نهزني القلم للكتابة عن معنى العيد ولا أقول فلسفته، لأن الفلسفة أكبر بكثير من أن نحيط بدقائقها ونستجلي غوامضها، ونفك رموزها، تلك التي استعصت على الكبار، حتى إن الفارابي قرأ كتاب الإشارات لابن سينا عشرات المرات فما فهم شيئا حتى اجتاز مرة على السوق فوجد كتابا يشرح الإشارات فأخذه وقرأه فما وسعته الدنيا فرحا بعد هذه القراءة، لأن تلافيف مخه استطاعت تقبل الوافد الجديد من أفكار المعلم الأول في ذلك الكتاب. وأظن أن الأمر كما ذكره صاحب قصة الإيمان حين نصح الشيخ الموزون حيران بن الأضعف في قصته الرمزية بعدم الاجتزاء من الفلسفة بقراءة اليسير لأن ذلك سيتركك تتخبط في متاهات الحيرة هذه الحيرة التي قد ترسو بك على بر الكفر، ولكن الفلسفة بحر عميق على غير البحور الأخرى ..... وقد لا أكون مبالغا إذا قلت أن الحديث هنا عن معنى العيد الذي سنشير إليه بأوجز عبارة لا يكون كاكتشاف ذلك الأستاذ العظيم الذي ذكر الطنطاوي أنه اكتشف للشاعر العربي عبيد بن الأبرص فلسفة عظيمة في الحياة والموت جمعها في بيته المشهور: وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب إذ كان الناس إلى ذلك العصر يعتقدون أن الميت يرجع إلى الحياة عبر سبل كثيرة قد يكون إحداها مجرى البئر الذي كان أهل باب الحارة يدخلون ويخرجون منه، وينقل إليهم أبناء الحارات الأخر المؤن لما كان العسكر الفرنساوي يضرب بحصاره المحكم عليهم. حتى جاء بن الأبرص فأكد لهم أن أوبة الميت شيء مستحيل. للعيد عندنا نحن المسلمين معاني عدة، لعل أهمها أنها شكر لله في عيد الفطر أن وفقنا لصيام رمضان وقيامه، وهي في عيد الأضحى شكر له على التوفيق لعبادة الحج. ومن المظاهر التي تميز هذين العيدين طلاقة الوجوه والبشر البادي على محيا الخلق، ولبس الجديد من الثياب، والتزاور فيما بين الناس، ولكن إذا جاز لنا أن نذكر المعنى الحقيقي للعيد أو إذا شئتم القول فلسفته قلنا : أين بهجة القلب ومسرته، وأين التآلف الحقيقي بين أبناء الأسرة الواحدة فضلا عن بلدان العالم التي تمزقها الحروب، وتدب بين ظهرانيها الحالقة التي تترك شأن الوحدة بينها كلاما يلاك بالألسن ليس إلا، وهل تغمر القلب فرحة لا تشوبها شائبة من الحزن والأسى والأذن تسمع والعين ترى ما يحدث في فلسطين من استفحال الظلم واليد الطولى لبني صهيون التي عاثت في الأرض فسادا، حتى أن تقريرا للأمم المتحدة ينشر مؤخرا يذكر أن غزة على مشارف العطش، بلاد بأكملها تضم بين ظهرانيها أكبر كثافة سكانية تهدد بالأمن في الماء بعد أن هددت في أرزاقها ومنعت عنها الحياة. أين العيد والقلب يعتصر ألما وحزنا لما يحدث، وهل بالمكنة أن نقول كل عام وأنتم بخير، وهي مقولة لا يصدقها الواقع، ولا تؤيدها المشاهد التي تترى، وحتى لا يرمينا القارئ بأننا متشائمون نذكر له أننا ذكرنا النصف الفارغ وهو الغالب في هذا الوقت حقيقة، وإلى أن تمتلئ هذه النصف الفارغة، وإلى عام آخر نقول لكم : ما كل عام وأنتم بشر....