قدم كل من الدكتور ناصر سليمان ونظيره الدكتور هارون عمر الخبيران في علم الاقتصاد في تصريحهما ل " الحوار"، شروحا مفصلة حول المثبطات التي تعكر مناخ الاستثمار والصعوبات التي تعاني منها المؤسسة في الجزائر والمستثمرين عموما، قبل وبعد إنشاء الشركات الاقتصادية، هذا الواقع يجعل أي مسير مهما كان كفؤا وقادرا على تسيير أحسن المؤسسات في اقتصاديات أخرى، عاجزا أمام حجم المشاكل والعراقيل الموجودة لدينا، فما السبيل للقضاء على المعوقات الاستثمارية وكيفية السبل لدفع عجلة التنمية وترقية الاستثمار؟ قائمة 850 مادة ممنوعة من الاستيراد أضرت بالاستثمار وفي هذا الإطار أوضح الخبير الاقتصادي ناصر سليمان أنه لابد من أن نفرق بين المؤسسة العمومية والخاصة، برغم من أن كلاهما تشتركان في المناخ الاستثماري غير الملائم، لكن تبقى المؤسسة الخاصة هي التي تعاني أكثر من سوء التسيير، عموما يقول الدكتور ناصر سليمان فالمؤسسات الجزائرية تعتليها عديد العقبات التي تقف كحجر عثرة أمام تطورها ونموها بالشكل الذي يخدم التنمية الاقتصادية، ومن جملة العراقيل ما تعلق بمسألة تغير القوانين، فتعليمة منع أكثر من 850 مادة من الاستيراد أضرت بالكثير من المؤسسات التي تستورد المواد الخام من الخارج مثل مؤسسات الخزف مثلا، ناهيك عن بعبع البيروقراطية التي يواجهها المستثمرون الجدد في فتح أو إنجاز مؤسسة، فمثلا في الدول المتطورة لا تستغرق عملية تأسيس شركة أكثر من 6 دقائق، فقط على المعني بالأمر ملء قسيمة تتضمن معلومات حول الطالب عبر الإنترنت، وخلال مدة وجيزة يتم الرد من قبل الهيئة المعنية، في حين يخضع فتح شركة بالجزائر إلى عملية معقدة وتحتاج إلى وقت طويل، بالإضافة إلى ثقل ملف الإنشاء. وما زاد الطينة بلة يضيف سليمان عدم توفر الخبرة في مجال الإدارة والتسيير خاصة بالنسبة للمؤسسات التي ينجزها الشباب في إطار "لونساج"، مما يؤدي إلى فشلها في كثير من الأحيان، نتيجة عدم المرافقة لهم. كما تعد قاعدة 49/51 من بين العناصر المثبطة للاستثمار في الجزائر خاصة بالنسبة للأجانب، والتي كثيراً ما طالبوا بتعديلها، ضف إلى ذلك عدم المنافسة العادلة بين مؤسسات القطاع العام والخاص، كتحيز الدولة إلى المؤسسات العمومية، وما يؤكد ذلك يقول سليمان تعليمة الحكومة الأخيرة إلى المؤسسات العمومية بعدم التأمين سوى لدى شركات التأمين العمومية SAA،CAAT، CAAR مما جعل مدير شركة أليانس للتأمينات يحتج لدى الحكومة ويعتبرها تكريسا للمنافسة غير الشريفة من طرف الحكومة، كما أدى صعوبة حصول المؤسسات على التمويل البنكي بسبب التعقيدات في دراسة الملفات من البنوك، أو طلبها ضمانات ضخمة مقابل القرض، وهذا العائق كثيراً ما نبه إليه صندوق النقد الدولي. لهذا يجب تفعيل الفكر الكينزي للنهوض بالاقتصاد وفي الإطار نفسه أوضح الخبير الاقتصادي هارون عمر أن الاقتصاديين الجزائريين ومنذ بداية الألفية الجديدة قد انتهجوا نهج كينزي الذي يعتمد على الإنفاق الحكومي في تحريك عجلة النمو والتنمية من خلال إنفاق مبالغ طائلة على مشاريع البنية التحتية التي وفرت مناصب شغل عديدة على غرار الطريق السيار شرق غرب، المليون سكن، المستشفيات والجامعات وغيرها من المرافق العامة، هذه الخطة طبعا تقضي بتحريك العجلة لكنها لا تستطيع أن تستمر على هذا النهج لوقت طويل خاصة أن بناء البنية التحتية سينتهي، مشيرا إلى أن الفكر الكينزي في الأساس يعمل على تحريك الاقتصاد مع تأهيل الفرد ليكون قادرا على العطاء والعمل في مجال تخصصه، وهو الأمر الذي لم تقم به في الجزائر للأسف، وهذا ما تظهره الكثير من المشاريع الكبرى التي نضطر فيها لجلب يد عاملة مؤهلة من الخارج كالسباكة، النجارة، البناء وغيرها من المهن التي تعتبر أساسية لقيام أي مجتمع، أي أننا أنفقنا في ثلاثة برامج تنموية تمتد من 2001 إلى 2014 غلافا إجماليا قدره 25939 مليار دينار (برنامج