لا السنوات المتعاقبة ولا الإنجازات الحديثة المتوالية في سجل الصحة الجزائرية أنست الجزائريين مستشفى مصطفى باشا، هذا القطب الصحي الجامعي والإرث التاريخي، نظرا للخدمات الصحية التي ما يزال يقدمها للمواطنين الذين يقصدونه من كل حدب وصوب بمن فيهم أولئك القادمون من أقصى الصحراء. اختصاصات مستشفى مصطفى باشا الجامعي العديدة والمتنوعة فاقها ما تقدمه ''مصلحة الجراحة الصدرية وجراحة الأوعية وزراعة الكلى '،' المصلحة المرجع على المستوى الوطني من ناحية الكم والنوع. فقد تمكن الساهرون عليها من إنقاذ العديد من المرضى الذين فقدوا الأمل في الحياة بفضل طاقمه الشاب الكفء والطموح. بفضل عملها الدءوب في معالجة المرضى استطاع كل من أقسام الجراحة الصدرية وجراحة الأوعية وزراعة الأعضاء أن تصنع لنفسها سمعة تعدت حدود الوطن. فالانطباع المستشري عنها يعكس بصدق حقيقة أن مستشفى مصطفى باشا الجامعي قطب سياسي كون كفاءات المصلحة نالت اعترافات من أعلى المستويات في الدولة. النظافة.. الاستثناء الذي صنع القاعدة في القسم رغم ما يقال وما تحمله التقارير اليومية عن مستشفيات العاصمة والتي تقر بانعدام النظافة في دورات المياه وقاعات العلاج وغياب التعقيم، إلا أن مصلحة الجراحة الصدرية لمستشفى مصطفى باشا يمكن إدراجها ضمن المستثنيات حيث يسهر المشرفون عليها وبكل صرامة على ضمان النظافة الكاملة . وفي هذا الإطار أكد المدير السابق للمستشفى أنه ''تم إبرام عقود مع المؤسسات الخاصة في مجال النظافة على أساس تجربة شملت بعض المصالح التي تعرف اكتظاظا مثلما هو الشأن بالنسبة لمصلحة الجراحة الصدرية، مصلحة العظام وكذا مصلحة الاستعجالات الطبية الجراحية والواقع اثبت ذلك. الساهرون على مصلحة الجراحة الصدرية وزراعة الكلى، استبقوا فيما ذهب إليه وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات ''السعيد بركات'' عندما قرر ارتداء قفاز من حديد لفرض النظافة في المستشفيات من منطلق أن النظافة في المحيط الطبي هي من أساسيات العلاج. وقد يجد هؤلاء في قرار الوزير كل الدعم لتحويل هذا الاستثناء إلى قاعدة معممة على بقية الأقسام الاستشفائية الأخرى وفي ذلك قدوة لمن يريد الاعتبار. 40 عملية زرع سنويا.. المصلحة أمل للمرضى تسجل الجزائر سنويا حوالي 4500 حالة جديدة من مرضى القصور الكلوي المزمن، فيما يتراوح عدد المصابين بمختلف الأمراض التي تصيب الكلى ما بين 5 إلى 6 ملايين شخص، أما عدد المصابين بالقصور الكلوي فيقدر ب14 ألف مصاب. وحسب الإحصاءات المتوفرة لدى الجمعية الجزائرية لأمراض الكلى . أكد البروفسور '' طاهر ريان'' في لقاء علمي نظم مؤخرا لعرض آخر التطورات التي بلغتها الجزائر في مجال زراعة الكلى أن توقعات 2010 تؤكد أن عشرة آلاف إصابة محتملة بالقصور الكلوي تكون بحاجة إلى تصفية دم مما يسمح بمضاعفة العدد إلى 30 ألف في حدود .2020 إذن الواقع ينذر بالخطر لدى هؤلاء فلا حل لدى المصابين سوى اللجوء إما