قدم الخبراء في الشؤون الاقتصادية والقانونية في حديثهم مع “الحوار” جملة من الاقتراحات حول الآليات الاقتصادية والقانونية الواجب انتهاجها لتمكين استمرارية المؤسسات الاقتصادية المملوكة لرجال أعمال متورطين في ملفات فساد لتفادي الانفجار الاجتماعي المحتمل، بعد تعرض عمال تلك الهيئات إلى أزمة مالية خانقة، ومنهم مهددون بغلق مؤسساتهم التي يسترزقون منها، فما مستقبل المؤسسات الاقتصادية والإعلامية والخدماتية التي تعيش صعوبات ظرفية في نظر رجال القانون والاقتصاد والمال؟؟؟ توقف المؤسسات الاقتصادية عن العمل أمر غير مقبول وفي تصريحه ل”الحوار” حول الآليات القانونية الواجب انتهاجها من أجل استمرار المؤسسات الاقتصادية المملوكة لرجال أعمال هم الآن قيد الحبس المؤقت في نشاطاتها بصفة عادية، اقترح المحامي ورئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان سابقا، فاروق قسنطيني على جهاز العدالة تعيين حارس قضائي على المؤسسات المعنية، من أجل مواصلة تسيير عملها بشكل عادي، وحتى لا يلحقها وعمالها الضرر، وتستمر في نشاطها بشكل عادي.
شخصية المؤسسة الاقتصادية مستقلة عن مالكها من جهته، أوضح الحقوقي عمر خبابة، في حديثه ل “الحوار”، أن المؤسسة أو الشركة التي تتمتع من الناحية القانونية بالشخصية المعنوية مستقلة في منظور القانون عن شخصية مالكها، فالشركة تربطها علاقات مع عديد الأطراف على غرار شركة التأمين، ومقيدة في السجل التجاري، وتخضع لإدارة الضرائب، وتربطها مصلحة مع صندوق التقاعد، ويخول لها القانون مزاولة نشاطها التجاري وفق تنظيم قانوني محكم، ولها واجبات وتبرم اتفاقيات جماعية… وغيرها من الارتباطات والالتزامات التي تقع على الشركة، مما أكسبها كيانا مستقلا عن صاحبها، ما يبين من الناحية القانونية أنه لا يمكن في حال من الأحوال سواء في حالة وفاة المالك أو إحالته على السجن ومتابعته قضائيا لا يحق أن يتوقف نشاطها، أو يسرح عمالها، وفق جملة من النصوص القانونية التي تمنع وقف النشاط، بل يتعين على جهاز العدالة يقول خبابة تعيين حارس قضائي لمباشرة عمل المؤسسة الذي يكون ملف مالكها على مستوى العدالة وحتى لا تتأثر بما حدث لمؤسسها، حتى وإن حدث وأن تأثرت هذه الشركة من الجانب المالي جراء غياب صاحبها للسبب ذاته ففي هذه الحالة يضيف الخبير في الشؤون القانونية عمر خبابة المسألة يجب أن تسوى وتنظم قانونا.
ترقبوا تنظيما محكما سيخرج الجزائر من الأزمة قريبا وفي الإطار نفسه، أكد الخبير الاقتصادي الدولي والمستشار السابق بالأمم المتحدة عبد المالك سراي في تصريحه ل “الحوار” أنه ضد غلق المؤسسات الاقتصادية التي يقبع أصحابها في السجون بتهم تورطهم في ملفات فساد، داعيا إلى عدم تكرار سيناريو الخليفة بنك على مصير عمال الشركات الاقتصادية التابعة لأشخاص متبوعين قضائيا، ومنهم من أودع الحبس المؤقت، بل يجب على العدالة فرض الرقابة على نشاط الهيئة المعنية من خلال تعيين خبراء في المالية وفي الشأن الاقتصادي، بما يسمح بتسييرها لمواصلة إنتاجها ودفع أجور العمال والقيام بما لها وما عليها من الالتزامات تجاه الأطراف المتعاقدة معها، لأن وقف عمل أو نشاط الشركات المعنية في الحقيقة يقول سراي ينجر عنها ضرر للخزينة العمومية، لذا ومن أجل إيجاد حل شامل للأزمة التي تتخبط فيها الجزائر، كشف سراي عن ندوة علمية يديرها خبراء في جميع التخصصات وتضم مختلف القوى الفاعلة في المعاهد والجامعات البالغ عددها 57 قطبا جامعيا للخروج بلائحة تشمل أفكارا واقتراحات سيتم طرحها على جهاز العدالة للعمل بها، مشيرا أن هذا التنظيم سيتم الإعلان عنه خلال الأيام القليلة القادمة، والذي من شأنه إخراج الجزائر من محنتها دون إحداث أي ضرر.
