الاجتماع سيثبت سعر البرميل في حدود 70 دولارا حتى نهاية السنة لا ينبغي إغفال دور سماسرة النفط في البورصات العالمية منظمة "الأبك" ليست ملحقة لوزارة الطاقة الأمريكية ستكون الزيادات مشروعة تتراوح بين 600 ألف و1,1 مليون برميل حاورته: نصيرة سيد علي تطرق الخبير الطاقوي الدكتور بوزيان مهماه خلال اللقاء الذي جمعه ب"الحوار" حول اجتماع دول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس الجمعة، لمناقشة كيفية تعويض تراجع إمدادات النفط من أجل توازن الأسواق ومصلحة الجميع، حسب ما قاله وزير الطاقة والصناعة الإماراتي، ورئيس الدورة الحالية لمنظمة أوبك سهيل المزروعي، وقال مهماه إن الزيادة ستكون متوافقة مع روح ومضامين اتفاق الجزائر التاريخي… وعلى "أوبك" أن تؤمن بذاتهاو وأنها ليست مكتباً أو مصلحة ملحقة بوزارة الطاقة الأمريكية حتى يُملى عليها ما ينبغي فعله، كما تحدث الخبير ذاته عن عديد القضايا التي تمس هذا المجال الحيوي العالمي. وستعمل الجزائر في هذا الاجتماع من خلال ممثلها وزير الطاقة مصطفى قيتوني على المرافعة من أجل تعزيز الاستثمارات النفطية، من أجل ضمان استقرار السوق على المدى الطويل. كيف تنظرون إلى تطورات السوق النفطية قبيل اجتماع فيننا ل "أوبك +"؟ بداية ينبغي التذكير أنه مع ظهور عوامل ناشئة، يتحتم علينا إدراجها في مصفوفة التحليل، لكنها بحكم حداثتها وطابعها اللامستقر، بل و"المتشظي" جعل من معظم التحاليل تبدو حذرة للغاية، كما أكسب أسعار برميل النفط صفة "العصبية" و"الهشاشة" والتأرجح والتذبذب والطبيعة "الدورية"، كما أصبحت الأسواق قلقة وشديدة الحساسية للعوامل الظرفية، إضافة إلى التأثير الحاسم الحالي للعوامل الجيوسياسية في توجهاتها، ومن هذا المنظور سأركز تحليلي على هذه العوامل الناشئة، بدءًا بالضغوطات الأمريكية والتي تتجه لكسر الأساسيات في منظومة العلاقات الدولية، بدءا بانسحابها من "اتفاق المناخ" العالمي، ثم إقرار نقل سفارتها إلى "القدس الشريف"، ثم التحلل الأحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني كاتفاق متعدد الأطراف، ثم الانسحاب من المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ثم مباشرة سياسة حمائية تجارية متشددة ضد الصين وكندا والاتحاد الأوروبي، مع فرض رسوم جمركية عقابية عليها، أو ما بات يعرف ب "الرسوم على المعادن"، كفرض رسوم على الفولاذ والألمنيوم المستوردين إليها، بنسبة 25 في المائة من الصين، و10 في المائة للمواد المستوردة من أوروبا وكندا والمكسيكوكوريا الجنوبية، والذي ينذر بحرب تجارية عالمية، أو في أقل تقدير "حرب تجارية ناشئة" بين الولاياتالمتحدةوالصين، والتخوفات الشديدة من التبعات السلبية لهذه الحرب التجارية على الاقتصاد العالمي بعمومه، وكذا احتمالية دخوله في حالة تباطؤ مما سيقلل من الطلب على النفط. واليوم يعمل الكونغرس الأمريكي على إحياء المشروع المسمى "نوبيك" الذي تهدف صياغته كقانون لمكافحة كيانات احتكار إنتاج وتصدير النفط، والذي من شأنه وضع ضغوط على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وسيسمح للحكومة الأمريكية بمقاضاة المنظمة بتهمة "التلاعب في أسعار الخام وسوق النفط العالمية" ومطالبتها بتعويض بزعم أن تلك الممارسات ألحقت ضررًا كبيرًا بالاقتصاد