سنة 2019، لم تكن كغيرها من السنوات السابقة، فقد عاش الجزائريون أحداثا جد مثيرة ومتسارعة غيرت المسار السياسي للبلاد.. فبعد انطلاق شرارة المد الشعبي السلمي المطالب بالتغيير يوم 22 فيفري والذي تواصل سلميا لعدة أشهر..إسقاط العهدة الخامسة للرئيس وإعلان استقالته فيما بعد، ثم فتح ملفات الفساد وإيداع وزراء ورجال أعمال كما اصطلح على تسميتهم “العصابة” رهن الحبس المؤقت..وصولا إلى انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية. لعل أبرز حدث عاشه الجزائريون خلال سنة 2019 هو أول جمعة أو أول شرارة للحراك الشعبي السلمي بتاريخ 22 فيفري المطالب بالتغيير، لتتوسع رقعة المظاهرات السلمية الرافضة لترشح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، تبعتها بعد ذلك عدة أحداث متسلسلة جد مثيرة غيرت مسار البلاد. رضا ملاح
تجمع القاعة البيضاوية بالعودة للأحداث السياسية التي ميزت سنة غير عادية لا يمكن إغفال التجمع الضخم الذي نظمه حزب جبهة التحرير الوطني وشاركت فيه أحزاب موالية وجمعيات وممثلي المجتمع المدني، بالقاعة البيضاوية بالعاصمة، لإعلان دعهم لترشح الرئيس السابق بوتفليقة لعهدة خامسة، وهو التجمع الذي خلف موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي والتصق بالحاضرين والمشاركين في التجمع وصف “الكاشير”. انطلاق شرارة حراك 22 مباشرة بعد التجمع الضخم المنظم في القاعة البيضاوية، أطلق جزائريون دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، للتظاهر سلميا تعبيرا منهم لرفض ترشح الرئيس عهدة خامسة، وهو ما حدث فعلا، إذ خرج الآلاف منهم في أول جمعة بالولايات والمدن الكبرى، كالعاصمة، سطيف، وهران وقسنطينة، وعلى الرغم من معارضة الرافضين لهذه الدعوات بمحاولة إسقاطها والترويج لسيناريو الفوضى وتحول الجزائر إلى مثل ما حدث في دول الربيع العربي كسوريا، إلا أن ذلك لم ينجح وتوسعت المظاهرات لتشمل تقريبا جميع ولايات الوطن وبلغ عدد المتظاهرين سلميا الملايين. الجيش ينحاز لصف الشعب ويطالب الرئيس بالتنحي .. وبعد مرور 06 أسابيع من الحراك الشعبي السلمي، طالب رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتنحي عن الحكم، اذ قال الراحل أحمد قايد صالح، في خطاب نشرته وزارة الدفاع، “لقد سبق لي في كثير من المرات أن تعهدت أمام الله والوطن والشعب، ولن أمل أبدا من التذكير بذلك والتأكيد على أن الجيش الوطني الشعبي، بصفته جيشاً عصرياً ومتطوراً قادر على أداء مهامه بكل احترافية ..” وأكد أنه “يتعين بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، وهو الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، حل من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع ويكون مقبولاً من الأطراف كافة، وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102”. الرئيس يستجيب لدعوة الجيش ويستقيل تواصلت الأحداث بصفة مثيرة ومتسارعة، وصار الجزائريون يعيشون كل يوم على أعصابهم لمتابعة آخر التطورات والمستجدات المتعلقة بالوضع السياسي الذي تعيشه البلاد، خصوصا بعد أن اشتد “عود” الحراك الشعبي من أسبوع لأخر، فبتاريخ 31 مارس، أي ثلاثة أيام بعد مطالبته بالتنحي من قبل رئيس قيادة الأركان، أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، استقالته من منصبه، قبل انتهاء عهدته الرئاسية، حيث أخطر، رسميا، رئيس المجلس الدستوري بقرار إنهاء عهدته، وكان قد أعلن قبل ذلك حين إجرائه، تعديلا حكوميا، إصدار قرارات مهمة طبقا للأحكام الدستورية، قصد ضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة أثناء الفترة الانتقالية التي ستنطلق اعتبارا من التاريخ الذي سيقرر فيه الاستقالة. تولي بن صالح منصب رئيس الدولة وفور استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من منصبه قبل نهاية عهدته الرئاسية، تولى عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة، مهمة رئيس الدولة طبقا لاحكام المادة 102 من الدستور، ليباشر بعدها مهامه كرئيس للدولة لمدة أقصاها 90 يوما يتم خلالها