لا يؤخذ العامل بجريرة المالك… من جانبه، قال الخبير الاقتصادي بوزيان مهماه، في حديثه ل “الحوار” “منذ بداية بوادر هذه الأزمة، وأنا أرافع لصالح الحفاظ على مختلف مؤسسات النشاط الاقتصادي والإعلامي والحفاظ عليها بأنشطتها وخدماتها وطواقمها وموظفيها، والمسؤولية ملقاة عل دائرتين يعنيها الأمر مباشرة ومسؤولة على مآلات الوضع بالنسبة للمؤسسات القائمة والعاملة، فالدائرة الأولى والتي تخص السلطات المخولة ومقرري سياساتها العمومية، والتي تقع عليها مسؤوليات تعزيز المنظومة الاقتصادية، ومرافقة مؤسساتها، والعناية بوضع المنتمين إليها مع حماية مناصب العمل القائمة، بل التدخل للحفاظ على الوظائف في هذه القطاعات محلّ صعوبات مرتبطة بالانتقال الديمقراطي والتصحيحات السياسية الهيكلية، وأن لا يؤخذ العامل بجريرة المالك للرأس المال المادي المستثمر في المؤسسة، لأنه في الجوهر يوجد رأس مال بشري ينبغي المحافظة عليه وتثمينه. لذلك أرى أنه يتوجب على من يتولى سلطة تسيير البلد في هذه المرحلة القيام بتعيين مسير إداري مؤهل ليتكفل بالإشراف على ضمان السير الحسن لأية مؤسسة يكون مالك رأس مالها عرضة للمتابعة القضائية وضمان استمرار أدائها لوظيفتها التي أنشئت لأجلها وحماية نشاطها، وبعيدا عن أية أحكام مسبقة عن وضع المالكين أو مستقبلهم، وبعيدا كذلك عن أي تدخل في عمل العدالة أو التعليق عليه، فإنه بإمكان السلطات المخولة إجراء ﺘﻘﻴﻴم لأﺼول اﻟﻤؤﺴﺴﺔ والقيام بأعمال خبرة حول وضعها وأدائها المالي، وهذا ضروري، حتى إذا ما صدر مستقبلا أي حكم قضائي يتوجب استرجاع أموال لصالح الدولة، تكون السلطات المخولة أمام إمكانية استرجاع هذه الأموال المستحقة لصالح البنوك مثلا على شكل أسهم مدرجة في أصول هذه المؤسسات، وبالتالي تتحول هذه المؤسسات إلى نمط جديد من الملكية والتسيير المبني على شراكة بين القطاع العام والخاص، وقد تكون حينئذ هذه الأسهم المستحقة للقطاع العام كممثل للدولة جزئية أو قد تصير كلية، إذا كانت قيمة المسترجع تماثل قيمة أصول المؤسسة كلية. أعتقد أنني هنا بصدد طرح توليفة جديدة علينا في الفضاء الاقتصادي الوطني، والمتمثلة في قلب معادلة “فتح رأس مال بعض المؤسسات” بالانتقال من مطلب “فتح رأس مال بعض المؤسسات العمومية الاقتصادية للقطاع الخاص” إلى معالجة ظرفية جديدة تقضي ب “فتح رأس مال بعض من مؤسسات رجال الأعمال الخاصة لصالح المؤسسات العمومية المالية والاقتصادية”.