الأمريكي والمستهلكين المحليين. ثانيا، من الضروري التوجه إلى أقصى الشرق، حيث تبرز في هذه الأثناء تحديات جديدة وجدية تواجه أوبك بدءًا من مسعى تشكيل كارتل للمستهلكين الكبار، والذي يخطط له كل من الهندوالصين مع احتمال ضمه لغالبية مجموعة شرق آسيا المستوردة للخام النفطي (الهند، الصين، كوريا الجنوبية واليابان…) بغية تشكيل كيان وازن في مقابل أوبك للإبقاء على الأسعار تحت السيطرة، والضغط لشراء النفط بأقل سعر بالنسبة للمستهلكين الآسيويين المتعطشين للطاقة، مرورا إلى حالة التوسع في استهلاك الغاز على حساب النفط، والتي يعمل القطب الطاقوي الآسيوي لتطويرها وتعضيدها من خلال المشاريع العملاقة لنقل الغاز الطبيعي وإسالته. لكن هناك مواجهة بين إنتاج الأبك والخام الصخري الأمريكي.. ما تعليقك؟ المواجهة بين حصة إنتاج المنظمة والخام الصخري الأمريكي على الخصوص أصبحت الآن تقليدية، فأوبك تواجه منافسة شرسة على حصتها في السوق النفطية العالمية نتيجة لفيضان النفط الخام الذي يتدفق من خليج المكسيك وحقول النفط الصخري في تكساس. كما لا ينبغي إغفال دور سماسرة النفط في البورصات العالمية، والذين يشترون النفط الرخيص ثم يعمدون إلى طرحه للبيع عند ارتفاع أسعاره، كما وقع حين كسر سعر برميل النفط ل "الحاجز النفسي" ل 80 دولارا في الأسابيع الماضية، مما خلق وفرة مفتعلة بسبب التنافس المحموم بين المضاربين لجني الأرباح. أعتقد أننا ركزنا على هذه العوامل الناشئة لأنها ستكون من بين محددات مستوى الأسعار في المنظور القريب، مما يتعين على "أسرة أوبك" وشركائها، الحفاظ على زخم "لقاء الجزائر التاريخي" وتثمين "مسار الجزائر" والذي تجسد بدءًا باتفاق فيينا لتخفيض وتسقيف الإنتاج، ونأمل أن يعضد لاحقا بمنظور لشراكة استراتيجية موسعة مستدامة تُجسد لمواجهة هذه التحديات والإكراهات. فقط يتعين على أوبك مجتمعة الاعتقاد والعمل وفقا لقناعة جماعية وجهد توافقي عالي النضج بأن "أوبك" ليست مكتباً أو مصلحة ملحقة بوزارة الطاقة الأمريكية حتى يُملى عليها ما ينبغي فعله. في ظل هذا الوضع المضطرب وأمام طوفان التكهنات، كيف ترون مخرجات هذا اللقاء؟ هل سيتفق أعضاء "أوبك +" على زيادة إنتاج النفط، وإلى أي مدى سيتم التوفيق بين المواقف الإيرانية والسعودية والروسية؟ هنا سنركز على معطيين أساسيين مهمين، الأول يتعلق بمنظور كل دولة في "أوبك +" لمستوى الأسعار المحقق لثلاثية الجزائر القائلة بضرورة استهداف سعر "عادل ومتوازن ومستدام" بمعنى سعر يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين وسعر يعيد بعث الاستثمارات في الفضاء الطاقوي العالمي، وسعر يحقق الأرباح للمنتجين وعوائد مقبولة تحقق التنمية ونسب نمو مضطردة لكل بلد، لذلك ترى إيران أن السعر ينبغي أن يبقى في مستوى ال 60 دولارا للبرميل، روسيا ترى أنه ينبغي أن يكون في مستوى ال 65 دولارا، الجزائر وحسب تصريحات القائمين على المؤسسة الوطنية سوناطراك عبروا عن رغبتهم في أن يكون سعر برميل النفط في مستوى ال 75 دولارا، مما سيسمح للجزائر بمباشرة الاستثمارات اللازمة في القطاع، فهذا المستوى من الأسعار سيتيح لها إمكانية بعث الاستثمارات في حقول النفط من خلال الاستكشاف وتجديد الاحتياطيات، كما أنه يعد "السعر العادل" للبرميل. فنزويلا والإكوادور تطمحان