سيدرك العالم يوما أن السودانيين شأن كل العرب نريد أن نكون مصدر خير لنا ولكل العرب رحيل الطيب صالح أحد نجوم الرواية العربية العالمية استدعى الكثير من الذكريات والوقائع والأحاديث التي دارت بينه وبين الكثيرين من رجال الأدب والصحافة.. ولأهمية الحدث ارتأينا استضافة روح فقيد الرواية العربية واسترجاع آخر كلام قاله، وهو على فراش المرض لرجال الصحافة والأدب، كان لهم الحظ في إجراء حوارات معه تعرض فيها الطيب صالح إلى العديد من القضايا الأدبية والسياسية، وقبل أن يخوض فيها طمأن محبيه عن صحته وقال أنه يحمد الله، إلا أنه لم يشف تماما والعلاج مستمر، معربا عن شوقه وحبه لبلده السودان، هذا البلد الذي عرفه الناس من خلاله كأنما بات يشكل راية ثانية له، فمن قال الطيب صالح كأنما قال السودان.. هذا البلد في رأي المرحوم الذي يحظى بمقومات دولة محترمة جدا بمساحته ''مليون ميل مربع ولها 14 نهرا'' وتاريخها وحضارتها تشكل موقعا هاما في وجدان الطيب صالح رغم بعاده عنها سنوات طوال .. وعن خلفيات اتهام السودان بأنها بلد يصدر العنف والإرهاب، أوضح الروائي السوداني أن هذه الاتهامات باطلة ومفتعلة، روج لها أناس لهم مصالح في ذلك، مع استنكاره لتصرفات مسؤولين في الحكومة السودانية الذين عمدوا للكثير من التجاوزات التي أضرت بالعديد من الأشخاص، مما أعطى حسبه صورة غير حميدة عند أعداء السودان الذين أبوا نسيان هذه التهويلات، وقالوا إن السودان من دول الشر .. موضحا أن من الدول التي قننت للشر في العالم هي أكبر دولة شريرة الآن في العالم متهما صراحة الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ويوضح الطيب صالح أن أغلب المشاكل تسببها الحكومات .. الشعوب كما قال تحب التواصل وأمريكا مليئة بالخير في رأيه.. لكنه أبدى حيرته من ذاك التناقض الصارخ بين تصرفات حكومتها، وبين الصورة التي تظهر بها في المعترك الدولي وبين طيبة شعبها، ولم يخف الطيب صالح في ذات الوقت إعجابه الكبير برقي وقيمة جامعاتها ومراكزها العلمية ومكتباتها .. كما أنه لم يكتم الطيب صالح في قلبه هذه الحيرة، وراح يسأل كما أخبر محاوره بتلقائيته وعفويته المعهودة والغالبة على مجمل أعماله الإبداعية، أحد أساتذتها الأمريكان خلال اجتماع في جورج تاون : -- كيف أنتم ناس طيبون بهذا الشكل تقبلوا حكومة كحكومتكم هذه؟ ومثل هذه التناقضات يرى الطيب صالح أنه علينا تقبلها والتعايش معها .. ومع أنه شكل خلخلة في التراث الأدبي العربي وأعماله أثرت في نفوس الكثير من العرب، فقد اعترف الطيب صالح أنه لازال يحس أن السودان لم يحظ بعد بالاهتمام والالتفات اللازم للمشكلات التي يعانيها على أكثر من صعيد.. لكن الطيب صالح يفضل ألا يبالي مع علمه أن السودان نسبيا ليس معروفا كما يجب .. ولم يأخذ مكانته حتى بين الأمة العربية، لكن الفقيد يأمل أن يأتي يوم يأخذ فيه السودان مكانة لائقة، ويثبت وجوده وسط الساحة العربية، ويكفيه فخرا الآن كما قال أنه يعتبر دولة هادئة هانئة بطيبة أهلها، وسيدرك العالم يوما أن السودانيين شأن كل العرب في الأطراف، وعروبة السودان في تقدير الطيب صالح يلزمها إثبات كما هو شأن موريتانيا وغيرها، نحن محتاجون لأن نثبت للناس أننا عرب بينما ناس أقل عروبة منا ولأن لهم ألوانا عربية لا يحتاجون لذلك، هم يظنون أن العروبة باللون وهذا ليس بمقياس عربي. ويرجع الطيب صالح في إجاباته إلى ذكر مزايا بلده السودان المليء في نظره بالطاقات'' فقط ربي يهدي زعماءنا في الشمال والجنوب ودارفور'' مشددا على أهمية مراعاة مصلحة الوطن، وتفادي التناحر والحروب والعنف من أجل الزعامة .. ورغم سوء صحة الفقيد وتذبدب الأوضاع في بلده والعالم، غلبت روح التفاؤل على لغة هذا الحوار الذي بدأه الطيب صالح بالتفاؤل وختمه أيضا بالتفاؤل قائلا: ''ربنا أكيد يريد بنا خيرا لأننا ''ويعني السودانيين'' أناس طيبون، سنستثمر ما عندنا من أشياء لأننا نريد أن نكون مصدر خير لنا ولغيرنا.. وأعرب في معرض حديثه عن إعجابه بالشعر القومي السوداني، وبالعديد من الشعراء منهم ''ود الفراس'' مبديا اعتزازه ببلده وفخره بأريحيات المروءة والكرم السوداني، ملحا في ذات الوقت على أهمية الحرية والعدالة الاجتماعية، لأن الإنسان حسبه إذا كان مسلوب الحرية ومضيقا عليه، لا يمكنه الحفاظ على هذه الخصال الطيبة.. وعندما أراد أحد محاوريه أن يستدرجه أكثر للخوض في تفاصيل وأحداث سياسية، وعده بكتابة ما يريد قوله في الجزء الثالث من بندر شاه روايته التي ألفها بعد ''دومة ود حامد'' و''عرس الزين'' و''موسم الهجرة إلى الشمال'' الرواية المعجزة التي صنعت مجده ومجد السودان ..