت بسيطرة خط المرشد على الأوضاع فإن هناك علامات استفهام كبيرة على مستقبل الوضع السياسي الإيراني ومستقبل حركة الانتفاضة الخضراء وآثار النزاع الداخلي، ومن المؤكد أن حالة انتقالية تأخذ هذا الحجم من الصراع لا يمكن أن تمر بهدوء ولا بد لها من تداعيات تصاعدية تُحسم لأحد الأطراف.وهناك رأي يقول بأن المحافظين كانوا يعلمون بحجم الوجود الإصلاحي المكثف وأن المخطط له كان السماح بخروج صورة التعددية في إيران لتعزز لغة التفاهم مع الصفقات الغربية إلا أن تداعيات المشهد ربما كانت أكبر مما خطط له المحافظون. أوباما يثبت موقف واشنطن ورغم التصريحات الإعلامية فإنه كان من الواضح أن واشنطن نأت بنفسها عن ثورة الاحتجاج في الشارع الإيراني بل إن هيلاري كلينتون أكدت بصورة مباشرة أن توجهات الحوار والتواصل مع إيران لا تخضع لنتائج الانتخابات ولكنها سياسة ثابتة لواشنطنالجديدة، في تأكيد للدلائل المتزايدة لضرورات التهدئة التي تسعى واشنطن لإقرارها مع الجمهورية الإيرانية.وعليه فإن كل ما يُقال ويرصد من التغطية الإعلامية الغربية لاستغلال أو صناعة لتطورات الحدث لا يلغي التساؤل الضخم الذي أوحى به مشهد إيرانالجديدة، هل هذا التضامن الشبابي الشعبي حتى ولو بأصوات بعض المرشحين المنهزمين كان كراهية للنظام أم محبة لموسوي؟ومنذ أن ألقى المرشد خطبته الشهيرة التي فُسرت على أنها مقدمة مهمة لمشهد المواجهة وسحق المعارضة الإصلاحية وبالذات الشبابية المحتجة على تزوير الانتخابات، وهو ما حصل على الأرض، فإن السيد خامنئي لم يكن يعني بالفعل الإنذار وحسب ولكنها مُقدمة دموية صعبة قدرتها أطراف الحكم المحافظ بأنها تستدعي حرب تصفية جديدة وعنيفة وتاريخية لإعادة تنظيم بيت الثورة من الداخل بحسب فكر ومشروع ورؤى التيار المحافظ الذي يرأسه السيد خامنئي، الذي أسقط في الخطبة الشهيرة كل مساحات مشتركة يمكن أن تحتضن القوى المتصارعة مع التيار المحافظ وحمل بشدة وتهديد مباشر على الحركة الإصلاحية وحملها مستقبل الأحداث والدماء التي أهرقت في شوارع طهران.ومع حسم المحافظين قضية الصراع لمصلحتهم فإن المشهد لا يزال يُرسخ بقاء حالة فكرية وشرخ واسع لا يمكن التنبؤ بآثاره المستقبلية وما الذي سيصنعه في وجدان الشعب ومناضلي الحركة الإصلاحية حتى لو حَسمت الدماء الجولة الأولى مع تلك الروح التي ظهر بها الشباب الإيراني في طهران وشيراز وغيرها.وأمام حركة تعتيم ضخمة وبقدرات ذاتية وهو مشهد لسلاح فعال بكثافة وتأثير بالغ لا يمكن أن ينساه الشعب بسهولة وهو أنهم فدوا أصوات الحرية بأجسادهم التي تناثرت مع دفاتر المدرسة والجامعة.وهذه القضية الإنسانية البالغة الرمزية ومهما اختلفت الرؤى والتقديرات والتساؤلات الضخمة حول إلى أين سينتهي المشهد؟ ومن سيقتطف الثمرة في نهاية الأمر؟ فإنها حين تتوجه لأصل المضحين من أولئك الشباب الصغار الذين أصروا على سؤال واحد في لافتاتهم، من سرق صوتي أيها الدكتاتور (يقصدون به السيد نجاد) ثم يقابلهم إطلاق النار من الباسيج بلباسهم المدني أو الشرطة العسكرية فتداهم أجسادهم وتسقطهم على الأرض، فهو تعبير بالغ عززه دوي تكبيرات أحياء طهران عند منتصف الليل مذكرةً بأن الثورة التي أسقطت ظُلم الشاه مستعدة لإسقاط ظُلم الشاه الفقيه.ربما أن الحسابات التحليلية كانت تتوقع انسحاب السيد موسوي من رمزية انتفاضة يونيو/حزيران لكن إصرار الرجل وإعلانه أنه على استعداد للشهادة في رسالة روحانية تضامنية مع شهداء الانتفاضة وزملائهم ووصيته لهم بالاستمرار حتى لو حدث له شيء أعاد تنظيم الصورة مُجدداً وعزز الشرخ القائم بين مدرستين تنتميان للثورة الإسلامية.وكان رد السيد موسوي القوي على خطبة الإمام خامنئي أعاد بعثا وجدانيا وفكريا لحركة الحرية الثائرة في إيران.