الجزائر غنية بعلمائها وليست بحاجة إلى وصاية الدخيل على المرجعية نشاز موجة الإلحاد والتشكيك في الثوابت تضرب الجزائر عبر أبواق مأجورة حاورته: نصيرة سيد علي / تصوير : مصعب رويبي حذر الباحث والخبير في الشأن الديني يوسف مشرية خلال حديثه ل "الحوار" من الأفكار الغريبة التي حملتها التيارات الدخيلة التي تهدد المرجعية الدينية للشعب الجزائري، كما تناول مشرية موضوع تحول فكر الفراكسة من الوعظ والإرشاد إلى الانسياق وراء أمور أخرى لا تحمد عقباها. هذا وتحدث ضيف "الحوار" عن ظاهرة الألبسة الممزقة التي يتباهى بها شبابنا في الشوارع، وعن ما يروج لمشروع إسقاط مواد الهوية العربية والتربية الإسلامية من قائمة المواد الممتحنة في شهادة البكالوريا في حال تقليص عدد أيامها الموسم المقبل ومسائل أخرى نتابع فصولها مع يوسف مشرية. * ما تقييمك للرسائل الشهرية التي يخرج بها الشيخ علي فركوس ؟ – فضيلة الشيخ الدكتور محمد علي فركوس هو أستاذ جامعي عرفناه في سنوات التسعينات مدرسا بالجامعة مهتما بإحياء التراث العلمي الإسلامي المغاربي الجزائري والأندلسي عموما وخاصة محققا لتراث جمعية العلماء المسلمين وخاصة رئيسها الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس، وكان الشيخ فركوس في أيام العشرية السوداء ملتفا حوله الطلبة بالجامعة والجامع، ناصحا لهم بتجنب فتن الجماعات التكفيرية الإرهابية ويحثهم على الاهتمام بالعلم والتحصيل والبعد عن الحزبيات الضيقة والتعصب والغلو بكل أشكاله، بل وكان محذرا من مناهج التصنيف والتضليل والإقصاء عموما، فكانت حلقاته العلمية في شرح مبادئ الأصول لابن باديس أو شرح روضة الناضر لابن قدامة أو القواعد الفقهية عامرة بطلبة العلم في جو إيماني أخوي علمي، وبعيدة عن منهج الغلو والتكفير والتبديع والتصنيف، فهذا هو الشيخ فركوس الذي عرفناه أيام الجامعة وبعدها حدث ما حدث. * كيف ذلك ؟ – لكن للأسف الشديد قبيل السنوات الأخيرة صرنا نسمع ونرى ونشاهد انتشار مظاهر معلنة في بعض الوسائط لتيار غريب دخيل يتميز بقوة الاختراق لمنهج دعوة الإصلاحيين السلفيين المعتدلين في الجزائر وأسقط الكثير من الرموز المعتدلين وتمكن في غسل الكثير من الأتباع وانحرف بهم إلى ما لا يحمد عقباه فأدخل أتباع هذه الدعوة في فتن ومتاهات منهج الإقصاء من التجريح والتشهير المتواصل فكانت النتيجة عواقب غير محمودة، مما جعل الكثير من المهتمين في دوائر القرار يتوجس خيفة من تنامي وصعود تيار الصقور في هذا التيار خاصة بعد فتنة الربيع العربي وما نجم عنها من انتشار الفوضى الخلاقة وبروز من جديد تيار التكفير والتفجير والإرهاب المتمثل في داعش، خاصة ما يحدث في ليبيا وهو بلد حدودي مع الجزائر واليمن وإقحام أتباع هذا التيار الدخيل في مليشيات مسلحة تقاتل باسم الانتصار للسنة ومحاربة أهل البدع، فما عشناه في العشرية السوداء حتم على الدولة أن لا تتسامح مع أي كان في المساس بالأمن والاستقرار وزرع الفتن والتشويش على النسق الاجتماعي وخاصة أن الأممالمتحدة والمجتمع الدولي تبنت مقاربة الجزائر التي انطلقت تحت شعار (العيش معا بسلام)، فالجزائر قوية بعلمائها ومشايخها ودعاتها على اختلاف وتنوع مدارسهم الفكرية المتناغمة ولا تحتاج أي وصاية لا من الشرق ولا من الغرب. – النقابة الوطنية للأئمة تلوح بإضراب عام في الأفق ؟ – من التميز والسبق للمنظومة الدينية في الجزائر أنها تنفرد بخصائص دون غيرها في العالم العربي والإسلامي فرتبة الإمام في الجزائر هي وظيفة تابعة للدولة ولها جميع الحقوق دون غيرها من دول العالم الذي يكتفي بإعطاء المنح فقط للإمام ويشتغل بالتعاقد فقط، وبما أن الإمام في الجزائر هو موظف له كامل الحقوق الوظيفية فإن القانون يكفل له ويخول له تأسيس نقابات للعمل والانخراط في أخرى خاصة بالقطاع، وهذه من المفارقات التي يتميز بها القطاع في الجزائر، وهذه النقابات هي شريك اجتماعي مهم يحتاج المرافقة لأن هذا من الديمقراطية التشاركية التي نسعى للتأسيس لها في المجتمع. * ظهرت في الساحة الجزائرية ألبسة ممزقة يرتديها الشباب في الشوارع وفي الحرم الجامعي والمعاهد، لما لم تتحرك وزارة الشؤون الدينية وتضع حدا لهذه المهزلة؟ – إن الفضاء المسؤولة عنه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف هي المساجد ودور العبادة والمدارس القرآنية وخاصة الجانب النسوي والشباني، فمهمة الأئمة هو التوجيه والإرشاد للفضيلة والبعد عن السلوكيات التي تخدش الحياة في المجتمع، ضف إلى ذلك فإن الأئمة والدعاة يرافقون الكثير من الطلبة في جامعاتهم وأحيائهم الجامعية بالتعاون مع المنظمات الطلابية لتنشيط وتفعيل أيام دراسية ومنتديات فكرية ومحاضرات علمية ترافق الطالب الجامعي للحفاظ على هويته وتنأى به عن التيارات التغريبية والإلحادية أحيانا، خاصة وأن عقلية الطالب الجامعي هي عقلية متحررة تحتاج إلى مرافقة من أساتذة وموجهين يملكون الصبر والكفاءة العلمية الدينية، فحملات الحوار والعمل الجواري والإعلامي وعبر التواصل الاجتماعي كفيل بأن يحد من مثل هذه المظاهر الغريبة ولا تتعجبون إن قلت لكم إن الفضاءات الجامعية أصبحت محضنا للكثير من النوادي التغريبية وفي بعضها تنتمي لنوادي عبدة الشيطان. * كثر الحديث حول الأمن الروحي في الجزائر وتهديد المرجعية الدينية للشعب الجزائري، وسط هذا السيل من الأفكار الغريبة الدخيلة على الشأن الديني ؟ – لا يخفى على الجميع أن الأمن هو نعمة وقيمة مطلقة لا يدرك كنهها وقيمتها وقدرها إلا من فقدها، فالأمن الفكري هو ثقافة لابد أن ترسخ في عقول الأجيال والناشئة ويكون مشروع مجتمع مبني على عقلية لابد أن يلمسها ويعيشها الجزائري، وهي عقلية الحوار وقبول الآخر والمحبة والتعايش والسلم والأمان فهذه القيم والمبادئ هي أصول المرجعية الروحية والدينية للجزائر منذ قرون، والدخيل على المرجعية هو نشاز لا يعدو أن يعمر كثيرا ثم ينجلي. فأعتقد أن تجفيف منابع التطرف بكل أشكاله يحتاج خطة وطنية مدروسة يساهم بها خبراء مختصون في الشأن لتحصين المجتمع من كل دخيل عنيف غير متسامح يريد زعزعة النسق الاجتماعي وتركه بلا هوية. * نجد من جهة مقابلة وزارة التربية الوطنية تنادي بتطبيق أخطر مشروع ينتظر تطبيقه على المدرسة الجزائرية وهي المساس بمواد الهوية "العربية والتربية الإسلامية" من خلال إسقاطهما من قائمة المواد الممتحنة، ما موقف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف حول المسألة؟ – أعتقد أن دائرتنا الوزارية هي شريكة لأختها بوزارة التربية في مجال التخصص والمساهمة في وضع البرامج في مجال العلوم الإسلامية، ولا أعلم أن هناك عاقلا ينادي بهذا الذي يروج ويشاع في شبكات التواصل الاجتماعي من حظر تدريس مادة التربية الإسلامية أو حذف مادة العلوم الإسلامية في شهادة البكالوريا، فالتربية الإسلامية في جميع الأطوار هي من أصول وأسس عقيدة المجتمع وتدريسها واجب ديني ووطني، لكن لابد من كفاءات متخصصة لتدريس هذه المادة الحساسة وكذا اختيار البرامج المناسبة والمتلائمة لكل طور تعليمي..وهذا يحتاج لإصلاح حقيقي من الجهة الوصية. * في إحدى لقاءاتك الإعلامية قلت إن هناك من يروج للفكر الإلحادي وتفكيك الوحدة المجتمعية للجزائر، على ماذا اعتمدت في حكمك ؟ – قبل أيام قلائل تلقيت طلب صداقة عبر صفحتي الرسمية للفايسبوك وألح عليّ صاحبها في طلب قبول الصداقة وبعدها طلب مني صاحب الصفحة هاتفي الخاص ليستشيرني في قضايا دينية وفقهية، وبعدها أفاجأ بشاب ثلاثيني يلقي عليّ وابلا من التساؤلات التي تشكك في كل شيء وحتى في الأصول والمعلوم بالدين من الضرورة يعلن شكه وإلحاده وفك ارتباطه من التدين الذي دام أكثر من عقدين من الزمن، والمحير في المسألة أنه شاب قريب من أحد زعماء قادة العمل الإسلامي في الجزائر، فموجة الإلحاد والتشكيك في الثوابت هي استراتيجية تنتهجها مختبرات عالمية جد محترفة وذكية تخطط لنشر الإلحاد وتمهد له عبر أبواق مأجورة، ولاغرابة في ذلك، فبعد موجة جماعات الموت الإرهابية التي استعملت الأفكار الأيديولوجية الدينية مثل الجماعات الإسلامية الإرهابية في الجزائر أو القاعدة وداعش وبوكوحرام وعموم استغلال الدين لأغراض حزبية وسياسية تكون النتيجة حتمية هي الانفلات وفك الارتباط من الأصول. فماذا تنتظر من شباب يقضي عشرات الساعات في شبكات التواصل الاجتماعي يتفاعل معها بدون ميزان ولا مناعة. إن ما جرى ويجري في العالم العربي والإسلامي من فتن وحروب باسم الدين والطائفية وتسخير منابر المسلمين ومقدساتهم للترويج لها وإسقاط الرموز والعدول وتشجيع الدوائر الضيقة لحري بهؤلاء أن يجدوا البديل الآمن في غيرهم وأنا أشارك سنويا في مؤتمرات إقليمية ودولية وأستمع للتقارير من مراكز البحوث العالمية فكلها تتجه نحو مقاربة توسع موجة الإلحاد العلماني الجديد والبعد عن التدين التقليدي، بل بعض الدوائر النافذة في العراق مثلا طالبت بمنع تدريس التربية الإسلامية في المدارس واستبدالها بمادة القيم والأخلاق الإنسانية لأن في نظرهم سبب التحاق الشباب العراقي بتنظيم داعش والقاعدة يرجع إلى تدينه وقابليته للدعشنة. الحلقة الثالثة يتبع