ملياردير، سكرتيرة، أموال تنقل في حقائب دبلوماسية، حفلات تقام في فنادق 5 نجوم ورحلات بلا حساب، ومن يسمع كل هذا يتذكر لامحال قضية الخليفة، التي أسالت الكثير من الحبر وكشفت عن احتيال واختلاس نادرين في تاريخ الجزائر، لكن يبدو أن قضية الخليفة لن تكون استثنائية،، فبعد تحقيقات طويلة استغرقت حوالي أربع سنوات، أين تم الطعن مرارا في قرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام، برمجت محكمة الجنايات قضية عبد الرحمان عاشور وشركائه ال25 المتابعين بجناية اختلاس أموال عمومية، حيث تم اختلاس 3200 مليار من البنك الوطني الجزائري، وبذلك تحتل قيمة المبلغ المختلس المرتبة الثانية بعد فضيحة الخليفة، والمنتظر معالجة القضية خلال هذه الدورة، وبالتحديد الأسبوع المقبل المصادف ل 16 جوان الجاري. وقائع قضية الحال تعود إلى 28 أكتوبر2005عندما تقدم الرئيس المدير العام للبنك الوطني الجزائري بشكوى لدى عميد قضاة التحقيق لدى محكمة سيدي أمحمد الغرفة الثالثة ضد عاشور عبد الرحمان وأربع متهمين آخرين، بالإضافة إلى مديري البنك الوطني الجزائري وكالات القليعة، شرشال، بوزريعة بالإضافة إلى متهمين آخرين يشغلون وظائف مختلفة، وقد كشف الطرف المدني ممثلا في المدير العام للبنك الوطني الجزائري أن عاشور عبد الرحمان أنشأ شركة قام بتسييرها صهره ''ع.رابح''وفتحا بعدها حسابا بنكيا بالبنك الوطني الجزائري وكالة القليعة التي تعد الوكالة الرئيسية وبها صندوق رئيسي يشمل جميع وكالات الناحية، كما أصبح هناك حسب المعطيات المتوفرة تبادلات الصكوك بين وكالات بوزريعة والقليعة وشرشال وكان يقبض ثمنها عاشور عبد الرحمان و''ع.رابح'' بتواطؤ من بعض موظفي البنك الوطني الجزائري. ''تاكسي بلوس''،''النقل الأزرق''،''مريم كارا''... أسماء لشركات وهمية بهذه الطريقة تمكن المتهم الرئيسي من إنشاء 10شركات وهمية، بالموازاة مع فتحه لحسابات بنكية جارية بالوكالات سالفة الذكر، تحصل من خلالها على صكوك بنكية يقوم بتخليصها قبل وصول الإشعارات إلى هذه الوكالات، وهذا بتواطؤ مع بعض إطارات البنك الذين كانوا يتلاعبون بالحسابات، فيما تتكفل سكرتيرته ''م.حسيبة'' بنقل الأموال بواسطة الحقيبة والتي بلغت 3200 مليار سنتيم، وتم تحويل مبالغ مالية هامة منها إلى المغرب الأقصى، حيث اشترى المتهم الرئيسي في القضية مصنعا للآجر ومطبعة عصرية، وأطلق على شركاته الوهمية عدة تسميات مثل شركة خاصة لسيارات الأجرة ''تاكسي بلوس''، شركة ''إفريقيا للطباعة'' و''ناسيونال بلوس''، وشركة متخصصة في السمعي البصري، وشركة ''النقل الأزرق'' و''مريم كارا'' ومزفران للإسمنت المسلح، ومأمونة وصناعة الآجر، وهي الشركات التي لم يعرف معظمها النور، حيث كان المتهم يتقدم بسجلات تجارية بأسماء مستعارة لعدد من التجار متابعين في قضية الحال. كشف التحقيق في السياق ذاته أن مدراء بعض وكالات البنك الوطني الجزائري تعرفوا على عاشور عبد الرحمان، وأفادوا بأنه كان يقدم ملفات كاملة تسمح له بالحصول على