وهنا يَبرز سؤال أشار له السيد خاتمي في خطابه التضامني مع ضحايا ميدان الحرية الإيرانية وهو تحذيره من أن هذا المُضي الدموي والاستبدادي لن تقف ردود الأفعال عليه عند الصراع على الانتخابات ولكنها ستتجاوزه إلى النظام ككل.ورغم أن دلائل تحذيرات خاتمي أصبحت تُنقل عن طريق الإعلام البديل، فإن الفريق الآخر لا يريد أن يُعطي فرصة لتجديد النظام من الداخل والاستجابة للضغوط الشعبية التي رفضت الاستبداد باسم الفقيه بعد الثورة بديلا عن الاستبداد العلماني الأميركي في عهد الشاه.ومع خروج السيد آية الله منتظري من معتكفه الاختياري ودعمه للانتفاضة بعد أن حوصر في عهد الإمام الخميني ووضع في الإقامة الجبرية إثر اعتراضاته على قضية ولاية الفقيه، وهي قضية حديثة معاصرة في الفكر الإمامي انتخبها الإمام الخميني بإحلال القدسية الدينية على منصب المرشد كمرجع لا يراجع بديلا عن قيم المحاسبة والاجتهاد التي تشمل المرجع والتي تضمنها في الأصل فكر السيد علي شريعتي وآخرون في الفكر النهضوي الشيعي.وقد نُقل عن مصادر أن الإصلاحيين عمدوا إلى نشر كتب الأستاذ شريعتي بكثافة وهو المشهور بقوة طرحه الفكري والفلسفي المُصادم للاستبداد الدولي والديني الداخلي، وهو ما تحولت إيران الجمهورية إلى خلافه، فوضع الاستبداد الديني مكان الاستبداد العلماني الأميركي واستبدلت مفاهيم الوحدة الإسلامية إلى الوحدة الطائفية ومشاريعها التوسعية بخلفيتها الإقليمية القومية وتقاطع مصالحها مع الاستكبار العالمي (بحسب المصطلح الثوري الإيراني) تحالفا أسقط أفغانستان والعراق وشارك في إثارة وتفريق الحالة الوطنية في العالم العربي والآسيوي. أين تتجه حركة الخضر؟ كما قلنا سابقا بأن مآل الأمور لا يمكن أن يستشرف الآن في توجه هذا الفريق أو ذاك ومستقبل آثار هذه الثورة على عمق المستقبل الإيراني حتى لو سُحقت على يد المحافظين والقلق الدائر في عواصم الغرب السياسية لا يزال في حالة ذهول وخشية من أن تطور الأمور سيُسقط ما عُقد بالفعل من صفقات مع المحافظين في طهران أو تهدئة بعض الملفات وإن داعبتهم أحلام السقوط الإيراني الشامل وهو ما يبدو وهماً حتى الساعة.وما يقوم به الغرب هو مجرد نفاق أمام هذه الثورة العزلاء لكي تضمن واشنطن والغرب نوعا من الدعاية الكاذبة لعلاقتها بضمير الشعوب أو أنها تسعى لإيجاد خط مبكر مع هذا الفريق لو كسب المعركة فعليا.ومن الطبيعي أن تصعد طهران وتتهم الغرب وتخوض المعارك الإعلامية والسياسية، بل وتنشر أخبار تفجيرات إرهابية في تزامن مع حركة الثورة الشبابية لأن هذا الحرج المتزايد من أن انتفاضة يوليو/حزيران إنما هي من داخل مبادئ الشعب وحركته الشبابية ولأجل استقلال الإرادة الوطنية من الداخل.هذا المفهوم قد يُمثل في حد ذاته صور هزيمة للنظام الذي يسحق ويقتل أبناءه وبناته في نضالهم السلمي المجرد، ولذا فإن استدعاء الصراع مع واشنطن ضرورة، وهذا لا يعني أن الوجود الأميركي والغربي ضيف شرف في المنطقة وفي الجوار المهيمن عليه في الخليج، بل سيبقى مترصداً لقفزة دخول لكن الحالة القائمة بطبيعتها هي الآن في وضع مستقل في حراكها الأصلي وإن استثمرتها جهات غربية وعربية معادية لإيران، مع تطور صناعة الخبر الإعلامي كلغة مشتركة تتناقلها الإنسانية ويبقى من يصيد فيها لحسابه الخاص أو لحساب مبادئه. الإعلام الرسمي العربي ومثقفو طهران طرفان اختلفا وتبادلا التغطية، إعلام عربي يتبع لحالة استبداد وظلم مرتكس فيها من رأسه لأخمص قدميه مخلوطة بشراكته واعتماده على ولي الأمر الأميركي لا يريد أن يقرأ الصفحة الأخرى من قيم الاحتجاج والتمرد التي تشمله في نموذج ثقافة تبضيع الإنسان والأوطان التي زرعها في بلده، والآخر مثقف عربي موال للنظام في إيران أصبح يزايد على انتفاضة يوليو/حزيران الماضي وحرية الشعب الإيراني ويتهمهم بأنهم مجموعة من التجار وأبناء التجار ثاروا على المستضعف المسكين محمود نجاد، والحقيقة أن هذا الصراع الإعلامي المحتدم بين أنصار المحورين إنما يُصفي حسابات لقطبي الصراع واشنطنوطهران.