يصاب العديد من الأطفال بأزمات واضطرابات تتحول فيما بعد إلى عقد نفسية. وهذا راجع في الكثير من الأحيان إلى الخلاقات والشجارات التي تنشب بين الوالدين وتحدث على مرآى ومسمع الأطفال. قد تتعدد أسباب الخلاف بين الزوجين فيكون مصدرها اختلاف البيئة والتنشئة الاجتماعية لكليهما أو اختلاف الطبائع والشخصيات أو اختلاف المستوى التعليمي للطرفين. ولكن ما لا يعلمه الزوجان أن مثل هذه النزاعات تؤثر سلبا على شخصية الطفل مستقبلا خاصة وأن بعض الأزواج يجعلان من أبنائّهما طرف في النزاع ووسيلة في الحرب القائمة بينهما، فتجد الأم تحرض ابنتهما على عصيان والدها والوقوف إلى صفها أو تجد الاب يحاول استمالة الابناء الى صفه موفرا لهم كل المطالب حتى يقنعهم أنه الأفضل وهنا نجد الطفل بين نارين تنمو شخيته بطريقة غير طبيعية ولا يتلقى من هذا الوضع إلا السلوكيات السيئة: في هذا الصدد استطلعنا آراء وشهادات بعض الأمهات كونهن الاقرب إلى الطفل حول الشجار بين الأزواج واثاره على نفسية الأطفال. مخاوفي اليومية لا تكاد تنتهي رشيدة هي احدى الأمهات التي تعاني من الاضطرابات والخوف الدائم الذي يلازم ابنها بسبب الشجارات التي تحدث بينها وبين زوجها فتقول: ''أشعر أنني لا أستحق أن أكون أما على الاطلاق لم أعتقد يوما أن الشجار بيني وبين زوجي أمام ابننا الوحيد سيخلف لديه عقدة الخوف من كل شيء ومن لا شيء أيضا. أذكر ذات يوم أنه حدثت مشاجرة عنيفة بيني وبين زوجي، واستيقظ ابني على صوت صراخنا ومن يومها وهو يخاف إذا حدثت مشاداة كلامية بين شخصين أو إذا سمع أصواتا مرتفعة في الشارع، بل أصبح يخاف من النوم في الغرفة لوحده ويخاف من الظلام إذا ما انقطع التيار. ولا يزال يعاني من الخوف رغم دخوله المدرسة فأضطر لمرافقته صباحا ومساء ولا يمكنه الاعتماد على نفسه في أي شيء''. مشاغلي الزوجية المتكررة سبب تأخر ابني في النطق فايزة مثال آخر لتداعيات المشاكل الزوجية على الأطفال، وفي هذا السياق تصرح تقول ''صعقت حين أخبرني الطبيب النفسي أن ما تعانيه ابنتي من مشاكل في تركيب الجمل أو النطق ما هي إلا أعراض وانعكاسات طبيعية جدا بسبب زلزال الخلافات الزوجية المستمرة والعنيفة التي كانت تنشب بيني وبين زوجي، حيث كان ينهال علي بالضرب والشتم والقذف أمام ابنتي التي لم تسلم هي الأخرى من همجية وعنفه وهي اليوم غير قادرة على تركيب جملة مفيدة مع أنها بلغت الأربع سنوات''. وأمام هذه الشهادات لبعض الأمهات اللواتي يعانين من سلوكات أطفالهن غير الطبيعية، توجهنا إلى الطبيبة النفسية بن طالبي ليندة التي شرحت لنا مدى تأثير النزاعات والخلافات الزوجية على الأطفال وردة فعلهم إزاء ذلك. انعكاس الخلافات الزوجية على سلوكات الأطفال تقول السيدة بن طالبي: أستقبل يوميا حالات عدة من الأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية تصل إلى حد العقد النفسية وهذا كله جراء الشجارات والمشادات الكلامية التي تصل إلى حد العنف والضرب المبرح الذي يعمد من بين الأولياء أمام مرى أطفالهم غير آبهين بما سيتخلفه هذه المواقف على أولادهم حاضرا ومستقبلا. فما بين الآثار النفسية التي تحدثها الخلافات الزوجية على نفسية الأطفال هناك صورة الاحتجاج وهي تأخذ الصورة السلبية بالعتاد والكذب. وهي السلوكيات التي يعلم الطفل أنها تغيظ الوالدين ولكنها سلاحه الذي يملكه في عقابهما نتيجة شعوره الدائم بعدم الأمان معهما بسبب الخلافات المستمرة بينهما والتي لا يملك لها ايقافا. ولا يستطيع أن يحد منها موقف ويرغب في عقاب طرفيها فلا يرى وسيلة لذلك إلا بإغاظتهما وعمل ما يستفزهما ورفض أوامرهما''. أما الصورة الثانية فهي صورة النشاط الزائد: فنشاط الطفل الزائد هو تعبير عن التوتر والقلق الذي يشعر به هذا الطفل في بيته وهذا التوتر سببه الخلافات بين الوالدين والتي تخلق في البيت أو المحيط الذي ينشئ فيه الطفل جوا مشحونا مقلقا ومزعجا ينعكس على تصرفاته وعلى شخصيته فيصبح كثير الحركة والنشاط. أما الصورة الثالثة هي صورة الاعتزال وهي الصورة التي يميل فيها الطفل إلى الانطواء والعزلة والبحث عن ركن خاص به لوحده ويلجأ إليه للهروب من الصراع والجو الساخن للخلافات بين والديه، وقد يكون هذا الركن غرفته مثلا حيث يفضل الهروب بعيدا لتجنب المواجهة. وتضيف الطبيبة بن طالبي أن ما يخيف الأطفال في المرحلة الأولى من عمرهم حينما يتشاجر الوالدن هو انفصالهما أو ترك أحدهما أو كليهما له وتخليهما عنه. لذا لابد من منحهم الثقة والأمان وإشعارهم بأن ما حدث كان مجرد شجار عابر وذلك بتحسين العلاقة بين الزوجين ليشعر الطفل بالأمن والطمأنينة. وأهم ما في المسألة ضرورة تجنب الشجار بين الأزواج أمام أعين الأطفال، بل لابد من محاولة فض الخلافات بطريقة حضارية راقية بالتحاور والنقاش وليس بالعراك والعنف والهمجية لكي نبني طفلا سويا يعرف الأصول ولا يحيد عنها ويشب عليها وتصبح أمورا أساسية في حياته، ولأن الأم تعتبر الأقرب إلى طفلها من أي شخص آخر لابد لها أن توعيه وتقف إلى جانبه وتشرح له جميع المواقف بطريقة بسيطة تراعي مشاعره وصغر سنه.