على منتدى المؤسسات تحمل المسؤولية وفيما يتعلق بمنظمات أرباب العمل ومنتدى رجال الأعمال، أكد مهماه أن هذا المجمع لرجال المال والأعمال، هو اليوم أمام محك مسؤولية لا يمكنها التحلل منها بكل بساطة أو القفز عليها، فهو أمام أجزاء من كيانها الحيوي معرضة للبتر في أية لحظة.. لذلك يقع على كاهلها واجب تحمل مسؤولياتها في تصحيح المسار وإعادة بناء الثقة في القطاع الخاص الذي يتعين عليه أن يبرهن أنه قاطرة لإقتصاد السوق والاقتصاد الحر المنفتح وليس العكس، وتأكيد ذلك علنا للرأي العام من خلال “خارطة إنقاذ اقتصادية” لكل مؤسسة ستمسها تصحيحات مالية بأحكام قضائية، وأن تعلن المجموعة الوطنية عن رؤيتها حول كيفيات الحفاظ على مناصب الشغل وعلى الأداء الاقتصادي بخصوص مؤسسات رجال الأعمال ممن يمكن أن تثبت في حقهم تهم الفساد، وأيضا وضع تصور لنشاطها المستقبلي ووضعها المالي، تصور عملي قابل للتجسيد وطرحه بشكل مستعجل أمام الرأي العام، لأن هذا الأمر يعنينا جميعا كجزائريين، وليس طرحا مخصوصا ينبغي الإبقاء عليه في دائرة الصالونات المغلقة لمنظمات أرباب العمل ومنتدى رجال الأعمال.
لا يجوز غلق مؤسسة تقدم خدمة عمومية وفي السياق، اعتبر الخبير المالي الأستاذ فرحات آيت علي، غلق أو تعطيل مصالح المؤسسات الاقتصادية المملوكة لرجال أعمال متورطين في ملفات فساد، والمودعين رهن الحبس المؤقت، بالخاطئ، وقال رغم التجاوزات التي قام بها المتعاملون الاقتصاديون المعنيون بقضايا الفساد، إلا أن نشاطهم يندرج ضمن تقديم الخدمة العمومية، وتضم عمالا يجب أن تراعى حقوقهم، داعيا إلى إعادة النظر في مسألة تسيير هذه الهيئات التي تم توقيف مالكيها وعدم الرمي بالمؤسسة إلى المجهول، مؤكدا في تصريحه ل”الحوار” أن رجال الأعمال المتورطين هم فقط واجهة لنظام فاسد الذين استغلوهم للاغتراف من المال العام لتنتفع به المنظومة الحاكمة التي سهلت عليهم السبل وعبدت لهم الطريق نحو الخزينة العمومية بكل سهولة، لذا فمسألة تأميم نشاطهم التجاري والخدماتي ليس قانونيا كون الرأسمال الذي تم تأسيس هذه المجمعات منه مختلط بين أموال المالك الحقيقي والمال المدعم من قبل نظام العصابة، ما يؤكد مرة أخرى عدم غلق الهيئات التي تعود إلى هؤلاء المستغلين اقتصاديا بل تركها تواصل نشاطها وعدم عرقلة مسار عمالها. وقال آيت علي يجب أن يلقى السياسيون الموقوفون والقابعون في سجن البليدة العسكري نصيبهم من العقاب خاصة وأنهم من أوصلوا البلاد إلى هذا المأزق، من خلال استغلال مناصبهم ونفوذهم في فرض منطقهم المستمد من أمهم فرنسا، وتمويلهم لأحزاب سياسية بطرق غير قانونية لتسير في فلكها، وقال آيت علي أرجو من العدالة الجزائرية محاسبة هؤلاء الذين أغرقوا الجزائر في بحر من الأزمات، وتضييق العيش على الشعب الجزائري بكل الوسائل بإيعاز من الأجانب لضرب الجزائر في الصميم. نصيرة سيد علي