القروض المالية، وأكدت التحريات بأن هؤلاء المدراء وبعض إطارات البنك الوطني الجزائري تلقوا هدايا لتمكين المتهم الرئيسي من الحصول على القروض المالية. القضية عرفت سلسلة طويلة من التحقيقات بالنظر لثقل الملف والمبالغ المالية الكبيرة المختلسة من البنك الوطني الجزائري، وعدد المتابعين فيه ونوع الوظائف التي يشغلونها أرجأت غرفة الاتهام النظر عدة مرات في القضية، حيث قررت وبطلب من ممثل الحق العام تأجيل البت في القضية لحين استكمال التحقيق مع صهر عبد الرحمان عاشور وشريكه في عدة شركات، بعدما سلمته السلطات المغربية للجزائر، فيما أصدر عميد قضاة التحقيق بمحكمة سيدي أمحمد أمرا دوليا بالقبض على عاشور و(م.حسيبة) حيث سلمت السلطات المغربية المتهمين للجزائر في نوفمبر2006 بعدما ألقت عليهم القبض في جانفي. ظهر أثناء التحقيق مع صهر عاشور عدة معطيات ساهمت بشكل أو بآخر في عرقلة الملف، تمثلت في بروز تقرير مزور تم تسليمه إلى السلطات القضائية المغربية حول المعاملات التي أجراها المتهم، وهي التهم الموجة له في ملف آخر سيعالج خلال هذه الدورة، وبالتحديد في 14من الشهر الجاري برفقة متهمين اثنين آخرين متابعين فيها بجناية التزوير واستعمال المزور، واستغلال النفوذ وإتلاف مستندات من شأنها تسهيل البحث عن جناية أو جنحة، ويشير ملف القضية إلى أن التقرير المزور أعده محافظو شرطة بأمن تيبازة واستعمله دفاع عاشور عبد الرحمان لطلب الإفراج عن موكله، إذ أعطى هذا التقرير الذي تسلمته السلطات المغربية الشرعية للمعاملات التجارية التي قام بها المتهم في القضية، وهو ما تسبب في تأخير تسليم عاشور عبد الرحمان للجزائر، وتوصلت التحقيقات الأولية في هذه القضية إلى الاشتباه في تورط إطارات سامية في الأمن في العملية، حيث يتعلق الأمر بكل من العميد الأول للشرطة رئيس أمن ولاية تيبازة (ز.ه) ومدير عيادة الأمن الوطني بالعاصمة، وابن سفير الجزائر بفرنسا، إضافة إلى محافظي الشرطة سابقا بأمن ولاية تيبازة، اللذين أعدا حسب ملف القضية التقرير، وبعد استكمال التحقيق في القضية تم استبعاد التهم عن مجموعة من هذه الإطارات وعلى رأسهم ابن السفير الجزائري بفرنسا. هيئة الدفاع طعنت عدة مرات في قرار الإحالة خلال جميع مراحل التحقيق كانت هيئة الدفاع تقدم الكثير من الاحتجاجات، وتسيل بذلك الكثير من الحبر حول القضية التي عرفت الكثير من العراقيل. وكان الاحتجاج حول غرفة الاتهام التي لم تحترم حسبهم الاتفاقية الدولية المُبرمة بين السلطات الجزائرية والمغربية، وهي أسمى من كل القوانين الداخلية بما فيها الدستور وتُمثل سيادة البلاد، وأن قرار غرفة الاتهام القاضي بإحالة قضية عاشور على محكمة الجنايات، وإضافة تهمة أخرى للمتهم التي تضمنها قرار الأمر بالقبض الدولي والمتمثلة في تكوين جماعة أشرار، يُعد بمثابة خرق صريح لأسمى قانون، ومن شأن هذه القضية أن تؤثر على السيادة الجزائرية، لأن الأمر متعلق باتفاقية بين دولتين لم تُحترم، وهذا ما قد يدفع بباقي الدول دائما حسب