قال النابلسي وهو أحد الدعاة السوريين المعاصرين لإحدى اليوميات الوطنية ''سافرت كل العالم ولم أجد شعبا يقدر العلم والعلماء مثل الجزائر'' مقولة مثل هذه مثلما تزرع فينا نشوة المجد المؤقت مثلما سرعان ما تعيدنا إلى اليأس اليافع. حيث لا يمكن أبدا من تصديق هذا الكلام الذي خرج إلى العلن من زاوية أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قدح المستضيف ووجب الثناء على كرم الاستضافة؟! لكن كل الجرم أن يكون هذا الكلام المادح مجرد طبعة من طبعات التزلف ولكن لمن ومن أجل ماذا ولمن؟! فنفس الشخصية جاءت بلادنا في إطار رحلاته المكوكية للقيام بجولة ماراطونية في إطار نشر الدعوة من خلال دروس وعظية لا غير. حيث في الوقت الذي نقرأ فيه بأن أغلب أصحاب المكتبات في الجزائر العاصمة حولوا محلاتهم إلى بيتزيريا (وڤرنطيطة) ونقرأ ملفات تلوى الأخرى عن ضعف المقرؤية وتفشي ظواهر لا أول لها ولا آخر داخل مؤسساتنا التربوية والجامعية إلى درجة القتل والإجرام بين الأساتذة والطلبة دون الحديث عما يصول ويجول في الملاعب، وأن ذكرى يوم العلم تمر على هذا الوطن كجسم مصغر وعلى شكل فيروس طفيلي غير مرئي في فضاء يومياتنا، يقول لنا النابلسي بأننا شعب يقدر العلم والعلماء ولا ندري على أية مقاييس بنى مقولته هذه. ولربما قاس صاحبنا ذلك على الجمع الذي امتلأت به القاعات التي زارها أو بعدد الذين رحبوا به وأشاروا عليه، وهذا من الأجدر أن لا يقاس به فهل نأخذ بحكمة الشيخ ونغتر حقا بما جاءت به. هل نكذب على أنفسنا ونحن نرى الواقع أكثر من مر، هل نصدق رأي شيخ ونحن نرى الواقع أكثر من مر، هل نصدق رأي مسن يبني مقاييسه على المظاهر الخداعة. قديما قالت العرب (أهل مكة أدرى بشعابها) حيث لا يسعنا هنا إلا أن نهمس في أذن الشيخ عبر هذه المساحة، لا يمكن تصديق كلامك وأنت ضيف الجزائر لا أكثر ولا أقل، وإذا كان في رؤيتك نوع من الشد والجذب أي أنك قلت نفس الكلام في تونس وقطر وجاكرتا فإننا للوضع وصفا آخر، لأنك قلت جبت العالم أي أنك تبصرت ومحصت؟! فالجزائر بلد لا زالت أخبار ارتفاع أسعار البطاطا بها وغيرها من حاجيات البطون أهم من خبر أدبي أو فكري أو علمي، ومقابلة بين أبناءها تجري وقائعها على ريتم داحس وغبراء وكيس حليب أهم من صحيفة يومية، وحملة انتخابية أهم من ذكرى مجيدة مقدسة أوقفت هذا الوطن العزيز على رجليه. قال لي صاحبي بعد أن فهم مقاصد تألمي هذا إن المشكل لا يقع على النابلسي ولا على قرني العائض، بل فيمن صنعوا له الجنة هنا وأعطوه ما لم يعطه هارون الرشيد لجارية في عصره لذلك من حقه أن يقول بأنه وضع قدما في الجنة وذاق في هذه البقعة أو تلك ما لم يذقه في دياره طيلة حياته.