لمستوى أسعار أعلى، السعودية كانت تراهن على مستوى أسعار على الأقل في مستوى ال 80 دولارا، من منظور اقتناص الفرصة لبيع اسهم "ارامكو" بعوائد مرتفعة، لكن السعودية الآن خفضت من سقف طموحاتها في هذا الشأن في هذا الوقت. المعطى الثاني يتعلق بمستويات التخفيض الملتزم بها في اطار اتفاق فيينا وهو مستوى (32,5 إلى 33 مليون برميل)، الآن التقارير وإن كانت غير متطابقة، لكنها تؤكد أن مستوى التزام "أوبك +" هو تاريخي واستثنائي، وصل حتى مستوى ال 150 بالمئة في بعض الفترات، لكننا لو نأخذ رقم التقرير الأخير لأوبك والذي يتحدث عن مستوى إنتاج حالي ب 31,87 مليون برميل يوميا، وهذا ما عضدته كذلك تقارير الوكالة الدولية للطاقة التي تتوقع انخفاض الطلب على نفط "أوبك" في 2019 إلى 31,6 مليون برميل يوميا من مستواه الحالي المقدر ب 31,9 مليون برميل يوميا، وكذلك متوسط مستوى الالتزام والذي قدرته جهات عدة بأنه بلغ ال 137 في المئة. إنطلاقا من هذين المعطيين، أعتقد أنه بالعودة إلى الالتزام التام بمضامين اتفاق فيينا، من خلال تقليص حجوم التخفيض الاختياري للعديد من الدول التي لم تنتج بطاقة سقف التخفيض الذي تمّ إقراره في الاتفاق التاريخي للجزائر، هذا سيقودنا إلى زيادات مشروعة وفي نفس مضامين ومنظور مقررات الاتفاق الساري، هذه الزيادات ستكون بين 600 ألف و1,1 مليون برميل. من منظور هذا التدقيق الواقعي، نلمس الآن ليونة في الموقف الإيراني الداعي بالعودة إلى الالتزام الصارم بمخرجات الاتفاق، والسماح بالزيادات لردم الفجوة التي خلقتها التخفيضات الطوعية (فقد صرح وزير النفط الإيراني أنه يتعين على أعضاء أوبك الذين خفضوا الإنتاج في الأشهر الماضية بكميات أكبر كثيرا من المستويات المتفق عليها العودة للالتزام بتلك المستويات)، كما نجد أن لجنة المتابعة الوزارية ل (أوبك +) قد أوصت بالنظر في زيادة إنتاج النفط في حدود مليون برميل في اليوم، وهو ما يتوافق مع إطار اتفاق فيينا. وعلى هذا الأساس أنا في منظوري الخاص أن الزيادات التي سيتم التوافق حولها لن تخدش الاتفاق الإطار الساري إلى غاية نهاية هذه السنة، كما أنه يدخل ضمن المخرجات المنتظرة من عمل لجنة المتابعة الخماسية التي تضم في عضويتها الجزائر، والتي تمّ إقرارها في لقاء الجزائر (سبتمبر 2016) والتي كلفت بمهمة مراقبة تطورات الأسواق النفطية، واقتراح الآليات الملائمة الكفيلة بالتعامل مع متغيرات السوق بما يحقق مصلحة الدول المنتجة والمستهلكة ويعزز النمو الاقتصادي العالمي على نحو سليم ويسرع من وتيرة الوصول إلى حالة توازن السوق، ولذلك أعتقد أن مراجعات لقاء اليوم هي من صميم الاتفاق التاريخي الساري، وبقاء عمل لجنة المتابعة الخماسية هو الضامن لمباشرة تعديلات ضرورة لاحقة في حالة اختلال التوازن من جديد، لذلك أعتقد أن قوة أوبك وشركائها حاليا تكمن في روح التوافق واستمراره، وفي الالتزام المشهود به، وفي بقائها حيوية تستجيب لمتغيرات الراهن الدولي وتوجهات الأسوق، فخروج أوبك من حالة الجمود ومن وضعيات الاستقطاب الحادة بين أعضائها هو ما أعطى هذا الزخم لسعر برميل النفط وأسواق الخام عموماا لذلك أنا أتفاجأ من حالة التضخيم والتهويل التي تطبع التحليلات المتداولة بخصوص المستقبل السودوي لاتفاق "أوبك +" والتهويل من الخلافات، بل الترويج لإمكانية التحلل نهائيا من الاتفاق، أنا في اعتقادي أنه لحدّ اللحظة الأمور تسير ضمن "روح هذا الاتفاق"، وتبقى التصريحات والتناقضات في المواقف من قبيل المباح والمتاح في السياسات الدولية. كيف تقيِّم الوضع بعد هذا اللقاء؟ وماهي مستويات أسعار برميل النفط التي تتوقعونها مستقبلا؟ من جهة مبدئية، أعتقد ببقاء الاتفاق القائم صالحا وجيدا، والذي سيسمح باستقرار نسبي لأسعار النفط في نطاق ال 70 دولارا للبرميل حتى نهاية هذا العام، شريطة عدم تطور تداعيات الحرب التجارية التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد كبريات الاقتصاديات العالمية، وكذلك انتصار الضمير الأوروبي لمبادئ العلاقات الدولية القائمة على الاحترام والالتزام وتقاسم الأدوار وعدم الابتزاز، فأي تقاعس من الجانب الأوروبي لن يخدمه ككيان، ولن يخدم مستقبل النظام الدولي، ولن يخدم اقتصادياتها، فالخطر المحدق يكمن هنا وليس متأتيا من خيارات (أوبك +) لذلك أعتقد أن الرهانات أمام أوبك وشركائها كبيرة، والتحديات ستتزايد مستقبلا، وقوة تأثير أوبك تكمن في تطوير منظورها من خلال تعزيز روح التوافق، وتعضيد الالتزام، مع بناء إطار شراكة استراتيجية موسعة تحقق الحاجة إلى أوضاع صحية في السوق تحفز استثمارات كافية في قطاع الطاقة وتستهدف ضمان إمدادات مستقرة وكافية من النفط لتلبية الطلب المتنامي وتعويض أي انخفاضات في بعض أرجاء العالم، ولدعم نمو الاقتصاد العالمي وضرورة المحافظة على توازن الأسواق. كما أن أوبك مدعوة للذهاب إلى توسعة عضويتها لأعضاء جدد واستقطاب صغار المنتجين، مع تنويع نشاطاتها من خلال إدراج الغاز والصناعات البتروكيميائية ضمن نشاطاتها المستقبلية. ما هو تأثير مستويات هذه الأسعار على أرصدة الميزانية والتوازنات الخارجية؟ وما العواقب المحتملة على السياسة الاقتصادية للحكومة؟ في قانون المالية لهذه السنة تمّ اعتماد 55 دولارا للبرميل كسعر مرجعي من شأنه أن يوازن الميزانية هذا العام، لكن الحقيقة تقول بأننا بحاجة إلى برميل النفط عند مستوى ال 70 دولارا لموازنة ميزانيتنا، خاصة ونحن نعرف كيف قررت الحكومة تمويل العجز الضخم في الميزانية من خلال التمويل غير التقليدي بقيمة تعادل حوالي ال 15 مليار دولار، وسعر برميل النفط عند ال 70 دولارًا يمكن أن يقلل العجز في الميزان التجاري خصوصا، وحتى مفهوم "سعر برميل النفط المرجعي لتحقيق التوازن المالي" هي واحدة من المسائل التي تتميز بالضبابية وعدم الوضوح في تناول الملف المالي لتمويل اقتصادنا، فالقراءة المتفحصة لسيرورة النقطة المالية لسعر برميل النفط الضروري لتمويل نفقات ميزانية الدولة ولتحقيق "توازن الميزانية" خلال العشر (10) سنوات الأخيرة، نجده كان عند ال 60 دولارا في عام 2007، ليتضاعف خلال الثلاث السنوات التالية، قبل أن يتجاوز مستوى ال 140 دولار في عام 2012 في سياق "حمى الإنفاق" التي اجتاحت البلد. وفي سنة 2014 كنا أمام إقرار حقيقي من قبل بنك الجزائر بأننا بحاجة ماسة إلى سعر برميل نفط أعلى من 112 دولار لتحقيق التوازن، لكن مع إجراءات الضبط المعتمدة والمراجعات التي تمّت مباشرتها تراجعت نقطة التوازن المطلوب إلى مستوى ال 75 دولارا للبرميل، لنكون هذه السنة أمام توازن حذر يتطلب أسعار برميل نفط بمتوسط ال 70 دولارا للبرميل.