سوى أن انكشاف طرف الإعلام العربي المؤيد للبرنامج الأميركي لا يتكرر في المحور الإيراني، بسبب تداخل قضية واشنطن بالشعور الضمني للإنسان العربي تجاه قضيته المركزية في فلسطين.والحقيقة أن المحور الإيراني له رصيد حضور فاعل يُحاول المثقفون العرب طمره والهروب منه، وتصدق عليه في بعض المسارات نفس القاعدة التي يرفعها هذا المثقف، أن إسرائيل وواشنطن إذا كانت في مربع فالجمهور العربي يكون في المربع الآخر، وهي قاعدة صحيحة في الأصل ولكنه حين يطرح هذا السؤال لا يجيب على الموقف المستمر في الحالة العراقية حين كانت الجمهورية الإيرانية في نفس محور واشنطن وتل أبيب.وليست القضية محصورة فقط بحسب رؤية البعض في تصريحات أبطحي الشهيرة لكن القضية برنامج عمل متصل في دعم وصناعة العملية السياسية في أطوارها المختلفة قبل دخول الاحتلال في حين كانت المقاومة العراقية حتى تاريخه في المربع الآخر، فأين المثقف العربي من هذا المربع؟ ولقد كشف برنامج ترويض البركان الذي أنتجته بي بي سي وبثته قناة الجزيرة فصولا مهمة عن حماس الجمهورية الإيرانية وهي في عهدة الإصلاحيين لحرب طالبان التي خاضتها واشنطن، وكذلك الحالة مستمرة في التنسيق في هذا الملف الذي تُجمع المصادر الإيرانية والأميركية على أنه لا خلاف عليه، أي الحرب الكبرى التي يتبناها أوباما ضد طالبان، وكان طلبه الأول في زيارته لموسكو في السابع من يوليو/تموز الجاري السماح للقوات المسلحة بالأجواء والدعم اللوجستي للحرب. الموقف الأميركي الأخير ومن هنا يتبين لنا أن تصريح بايدن الذي نفى البيت الأبيض تفسيره بأنه ضوء أخضر لتل أبيب وثَبت موقف رئيس الأركان كبعد إستراتيجي مرحلي هو من سيفرض برنامج العلاقات بين القطبين، أخذاً في الرأي بأن تأديب طهران لأوروبا يأتي في توقيت مهم بعد استغنائها عن عملية التسويق والوساطة التي خاضتها أوروبا نيابة عن واشنطن في عهد الرئيس السابق جورج بوش لسبب بسيط جدا يزعج تل أبيب وقسما من أوروبا وهو أن أميركا أوباما في حالة تقدم فعلي لطهران تتجاوز فيه الوضع الأوروبي القديم، على الأقل في تثبيت الوضع توافقا حتى نهاية حرب أفغانستان القادمة وترتيب الوضع العراقي بعد الانسحاب من المدن.ولا يعني ذلك التسليم للترويكا العربية الإسرائيلية في الإعلام والسياسة وأوليات الحرب، فستبقى فلسطين المركز وما يُتاح للمقاوم الفلسطيني مباح وخاصة حماس المضطرة للاستفادة من ظاهرة دعم طهران الصوتية أو دعمها المادي.ولكن حديثنا التفصيلي ودراسة الوضع بدقة إنما تهدف لفهم ما تكرسه هذه العمليات الضخمة من لغة السياسة وصفقاتها وأن الجمهورية الإيرانية لها ما لها وعليها ما عليها لو نظر الإنسان المستقل باعتدال لبعده العربي والإسلامي.فعدم الانجرار وراء ثقافة السوق الإعلامي المهادن للمحور العربي الإسرائيلي لا يعني سكب الدموع مع المرشد وتياره أو حتى الإصلاحيين، إنما النظر بعين البصيرة المزدوجة وليست العوراء.والنظر إلى أين تقف مصالح الأمة ومن هم رواد نهضتها وممانعتها الأصلاء والوقوف معهم في فكر الإصلاح السياسي والمقاومة العسكرية، لا أن يتحول المثقف إلى مجرد كومبارس يُدفع به في المشهد لإثارة الضجيج والغبار في حين يعقد أبطال المسرح صفقاتهم على حساب الأرض والبشر في مناطق الامتحان والمحنة للأمة.