يؤكد السعيد عبادو الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين أن اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر لا مناص منه، وأنها سترضخ يوما ما لإرادة الشعب الجزائري كما فعلت في ,1962 عبادو يتحدث بجرأة كبيرة عن التعنت الفرنسي حيال مطلب الاعتذار، ويصف بشجاعة أكبر تصريحات بعض المسؤولين الفرنسيين الأخيرة بالسخيفة، وغير المنطقية لأنها قفز على الحقائق ودس للسم في العسل، الحوار التقته بمكتبه بمقر المنظمة وكان لها معه هذا الحديث الصريح. تحتفل الجزائر اليوم بالذكرى المزدوجة لعيدي الاستقلال والشباب، ما الذي تغير بين اليوم والبارحة؟ بداية اسمحوا لي أن أهنئ كل الشعب الجزائري الأبي وكل المجاهدين بمناسبة هذه الذكرى العظيمة والغالية على قلوبنا جميعا، والله نحن في المنظمة الوطنية للمجاهدين نحتفل في كل عام بهذه الذكرى وكل الأعياد الوطنية الأخرى، التي حررت البلاد والعباد من نير الاستعمار إلى نور الحرية والانعتاق عبر مراحل طويلة من الكفاح المرير والشرس استمر طيلة 132 سنة كاملة، دفع فيها الشعب الجزائري الغالي والنفيس ليتوج بها الكفاح والنضال بثورة الفاتح نوفمبر العظيمة، التي كانت إحدى أعظم الثورات في القرن العشرين. أعتقد أن التحدي الأكبر اليوم هو تحدي مواصلة مسيرة البناء التي باشرها الشعب الجزائري بعد الاستقلال في ,1962 والتي لم تكن سهلة أبدا ففيها ما فيها من التحديات الجسام، ولعل أكبر امتحان اجتازه الشعب الجزائري بنجاح هو العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي التي كانت بمثابة الامتحان الأكبر أين برهنت الجزائر دولة وشعبا على تماسكها وإرداتها الفولاذية في مواصلة طريقها نحو البناء والرقي والازدهار. لعل الجديد خلال هذه السنة سيدي، هو التعديل الدستوري الأخير الذي خصص مادتين تتحدثان عن حماية رموز الثورة، وتتحدث عن جهد ودعم إضافي من أجل كتابة تاريخ الحركة الوطنية وثورة نوفمبر، أنتم في المنظمة ماذا برمجتم أو ماذا سطرتم في هذا الإطار؟ في الواقع التعديل الدستوري الذي جاء كما يعلم الجميع بمبادرة من فخامة رئيس الجمهورية، لكنها كانت مطلبا من مطالب الأسرة الثورية التي كانت دوما تطالب بضرورة وضع نص دستوري ينص على ضرورة صيانة التاريخ خاصة فيما تعلق بالرموز المقدسة على غرار النشيد الوطني والعلم الوطني، وهذا المطلب تجسد والحمد لله على يد الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة الذي بادر إلى تعديل الدستور السنة الماضية، ولكن يبقى بعد عملية الدسترة إصدار النصوص التطبيقية التي ستترجم النص الدستوري في الميدان، وفي الواقع نحن بصدد انتظار إصدار هذه النصوص لأنه كما تعملون أي نص دستوري يبقى كأصل عام ولابد من نصوص أو مراسيم تطبيقية لكي يترجم من الناحية العملية والتطبيقية، وعليه أقول إن المنظمة الوطنية للمجاهدين ستكون وكعادتها حاضرة في هذا الإطار من خلال مختلف النشاطات والمبادرات التي ستطلقها في إطار الحفاظ على الذاكرة الوطنية وكذا كتابة تاريخ الحركة الوطنية وثورة نوفمبر المجيدة. صدرت مؤخرا تصريحات نارية لأحد المسؤولين الفرنسيين الكبار، قال فيها أن هناك خطا أحمرا بين فرنسا وبين مطلب الاعتذار الذي تطالب به الجزائر، كيف تلقيتم هذا الكلام؟ الاستعمار الفرنسي منذ مدة ليست ببعيدة كان يرفع مقولة الجزائر فرنسية ويعمل بكل الوسائل للترويج لها، ويصف المجاهدين بالفلاقة والإرهابيين، وفي النهاية خضع الاستعمار لإرادة الشعب الجزائري الفولاذية في التحرر، وجنح للتفاوض مع جبهة التحرير الوطني، ولهذا فهذه التصريحات في الواقع غير منطقية لأنه كما خضع الفرنسيون بالأمس لإرادة الشعوب التي استعمروها سيخضعون يوما ما لهذا المطلب الشرعي ألا وهو مطلب الاعتذار وفي الحقيقة هم بدأوا في ذلك بقصد أو بغير قصد. بالنسبة للتعنت الفرنسي الذي تجسد من خلال هذه التصريحات وغيرها ألا يؤثر ذلك فيكم كأسرة ثورية تناضل من أجل ترسيم مطلب الاعتذار؟ لن يؤثرا فينا مطلقا لأننا ببساطة نعرف الفرنسيين جيدا، هناك البعض منهم لا يزال متشبثا بالغطرسة الاستعمارية والفكر الاستعماري ولا يريد التنازل أو التخلي عنها، أقول فقط إن الفرنسيين الذي يتعاملون مع الشعب الجزائري بهذه العقلية البالية، يكفي فقط أن نوجه إليهم السؤال التالي، ماذا سيكون موقفهم لو رفضت ألمانيا الاعتراف بما اقترفته في حقهم النازية وتغطرست مثلما يتغطرسون ولم تعوضهم، ماذا سيكون موقفهم حينئذ؟، وعليه فلماذا ينكرون على غيرهم ما يرضونه لأنفسهم، أعتقد أن مطلب الاعتذار والتعويض الذي تطالب به الجزائر جاء على غرار ما حصل للكثير من شعوب العالم التي استفادت منه، ومنها الشعب الفرنسي الذي يحاول ساسته نكرانه على الجزائريين. وهنا اسمح لي أن أضرب لك مثالا بسيطا، ففرنسا التي ظلت تحجم عن الكلام بخصوص العديد من الجرائم ومنها مجازر 8 ماي 1945 فبعد عشرات السنين عنها يأتي السفير الفرنسي إلى مدينة قالمة ويعترف علنا بهذه الجريمة، وحتى التجارب النووية بالصحراء فبعد كل هذه السنين الآن أصبح الفرنسيون يتكلمون عنها ويعترفون بإقامتهم لهذه التجارب في الجزائر، ويؤكدون استعدادهم لتعويض الضحايا ولكن كيف يعوضون ولمن يعوضون فذلك موضوع مفتوح للنقاش، ولهذا فأنا أقول وأؤكد أننا لن تهزنا مثل هذه التصريحات والأقوال التي أعتبرها سخيفة وغير واقعية لأن الشعوب والدول التي تحترم نفسها لا تنكر على غيرها ما ترضاه وتطالب به لنفسها. السفير الفرنسي صرح في مناسبات سابقة بطريقة فيها نوع من الاستهتار أن الاستعمار الفرنسي للجزائر كان خطأ، كيف تعلقون على هذه الازدواجية في الموقف الرسمي الفرنسي؟. السفير الفرنسي قال إن ''استعمار فرنسا للجزائر خطا يؤسف له''، فإن كان كذلك فكيف لدولة بحجم فرنسا تدعي الحضارة وحقوق الإنسان، يوجد بها وفي مؤسساتها مسؤولون يفكرون بهذه الطريقة، في الحقيقة هذا نوع من التناقض، نحن ننصح الفرنسيين بأن يكونوا واقعيين ويكونوا في مستوى هيبة الدولة الفرنسية وحجمها، لأن هذا القول تقزيم للموضوع وتهرب من المسؤولية. كيف لدولة أن تستعمر شعبا 132 سنة كاملة، ثم تأتي هكذا بكل بساطة وتقول إن الاستعمار والاضطهاد والاستعباد الذي تم طيلة هذه المدة الزمنية الطويلة هو خطأ يؤسف له، لاشك أن مثل هذا الكلام فيه ما فيه من الاستخفاف، وفرنسا مطالبة آجلا أم عاجلا أن تقول الحقيقة كاملة عن ماضيها الاستعماري وليس الاكتفاء بمثل هذا الكلام، فالجزائريون لم يعتدوا عن فرنسا ولم يسيئوا لها، وهي المطالبة بالاعتذار لهم، وأنا أطلب من الشعب الفرنسي أن يتخلص من هؤلاء ويربط مصيره بعلاقات واقعية ومتينة مبنية على الاحترام المتبادل، وأن لا يولي أي اهتمام لمثل هذا الكلام البعيد عن الحقيقة التاريخية. بالنسبة لقضية التعويضات التي تكلمت عنها فرنسا لضحايا التجارب النووية هل هي كافية بنظركم؟ اعتراف فرنسا بأنها قامت بإجراء تجارب نووية محظورة في الجزائر، وأنها مستعدة لتعويض المتضررين من الإشعاعات الناجمة عنها، هذا الاعتراف في الواقع سيمس الجزائريين والفرنسيين المتضررين على حد سواء من الذين كانوا في الجيش الفرنسي أو في مخابر البحث من المهندسين الذين أشرفوا على تلك التجارب، وفي الحقيقة هذا الاعتراف هو خطوة في انتظار خطوات أخرى من قبل فرنسا من أجل تحمل مسؤوليتها التاريخية كاملة غير منقوصة، ويبقى هنا أن أشير إلى ضرورة أن لا يكون العمل من جهة واحدة أي من جهة الفرنسيين الذين لا ينبغي أن ينفردوا بهذا الموضوع ويفرضوا وجهة نظرهم، فالواجب أن يكون العمل مشترك بين الجزائروفرنسا ويجب أن يكون هناك فوج عمل مشترك من أجل تحديد أولا نوع التعويضات ودرجاتها وأنواعها . فلا يجب باب حال من الأحوال أن ينحصر التعويض في الأشخاص، لأن فئة المتضررين أوسع من هذا، فالطبيعة تضررت بفعل هذه التجارب والحيوان تضرر والنبات تضرر، وتبعا لذلك التعويض يجب أن يشمل جهتين، الجهة الأولى التي يدفع لها التعويض هم الأشخاص المتضررون، أما الجهة الثانية فهي الدولة الجزائرية كنتيجة لتضرر إقليمها بما فيه من حيوان ونبات وأرض. لنعد إلى موضوع التوثيق لتاريخ الثورة ورموزها عن طريق الأفلام، مثل فيلم مصطفى بن بولعيد، هل من مبادرات في هذا الإطار؟ لقد تناولنا خلال دورة المجلس الوطني للمنظمة التي عقدت في ولاية خنشلة، موضوع دعم كتابة تاريخ الثورة والحركة الوطنية، وتقرر في هذه الدورة أن نقوم بإنشاء بنك معلومات حول كل المعارك والأحداث التي عرفتها الثورة، وهذا بجمع كل المعطيات على مستوى القسمات والمكاتب الولائية على أن يتم تجميعها لاحقا مركزيا في شكل بنك معلومات تمكن كل راغب أو باحث من الاطلاع بشكل مدقق حول جميع الأحداث والمعارك التي خاضها جيش التحرير، كما تقرر أيضا أن تقوم المنظمة بدعم كل مجاهد يرغب في كتابة مذكراته الخاصة من أجل توثيق المعلومات التي بحوزته وتمكين الباحثين والمشتغلين في حقل التأريخ من الاستفادة منها ونقلها للأجيال على اعتبار أن من يصنع التاريخ لا يستطيع أن يكتب التاريخ. هل أنت من المقتنعين حقا بهذه المقولة؟ أجل أنا من الذين لديهم قناعة راسخة بأن من يصنع التاريخ لا يستطيع أن يكتبه لعدة اعتبارات لأن من يكتب التاريخ يجب أن يتجرد من الذاتية وهذه لا يمكن أن تتوفر لدى المجاهد الذي كان طرفا في صناعة هذه الأحداث المهمة. متى نرى مذكرات السعيد عبادو؟ في الوقت المناسب وعما قريب إن شاء، أؤكد لكم أني أفكر في الموضوع بجد. كلمة أخيرة أشكر جريدة ''الحوار'' على هذه الاستضافة، وأوجه إلى كل الشعب الجزائري وكل أعضاء الأسرة الثورية التهاني القلبية الحارة بمناسبة عيد الاستقلال الأغر، كل عام والشعب الجزائري بكل خير على درب العمل والكد من أجل رقي الجزائر وازدهارها.