عالم ما بعد كورونا صدمة القيم .. وعالم متعدد الاقطاب بقلم :د/ ساعد ساعد مقدمة يبدو انه من السابق لأوانه الحديث عن توقعات جازمة لمرحلة عالم ما بعد كورنا خاصة في معالم التغيرات الاستراتيجية الكبرى ، ولكن يسمح بالحديث عن مؤشرات محتملة وذلك للاعتبارات التالية 1- حركة انتشار فيروس كوفيدا 19مزالت لم تتوقف وان تباينت الاعداد من دولة الى لأخرى 2- ردة فعل الدول العظمي والفقيرة مازالت تحت الصدمة من الوباء. 3- لازلت المخابر الطبية تراوح مكانها خاصة وان البرتوكول الطبي يفرض مدة زمنية ومراحل معينة قبل الاعلان عن العلاج الرسمي المعتمد 4- وجود مخزون اقتصادي في بعض الدول وميزانية طوارئ يستفاد منها 5- التذبذب في سوق الطاقة دوليا وعدم وضوح الرؤيا اين تتجه ؟ هذه الاعتبارات وغيرها تمثل نقاط القوى والضعف في الوقت نفسه للمتغيرات التي ينتظر وقوعها بعد توقف هذه الجانحة ولكن التغير موجود ولامحالة ففي مقال بقلم ماري هيلين مياوتون صحيفة لوتان السويسرية قالت فيه إن نهاية هذا الفيروس -الذي انطلق من آسيا وانتقل إلى الشرق الأوسط ثم إلى أوروبا فالولاياتالمتحدة وأميركا اللاتينية و”الحبل على الجرار”- لم تلح بعد في الأفق، وإن كان كثيرون يرون أن تلك النهاية ستكون علامة فارقة قد تقلب الأمور رأسا على عقب ليس فقط في مجال الصحة والاستقطاب الدولي وحرب المختبرات الطبية ، بل الوباء لا يقف عند حدود ثنائيات الصحة والمرض، والحياة والموت، والوجود والعدم، وإنما يتسرب بتداعياته إلى الثقافة والسياسة والاقتصاد والدين وباقي أنماط الاجتماع الإنساني، بل إنه يقوض سلطاً ويؤسس أخرى، ويمحو دولاً وعصوراً وينشئ أخرى وهذا امر طبيعي جدا على اعتبار ان الولاياتالمتحدة استفادت من الحرب العالمية الثانية لتثبت دورها كقوة عظمى في النصف الثاني من القرن العشرين، لأن الحرب لم تصب أراضيها مباشرة، من يخرج أولا من هذه المحنة سيتمكن من تحقيق نقاط هائلة على سلم السيطرة ومن هذه النقاط : 1- من الردع النووري الى التهديد البيولوجي : نظرية الردع هي إحدى نظريات إدارة الصراع التي تستند أساساً على الأدوات العسكرية، لذلك كثيراً ما يقرن البعض مصطلح الاستراتيجية بمصطلح الردع، لذا بات مصطلح “إستراتيجية الردع” من المصطلحات شائعة الاستخدام سواء في مجال التخطيط العسكري أو العلاقات الدولية وقد عرف الردع النووي بأنه إستراتجية تنتهجها الدول بامتلاكها أسلحة نووية ضمن ترسانتها العسكرية أو ترسانة نووية كاملة من أجل التأثير على سلوك دول أخرى و عدم تشجيع العدو على اتخاذ عمل عسكري فبعد “جائحة كورنا ” سيتغير مفهوم اردع من النووي الى الى استراتيجية الردع البيولوجي ويسميها البعض بالحرب البيولوجية (بالإنجليزية: Biological Warfare) وتعرف أيضًا باسم الحرب الجرثومية أو الحرب الميكروبية، هي الاستخدام المتعمد للجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية الدقيقة وسمومها التي تؤدي إلى نشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات، وسبل مقاومة هذه الأوبئة ومسبباتها. اي ان المناورة بالتهديد باستخدام السلاح النووي تتغير الى إمكانية استخدام السلاح البيولوجي الجرثومي الاقل تكلفة ويصيب ارض العدو في حرب صامتة ، خاصة اذا كان صاحب السلاح يمتلك ” المصل ” . خاصة وان الكثير من الجيوش في العالم اضحت تمتلك مخابر طبية قاىمة بذاتها ، وهذا الامر يحيلنا الى عودة عمل الاستخبارات العسكرية المتخصصة ونظام مكافحة التجسس ، الذي قد يؤثر على حركة النقل في العالم وتراجع الحركة السياحية في العالم ، وتأثر اقتصاد دول بعينها ويقيد حركة الافراد وحرياتهم. 