كلما طرح موضوع الكتابة والرواية بالتحديد نسرع لنلقي باللائمة على القارئ الذي لا يحب أن يقرأها.. لا ينجذب إليها.. كل كلمات العتاب وكل التهم تصوب نحو القارئ الذي لا يقرأ.. وكأنما هو وحده المسؤول عن نكبة الرواية، ووحده المتسبب في بوارها .. وكأننا نتهرب من معرفة الأسباب الحقيقية لعزوف القارئ عن القراءة .. ولا نريد أن نعرف إن كانت النصوص المقترحة عليه مؤهلة لهاته القراءة وقادرة على جذب اهتمامه.. هل تساءلنا مثلا ماذا يحب القارئ اليوم، وما هي النصوص التي تستثير شهوته للقراءة، وما هي الكتابات التي يجد فيها ما يصب في صميم انشغالاته.. ما يلامس همومه، ما يحرض وعيه ويفتح أفقه على رؤى مغايرة.. الأديب الكبير واسيني لعرج في حوار أجرته معه مؤخرا إحدى الصحف الوطنية يعترف بالوضع الكارثي الذي تعرفه المقروئية في الجزائر وفي الوطن العربي عامة، وعلى عمومية هذا الكلام فإن المسألة حسب رأيه تتطلب الاهتمام أولا بما يجلب اهتمامه وإلا فكيف نفسر نفاذ كتب بعينها من المعارض والمكتبات بسرعة قياسية.. فالكتاب هو الذي يصنع القارئ لا العكس .. لا أدري لماذا يتغاضى كتابنا عن هذه الحقيقة.. مع أنها المخرج الأمثل من مأزق المقروئية .. ثمة إيقاع آخر أصبح يطلبه القارئ.. و ثمة لغة أخرى وروح أخرى يبحث عنها ويريد أن يلمسها فيما يقرأ.. متغيرات واقعنا المتلاحقة تفرض على الكاتب ممارسة فعل الكتابة والإبداع مزودا بقوة البناء والهدم والقدرة على إنجاز الجديد .. قارئنا اليوم أصيب بالملل .. ما عاد له نفَس يطاوعه على قراءة نصوص خالية من السحر والسخرية والتبسيط المعمق للمعاني الإنسانية والمعرفية.. ما عاد يرغب في التعاطي مع نصوص غارقة في الشكلانية تجترّ نفسها بنفسها.. نصوص تبدع في استعراض التعابير الطنانة والمعاني المستهلكة، كأنما لا هم لها سوى أن تعلن تفوقها على القارئ وتحسسه بدونيته اللغوية والثقافية.. الرواية ليست مدرسة ولا معلما ولا واعظا .. الرواية ليست سوى تأويل للوقائع والأحلام، ومحاورة الواقع برهافة وفن وحس صادق.. القارئ اليوم لا يحتاج لمن يوعظه أو يلقنه الدروس الأخلاقية والوطنية والإنسانية، ويفرض عليه حقائق ومعاني بعينها.. القارئ اليوم يميل لمن يقول له أنا مثلك.. أنا أنت.. أسأل أسئلتك وأحس بما تحس وأخاف مما تخاف.. وأحب ما تحب.. قارئ اليوم يجب أن يرى نفسه فيما يقرأ، ويشعر أن ثمة من هو واع وعارف بأوجاعه وأسئلته.. من هو مؤمن بأحلامه وهواجسه..