صادق أمس مجلس النواب الفرنسي بالأغلبية على قانون يقر تعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر وجزر بولينيزيا بالمحيط الهادي، لكنه وضع معايير صارمة لتحديد أهلية الضحية جعلت بعض النواب يمتنعون عن تأييده. وتوقع وزير الدفاع الفرنسي إيرفيه مورين عندما كشف النقاب عن القانون في ماي الماضي أن يسري نهاية العام الحالي، وأن يكون معنيا به مئات الأشخاص، وكان وزير الدفاع قد قال إن بلاده تعتزم تعويض ضحايا الاختبارات النووية السابقة، وإنها خصصت لذلك مبدئيا عشرة ملايين يورو، وعن تقديره لعدد الضحايا قال موران في حديث لصحيفة ''لوفيغارو'' الفرنسية ''نظريا تأثر بالتجارب نحو 150 ألف فرد مدني وعسكري''. وقد رحبت المعارضة الاشتراكية الفرنسية بالقانون، الذي سينتقل إلى مجلس الشيوخ حيث من شبه الأكيد أنه سيحظى بالمصادقة، لكنها حذرت من أنه يعطي الكلمة لموظفي الدولة في تحديد من هم أهل للتعويض، ولا يمنح منظمات الضحايا تأثير كبير. وفي هذا السياق رفض مكسيم غرميس رئيس كتلة الحزب الشيوعي في مجلس النواب تأييد القانون لأنه رأى فيه أنه غير كاف، مؤكدا أن الضحايا ''يستحقون أكثر مما سيعرض عليهم من تعويضات''. وفي ذات الإطار قال جون بول تيسيونير محامي جمعية ضحايا التجارب النووية الفرنسية ''ما أخشاه بالنسبة لسكان الصحراء الضحايا أن المناطق التي يحددها المرسوم تطبيقا للقانون لن تكون كافية وبالتالي لا يمكن تعويض الضحايا''. وكانت التجارب النووية في الصحراء الجزائرية قد تسببت في مشاكل صحية جسيمة للضحايا، وهي مشاكل ستنظر فيها لجنة من تسعة أطباء تقرر ما إذا كان المصاب أهلا ليتلقى التعويضات، وبموجب القانون، سترفع فرنسا السرية عن برنامج تجاربها النووية، وهي تجارب سينظر خبيران في مدى تأثيرها على المناخ، ويرفعان تقريرا بذلك في ديسمبر القادم. وكان الباحث الفرنسي المتخصص في التجارب النووية الفرنسية برينو باريلو قد كشف في وقت سابق ذكر أن سلطات الاستعمار الفرنسية استخدمت 42 ألف جزائري ''فئران تجارب'' في تفجيرها أولى القنابل النووية في صحراء الجزائر في 13 أكتوبر 1960 و27 ديسمبر من العام نفسه، وقالت الدراسة التي أعدها باريلو إن فرنسا أجرت التجربتين المذكورتين في بلدة الحمودية وجبل عين عفلى التابعتين لمنطقة رقان، وقال الباحث الفرنسي القنبلة النووية إياها فجّرت على 42 ألف شخص من السكان المحليين وأسرى جيش التحرير الوطني، ما يمثل أقسى صور الإبادة والهمجية التي ارتكبها المحتل الفرنسي في حق الجزائريين الذين يطالبون اليوم باحترام واجب الذاكرة قبل الاندراج في أي مخطط صداقة. كما عرض الباحث باريلو صورا لمجاهدين جزائريين مصلوبين يلبسون أزياء عسكرية مختلفة، وصوراً أخرى عن حجم الدمار الذي أحدثته القنبلة على بيئة المكان، وما آلت إليه معدات عسكرية (طائرات ومدرّعات) كانت رابضة على بعد كيلومتر من مركز التفجير. وأوضح أنّ الفرنسيين تعمّدوا الإكثار من ضحايا التجريب وتنويع الألبسة، للوقوف على مستوى مقاومة البشر للإشعاعات النووية على مسافات مختلفة. وقال باريلو إنّ معظم الصحراء الجزائرية متضررة من الإشعاعات النووية المنتشرة عبر الرياح، وإن سكان تلك المناطق يبقون مهددين بما تفرزه شظايا البلوتونيوم. للتذكير فإن وزير الخارجية مراد مدلسي وكثير من السياسيين وناشطي المجتمع المدني في الجزائر رأوا الخطوة دون المنشود، مطالبين بمعالجة أعمق للملف، رفقة ملفات أخرى، والعمل على تنقية أجواء الصحراء الجزائرية من الإشعاعت النووية، ومخلفات تلك التفجيرات البشعة.