2- عودة الصراعات القديمة تتجه الكثير من الآراء الى ان مرحلة ما بعد كورنا قد تضعف مناطق النزاع لتراجع اقتصاد دول التي لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بهذه البؤر. الا ان احتمال انكفاء دولة مثل أمريكا وتشكل عالم جديد متعدد الاقطاب تربطه المصالح الاقتصادية وفقط سيزيد الدول الفاشلة ضعفا خاصة التي هي علة اطراف النزاع ، وبالتالي فكرة الانقضاض على الدول الضعيفة تصبح لقمة سهلة في تداخلات الصراعات القديمة او من خلال مواقفها السابقة ضمن مخططات الصراع ” قبل جائحة كورنا ” خاصة في افريقيا واسيا وجنوب امريكا والشرق الاوسط . وهذا يعني اننا امام حقبة جديدة من الصراعات الإقليمية، في ظل غياب الضوابط الدولية وتراجع أمريكا وأوروبا عن قضايا العالم 3- صدمة القيم ما بعد كورونا سوف تقودنا الى طرح الكثير من الاسئلة المؤلمة وفي مقدمتها تراجع الرواج الذي كان سائدا حول الثقافة والفن والفنون الاخر، حين كان يتصدر المشهد “التافهون ” من دعاة الفن والغناء وغيرها وتصرف لهم اموال طائلة ويرمز لهم بالبنان ، بل كقدوة ونموذج للشباب ، حيث ستكون الأولوية في العقود القادمة من غير أدنى شك لصالح البحث العلمي وتنمية البنية التحية الصحية والتنموية بشكل لافت . ولعل السؤال الكبير الذي طرحا كل واحد منا هل حقا ما يحدث لتلك الدول العظمي والمتطورة التي عجزت عن ايقاف الفيروس ؟ وعن توفير منصات صحية للمرضى ؟ ، بل المؤلم في سلم القيم ما يتحدث عنه عن تفضيل العلاج ” لمن هم اقل سن ” نوع جهاز التنفس الاصطناعي عن ما دون 65 سنة في سابقة اخلاقية لم تحدث سابقا الا ما ندر في دول ما فتات تصدع رؤوسنا بحقوق الانسان والحيوان معا ناهيك ان كورونا تمثل صدمة للبشرية كلها ولغرور التطور التكنولوجي وضعف الانظمة الصحية في عالم مخيف كان أغلبنا مخدوع فيه دول على هرم هذا العالم تُقرصن بعضها البعض و يسرق هذا من ذاك المعدات و المستلزمات الطبية المافيا التي كانت تحاربها هذه الدول ظهرت أشرف منها بكثير كما يقال . 3- من القطبية الاحادية الى عالم متعدد الاقطاب يقول ستيفن والت، إن ” جائحة كورنا ” هذه ستدعم صعود الحركات القومية ويدعم سلطة الحكومات وقبضتها على مقاليد الأمور. الا ان السؤال الكبير هو هل ستؤدي إن ” جائحة كورنا ” إلى تغير ميزان القوى العالمية من الغرب إلى الشرق خاصة الدول التي تعاطت بقوة بسرعة وحاصرت الفيروس ككوريا الجنوبية وسنغافورة والصين وبعض الدول العربية ، وركزت علة الجانب الاجتماعي والاقتصادي قبل واثناء الازمة وبعدها / في حين فشلت الى حد ما دول كانت تمثل رقما في معادلة التوزان الدولي في الحكومات الغربية الأوروبية. خاصة وان الكثير من التقارير الاقتصادية ترشح الصين كقوة اقتصادية مرشحة للعب دور كبير في المستقبل قبل 2030 ، خاصة اذا تحالفت من قوى اقتصادية ناشئة في دول معينها فمن شأن هذه التحالفات ان تغير موازين القوى خصوصا اذا تمكنت من احتواء ” جائحة كورنا ” وقدمت مساعدا عينية ولوجستيكية للدول المتحالفة معها و للدول المنكوبة وهذا ما ذهب اليه ون آلين أبرز جنرالات أمريكا سابقا ومدير معهد بروكينغز، يقول إن الأزمة التي سببها فايروس كورونا ستعيد تشكيل هيكل القوى العالمي بطرق يصعب تخيلها، حيث سيستمر الفايروس بالضغط على النشاطات الاقتصادية وزيادة التوتر بين الدول وقد نتجه إلى بناء نظام عالمي جديد حسب جون ايكينبري يحمل ضمانات لحماية الدولة ويدير الاعتماد المتبادل بشكل أكثر حماية لمصالحها. أو بمعنى آخر ستخرج الديمقراطيات الغربية من قوقعتها وتحاول البحث عن نماذج أكثر أماناً للتعاون المشترك . وتقود هذه التوقّعات إلى ترقّب تغيرات نظامية تدخل إلى منظومة الاقتصاد العالمي، وليس مجرد تغيرات سلّمية في مراتب القوى الكبرى في المنظومة القديمة نفسها . موقف تبنته كوري شاك مديرة المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ،حيث أشارت بأن عالم ما بعد كورونا لن يشهد تواصل زعامة واشنطن للعالم وقالت شاك في توقعاتها إن العالم لن ينظر إلى