جاء في الأثر عن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن أول شهر رمضان رحمة ووسطه مغفرة وآخره عتق من النار، في دلالة واضحة على منه صلى الله على وآله وسلم أن مدرسة رمضان تنح صاحبها ثلاث شهادات، شهادة بالحرمة وأخرى بالمغفرة، وشهادة بالعتق من النار. وكما جرت العادة من خلال هذه المساحة المباركة فإن لجلال الرحمة وعظمتها جمال لا يوصف، ولجلال المغفرة وعظمتها جمال لا يوصف، ولجلال وعظمة العتق من النار جمال لا يوصف أيضا، ولا يظنن أحد أن الأمر من الهين اليسير، ولا غرو أنه من السهل الممتنع، له مشقة تنوء بحملها الجبال ''إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا'' الأحزاب/ ... وقد أحسن القرآن الكريم تصوير عظمة الأمر ومشقته لكنه من المقدور المتاح، أو من السهل الممتنع كما ذكر قبل حين، ولنتخذ لذلك مثالا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ''كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم''، فمن منا يصبر مع نفسه، ويجالدها مشقة هذا الذكر الحسن، نعلم إنه قليل منا من الفاعلين والمجالدين، لا لمشقة الذكر في حد ذاته، بل لمشقة المغريات والملهيات والشوائب ''حفت الدنيا بالشهوات... وحفت الجنة بالمكاره''، فما بالك بكلمات السلوك والأفعال!!! وقد جاء تتالي الجوائز والشهادات في شهر رمضان في تساوق عجيب مع الشهر ذاته، فالرحمة من الرقة والعطف في إنجاز العمل، والتي لا تخرج عن إرادة إيصال الخير بسبل الخير، ولله المثل الأعلى الذي أراد لنا الخير كل الخير بشهر الخير هذا. والمغفرة من الستر على المخلوق والتجاوز عن سيئاته وهفواته مع وجود إرادة إيصال الخير التي تميز الثلث الأول من الشهر الفضيل فإن أقدم ونال عن جدارة واستحقاق شهادة إيصال الخير لنفسه (بالتزام الطاعات وتأدية الواجبات وفق منطق العمل عبادة) ولغيره بكل سبل الخير نال المغفرة في الثلث الثاني من الشهر شرط المداومة على إيصال الخير طيلة الشهر رغم ما يزامن ذلك من فتور للعزيمة وقلة للجهد. ومن سار على نهج الرحمة طيلة الشهر في شأنه كله وجالد نفسه نال كل ثلث من أجزاء الشهر الفضيل درجة وشهادة على حسن الداء، يختمها له الله عز وجل بعتقه من نار جهنم، وتلك الشهادة الأعظم وكأنه خرج كيوم ولدته أمه، ليستقبل ما تبقى من حياته مستصحبا الحالة الرمضانية كي لا يعيد السنة وتفوته فرصة إعادتها في الموسم المقبل.