دعم النمو الاقتصادي 2001-2004 بغلاف قدره 525 مليار دينار جزائري، برنامج الخماسي الأول الممتد من 2004 إلى 2009 ب 4200 مليار دينار، برنامج الخماسي الثاني 2010 إلى 2014 بغلاف قدره 21214 مليار دينار جزائري) لنتحصل في الأخير على مشكلتين رئيسيتين الأولى أننا أنفقنا هذا المال ولم نقم من خلاله بتدريب اليد العاملة الجزائرية ولم نوطن شركات أجنبية في الجزائر وهو الأمر الأساسي إذا أردنا النهوض بالجزائر، أما المشكل الثاني فإننا قمنا بخلق مرافق عامة ولم نفكر كيف يمكن أن نقوم بصيانتها والتي تتجاوز في الكثير من الأحيان المبلغ المخصص للإنشاء. السياسة الاقتصادية الجزائرية تجاهلت المدى البعيد في سلم التنمية إن أبرز المشاكل الموجودة على مستوى السياسات الاقتصادية في الجزائر، حسب الدكتور هارون عمر هي توجيهها نحو المدى القصير والمتوسط دون الأخذ في الحسبان المدى البعيد، وهذا ما يجعلنا ننفق أموالا طائلة، وتكون النتائج في الغالب بعيدة كل البعد عن ما كان مخططا له، فسياسة خليها "على ربي كيما جات جات" لا تنفع لتسيير اقتصاد دولة، ثم إن قاعدة 49/51 يقول هارون قللت من جاذبية السوق الجزائرية لجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن عدد الشركاء الجزائريين محصور في بضع أسماء معروفة من العام والخاص، ورغم أن المستثمر الأجنبي يبحث عن مصلحته والامتيازات الجبائية التي تمنحها الجزائر للمستثمرين تعتبر الأحسن على المستوى الدولي يضاف إلى ذلك قلة التكاليف التشغيلية خاصة تكلفة الأرض والمواد الطاقوية، علما أن اليد العاملة تغطي بشكل كبير أي ارتياب من القاعدة إلا أن غياب الحرية في التعامل حتى في القطاعات غير الاستراتيجية يجعل المستثمر الجاد يفر من السوق الجزائرية خاصة أن بعض الشركات الكبرى ترفض التعامل مع شركاء غير قادرين على تلبية طموحاتها سواء من ناحية قلة الخبرة في المجالات المختلفة أو ضعف الكفاءة المالية يضاف إلى كل هذا ضعف مؤشرات السوق الوطنية، كما أن مؤشر "doing business" لسنة 2018 والخاص بالبنك الدولي يضيف هارون يصنف الجزائر في المرتبة 166 من إجمالي 190 دولة مقابل المرتبة 88 لتونس و69 للمغرب، في حين صنف مؤشر التنافسية والإنتاجية للمنتدى الاقتصادي العالمي الجزائر لنفس السنة في المرتبة 86 من إجمالي 137 بلد مؤشر يعتمد على عدد كبير من المعايير من بينها مؤشر الخدمات المصرفية والبنكية والتي تحتل فيه الجزائر المرتبة 126 أما البنى التحتية فنحتل المرتبة 93 ونوعية الموانئ في المرتبة 96. تراجع الاستثمار منذ قانون المالية التكميلي2009 وفي السياق ذاته أرجع الدكتور والخبير الاقتصادي هارون عمر تراجع عملية الاستثمار أو حتى ندرتها في الجزائر بعد صدور قانون المالية التكمليلي 2009 إلا أن المشكل الأكبر يكمن حسبه في صعوبة المناخ الاستثماري فالمؤشرات العالمية لم تتغير بل تزداد سوءا، حيث أن البنك الدولي سبق وأن صنف المناخ الاستثماري الجزائري في المرتبة 163 من 184 سنة 2016، حيث نحتل المرتبة 145 في سهولة إنشاء المؤسسات والمرتبة 130 في الربط بالكهرباء وال 163 في تحويل ملكية الأراضي و174 في الحصول على القروض وهذا ما يعني أن أبرز المشاكل التي نعانيها مرتبطة بمناخنا الاستثماري الذي لا يزال وفق المؤشرات الدولية متخلفا مقارنة بما هو مأمول. السوق السوداء زادت ظلامية مناخ الاستثمار في الجزائر إن ما تشكله السوق السوداء التي يفوق حجمها 50 مليار دولار، يقول هارون عمر يجعل الحكم على المسير في مناخ استثمار مشابه ظلم كبير وأمر غير ممكن تقنيا، لأن سوقنا الوطني يسير بمتغيرات غير تلك المتعارف عليها دوليا، بل أن المناخ الاستثماري الجزائري لا يسمح بوجود مؤسسة اقتصادية كبيرة عدا تلك التي تتمتع باحتكار كامل لأسواق ذات استهلاك واسع وكبير من الجزائريين، احتكار يؤكد ضعف الكفاءة الموجودة في السوق المحلية. نصيرة سيد علي