رأي الدفاع الذي كان يصدر بيانات بهذا الشأن إلى أخذ الحيطة من قفز الجزائر مجدداً على باقي الاتفاقيات المُبرمة معها. وأضافت هيئة الدفاع أن الأمر بالقبض الدولي رقم 05/6001 والمؤرخ في 7 ديسمبر 2006 الصادر عن عميد قضاة التحقيق لمحكمة سيدي أمحمد، تضمن تهم النصب والاحتيال وإصدار صك بدون رصيد والمشاركة في اختلاس أموال عمومية والتزوير في محرّرات رسمية، ولم يتضمن تكوين جماعة أشرار التي تم إضافتها في التحقيق، رغم أن نص المادة 43 من الاتفاقية التي تربط الجزائر بالمغرب الخاصة بالتعاون والمتابعة القضائية الموقعة سنة 1963 والمعدلة سنة ,1969 تنص صراحة على أن الفرد الذي يقع تسليمه لا يُمكن أن يتابع ولا أن يحاكم حضورياً ولا أن يُعتقل بقصد تنفيذ عقوبة محكوم بها عن جريمة سابقة للتسليم غير التي وقع التسليم من أجلها، ماعدا في الحالات الآتية: إذا أتيحت له حرية الخروج من تراب الدولة المسلّم إليها ولم يخرج منه خلال الثلاثين يوما الموالية لإطلاق سراحه النهائي، أو خرج ثم عاد ثانياً وأيضا إذا رضيت بذلك الدولة التي سلمته، وفي هذه الحالة يوجه إليها طلب مشفوع بالوثائق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 35 وبمحضر قضائي يتضمن تصريحات الفرد المسلم حول تمديد التسليم، ويُشير إلى الإمكانية المخولة له في رفع مذكرة دفاع إلى سلطات الدولة المطلوب إليها التسليم، وإذا وقع أثناء إجراء المسطرة في وصف الجريمة المنسوبة إلى الشخص المسلم، فإنه لا يتابع ولا يُحاكم إلا بقدر ما تسمح بالتسليم عناصر الجريمة حسب وصفها الجديد. وقد ذكر أحد محاميي الدفاع في لقاء سابق أنه تبعاً لقرار الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى للمحكمة المغربية بتاريخ 8 مارس 2006 بشأن طلب تسليم عاشور عبد الرحمان، فإن القضية أُخرجت من المداولة وإدراجها بجلسة 29 مارس 2006 قصد إفادة الغرفة بمعلومات مدقّقة ومفصّلة حول الظروف وكيفية ارتكاب الأفعال المطلوب من أجلها تسلّم المتهم عملاً بالفصلين 38/53 من الاتفاقية، وأضاف أنه بعد تقديم موكله للسلطات الجزائرية في 15 نوفمبر 2006 فوجئ من طرف السيد قاضي التحقيق بإضافة تهمة جديدة لم تكن موجودة في طلب التسليم، ولا في موضوع الاتفاقية، وتم إرسال المستندات إلى السيد النائب العام، وتم تكييف القضية على أساس جناية وهذا ما يُعد عملا خطيراً -حسبه- لأن الاتفاقية خُرقت والقانون أيضاً. وبعد إصدار غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء الجزائر قراراً بتاريخ 29 جويلية 2007 يقضي بإحالة عاشور ومن معه على محكمة الجنايات، وأُضيف لهم تهمة تكوين جمعية أشرار طبقاً للمواد 3/771 و176 من قانون العقوبات، فإن هيئة الدفاع تقدمت بطعن بالنقض لدى المحكمة العليا. يبقى هذا كلام هيئة دفاع عاشور عبد الرحمان العقل المدبر لما أصبح يُصطلح عليه بفضيحة ال3200 مليار، في انتظار ما ستُسفر عنه المحاكمة التي يتوقع المتتبعون للقضية أنها ستكشف على الكثير من الحقائق الأسبوع المقبل.