تنظيم انتخابات رئاسية، حيث كان البرلمان المجتمع بغرفتيه (مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني) قد عين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة لمدة 90 يوما طبقا لأحكام المادة 102 من الدستور، وتم عرض التقرير المخصص لأخذ العلم بتصريح المجلس الدستوري المتعلق بالشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وتفعيل المادة 102 من الدستور من أجل التصويت والمصادقة عليه من طرف البرلمان. إلغاء انتخابات 04 جويلية.. وتوالت الأحداث خلال مطلع شهر جوان، حيث أعلن المجلس الدستوري استحالة إجراء الانتخابات بتاريخ 04 جويلية، وحظي بترحيب من قبل الطبقة السياسية بمختلف أطيافها والتي رأت في هذا القرار “تتويجا” للتعبئة الشعبية المتواصلة منذ أزيد من ثلاثة أشهر و”انتصارا آخر في طريق تغيير النظام”، لجنة كريم يونس ..وميلاد سلطة شرفي في منتصف شهر جويلية، شكلت ما عرف بلجنة الوساطة والحوار برئاسة كريم يونس، والتي خاضت بين مختلف أطياف الطبقة السياسية وفعاليات المجتمع المدني محاور الأزمة التي تعيشها البلاد، وخلصت، بعد أسابيع، الى استحداث سلطة وطنية مستقلة لتنظيم لانتخابات وهو ما ترجم في تقريرها النهائي، قصد إيجاد مخرج توافقي للأزمة التي تمر بها البلاد منذ أشهر، حيث طرحت الأحزاب السياسية والفعاليات المدنية التي تبنت خيار الحوار مبادراتها لتجاوز الوضع المتأزم والتي صبت في أغلبيتها في خانة ضرورة إنشاء سلطة وطنية مستقلة للانتخابات وإعادة النظر في القانون العضوي المتعلق بتنظيم الانتخابات، حيث تضمن التقرير الذي سلم لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح مشروعين تمهيدين لقانونين عضويين متعلقين بالمسألتين. الإعلان عن انتخابات 12 ديسمبر في خطاب وجهه للجزائريين، أعلن رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، يوم 12 ديسمبر القادم موعدا للانتخابات الرئاسية، وأكد أنه في "إطار صلاحياته الدستورية المُخولة له تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية بيوم الخميس 12 ديسمبر 2019 "، مؤكدا أنه "آن الأوان اليوم ليُغلّب الجميع المصلحة العليا للأمة على كل الاعتبارات، كونها تعد القاسم المشترك بيننا, لأن الأمر يتعلق بمستقبل بلادنا ومستقبل أبنائنا"، وأضاف أنه "تطبيقا للأحكام الدستورية والتشريعية المرعية"، قام يوم (الأحد) بالتوقيع على مرسوم رئاسي الخاص بدعوة الهيئة الناخبة. ودعا رئيس الدولة، وقتها، إلى "التجند لجعل هذا الموعد نقطة انطلاق لمسار تجديد دولتنا، والعمل جماعيا وبقوة لأجل إنجاح هذا الاستحقاق كونه سيمكِن شعبنا من انتخاب رئيس جديد يتمتع بكامل شروط الشرعية، رئيس يأخذ على عاتقه قيادة مصير البلاد وترجمة تطلعات شعبنا". 13 ديسمبر .. تبون رئيسا للبلاد وبهذا التاريخ، أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الجزائرية، محمد شرفي عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية، التي أفرزت المترشح الحر عبد المجيد تبون، رئيسا للجمهورية بحصوله على 58.15 بالمئة من الأصوات، في الانتخابات التي بلغت نسبة التصويت فيها داخل وخارج الجزائر 39.83 بالمئة، فيما حل مرشح “حركة البناء الوطني” عبد القادر بن قرينة بنسبة 17.38 بالمئة، وكانت المرتبة الثالثة من نصيب مرشح حزب “طلائع الحريات”، علي بن فليس بنسبة 10.55 بالمئة، متبوعا بمرشح “التجمع الوطني الديمقراطي”، عز الدين ميهوبي ب 7.26 بالمئة، وأخيرا مرشح “جبهة المستقبل”، عبد العزيز بلعيد، بنسبة بلغت 6.66 بالمئة. وفاة رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح 23 ديسمبر الماضي، كانت صبيحة غير عادية، حيث استيقظ الجزائريون على خبر الوفاة “المفاجئ” لرئيس قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق المجاهد أحمد قايد صالح، الذي حظي بجنازة رسمية وشعبية شارك فيها آلاف الجزائريين، قدموا من كل ربوع الوطن لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان بقصر الشعب والمشاركة في تشييع جنازته بمقبر العالية بمربع الشهداء.