الولاياتالمتحدة بعد الآن كقائد دولي نظرا لسلوك الإدارة الأميركية الذي يقوم على تغليب المصالح الذاتية الضيقة وافتقار تلك الإدارة للكفاءة خاصة مع سياسات ادارة ترامب ويبقى السؤال مطروح هل تستطيع الصين ان تكون بديلا للبوليس الأمريكي من حيث : 1- اللغة الصينة وانتشارها وحضورها في العلوم والتكنولوجيات الحديثة 2- قوة الردع العسكري الصيني وانتشارها من جديد في القلاع القديمة 3- قوة الاقتصاد الصيني مع الركود والتكدس الدولي 4- ضعف “الجاذبية الحضارية ” للصين في المجتمع الدولي كما يسميها زبغينيو بريجنسكي 5- الحريات الفردية والجماعية ومفهوم الدول المدنية يثير اشكالا في الصين نفسها 6- القوى النووية والقوى التقليدية وتصادم المصالح 7- القوى الناعمة في المجتمع الدولي وتأثيراتها في ميزان دولي جديد 8- محور دول الطاقة ومستقبل دولة ما يسمى ” اسرائيل ” 4- اقتصاد المعرفة وتراجع الوظائف فالتاريخ يؤكد أن الجوائح أدت إلى تغييرات جذرية في المجتمعات وعلى كل المستويات. فالطاعون الذي يعتقد أنه قضى على ثلث سكان أوروبا، أدى الى تطوير قطاع الزراعة ودفع نحو دور أكبر للمرأة بسبب تراجع اليد العاملة المتوفرة. كما أدى الى استعمال أوسع للفحم الحجري كمصدر للطاقة، ما مهد لاحقا لقيام الثورة الصناعية . وحتما ستؤثر جائحة كورنا في تطور اقتصاد المعرفة وتراجع رهيب في الوظائف التقليدية ، حيث بعد تجربة العمل والدراسة والمتبعة الصحية عن بعد ، الى اعتبار هذا التوجه استراتيجية رئيسيه للتخلص من الموظفين والاكتفاء بعدد اقل ، خاصة مع بداية الاستخدام الواسع لعلوم البيانات والذكاء الاصطناعي والرجل الالي 5- تراجع مفاهيم الحريات اذا كانت الحريات الفردية والجماعية ومفهوم الدول المدنية يثير اشكالا في الصين نفسها وفي الدول التي ستقف معها في المعسكر الجديد ” اذا تغيرت موازين القوى الدولية ” فإننا نشهد تراجع في مفاهيم الحريات التي اقرتها الانظمة والمنظمات الدولية وناضلت لأجلها عقودا من الزمن فلا يستبعد ان تبقى الانظمة الشمولية مع انكفاء الدول الكبرى على نفس مسار ” الازمة الصحية لجائحة كورونا ” على الحد من الحريات الفردية والجماعية فمِن أجل وقف الوباء، يصبح جميع السكان أمام خيار الامتثال لمبادئ توجيهية محدّدة. هناك طريقتان لتحقيق ذلك؛ إحداها تتّصل بمراقبة الحكومة للناس، ومعاقبة مَن يخالف القواعد. اليوم، وللمرة الأولى في تاريخ البشرية، تتيح التكنولوجيا مراقبة الجميع طوال الوقت، إذ يمكن للحكومات، الآن، أن تعتمد أجهزة استشعار وخوارزميات قوية، بدلاً مِن أشباح مِن لحم ودم. في معركتها ضدّ كورونا حيث كتب المؤرّخ صهيوني “يوفال هراري ” مقال بعنوان “عالم ما بعد كورونا” حيث قال استخدمت حكومات عدّة أدوات مراقبة جديدة. الحالة الأبرز في هذا السياق، كانت الصين. مِن خلال مراقبة الهواتف، وإلزام الأشخاص بفحص درجة حرارتهم ومراقبة حالتهم الطبية والإبلاغ عنها. تستطيع السلطات الصينية بالإضافة إلى تحديد هوية حاملي الفيروس، تتّبع تحرّكاتهم أيضاً، وصولاً إلى معرفة الأشخاص الذين تواصلوا معهم. هذه التكنولوجيا لا تقتصر على شرق آسيا. حيث أذِنَ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخيراً، لوكالة الأمن الإسرائيلية بنشر تكنولوجيا المراقبة المخصّصة عادةً لملاحقة الإرهابيين، لتعقُّب مرضى الفيروس. وبعدما رفضت اللجنة الفرعية البرلمانية المعنيّة الموافقة على هذا الإجراء، فعّل «مرسوم الطوارئ خاتمة : تبقى هذه النقاط مجرد قراءة للمستقبل ما بعد “جائحة كورنا ” قد يتحقق بعضها او كلها او قد لا تتحقق اصلا وان كان ماورد في هذا المقال مبني على تقارير واقعية ومن مصادر مختلفة . ملاحظة : هذه مساهمة الدكتور ساعد ساعد والتي ستنشر في مركز البحثي انفراد بالكويت بمساهمة نخبة من الخبراء من امريكا وروسيا والكويت والعراق