إلى غسيل كلوي بشكل دوري أو نزع الكلية، وأمام الإمكانيات المحدودة نجد المريض يعيش في صراع من أجل البقاء ولاسيما أنه يحتاج إلى 3 دورات منتظمة أسبوعيا و 4 ساعات في كل جلسة مثلما متعارف عليه عالميا مع ضرورة التزام المريض بالأدوية التي توصف له مرفقا بحمية غذائية هذا ليس بالشيء الهين. وتشير الدراسات الطبية إلى أن تكلفة مرضى القصور الكلوي تعادل 40 إلى 60 مليون دولار أي 25,2 بالمائة من الميزانية العامة للصحة، وهو ما يشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة حسب المختصين الذين كشفوا أن الحل يكمن في زراعة الكلى. وفي الشأن وحسب الإحصاءات الرسمية تم زرع نحو 900 كلية بالجزائر ، استحوذت مصلحة زراعة الكلى بمستشفى مصطفى باشا الجامعي لوحدها حسب رئيس المصلحة البروفسور شاوش على حصة الأسد منها أي 450 عملية منذ بدء العمليات بمعدل 35 إلى 40 عملية سنويا ، حيث كانت أول عملية زراعة كلية في 14 جوان 1986 بقسم الإنعاش بهذا المستشفى، وهو الجهد الذي مكن الجزائر من احتلال المرتبة الأولى في المغرب العربي حيث سجلت في سنة 2007 رقما قياسيا في المجال بمجموع 116 عملية زرع للكلى، وهي أرقام رغم النجاح إلا أنها لم تدرك بعد المقاييس الدولية وتوصيات المنظمة العالمية للصحة التي تحدد 6 عمليات زرع لكل مليون ساكن في حين لم تصل في الجزائر إلا 5,3 عملية لكل مليون ساكن. وعليه فإن الإستراتيجية الجديدة المسطرة من طرف الوصاية تصبو إلى زرع 200 كلية سنويا، حيث حققت الخدمات الصحية في مجال زراعة الكلى قفزات نوعية، والواقع الميداني يشهد على هذه القفزات التي أحدثت تطورا ايجابيا في نوع الخدمة وجودتها وعدد المستفيدين منها.. فأثناء الزيارات التي قادتنا إلى مصلحة زراعة الكلى وجدنا أن الكل يؤمن بضرورة التدخل لتحسين هذه الخدمات بشقيها الوقائي والعلاجي وتطويرهما بما يحقق حاجة المرضى الذين أثقلتهم المراجعات للقطاع الخاص، مع التأكيد على ضرورة نجاح العمليات حتى وإن كانت النتائج منذ البداية تبدو مستحيلة. وخلال تواجدنا بمصلحة زراعة الكلى صادفنا حاليتن لزرع الكلى وجدناهما في حالة جيدة، فبالإضافة إلى الرعاية الشديدة التي تلقوها وكذا نصائح الأطباء المشرفين على العملية، يقول (ب.م) من ولاية المدية ''كنت أعاني شقاء التنقل لإجراء عملية غسيل الكلى ... لكن بعدما أبدى أخي استعداده للتبرع بالكلية بقدر ما فرحت كنت أخشى عدم نجاحها فكان من الصعب تقبل الأمر حيث بدا لي ذلك مستحيلا ... لكن بعد الجلسات المريحة التي جمعتني بطاقم المصلحة ولاسيما أثناء التحاليل اقتنعت بجدواها .. و الآن احمد الله على هذه النعمة فأنا ولدت من جديد واستعدت عافيتي''. أما المريض الثاني فاكتفى بالقول إنه لا يصدق وجود مثل هذا الاهتمام في الجزائر. وفي هذا الشأن يؤكد البروفسور شاوش نجاح مثل هذه العمليات، حيث لم يتعد عدد الوفيات 2 من بين 450 حالة أجريت لها عملية زرع الكلية، وهذا بسبب مضاعفات أخرى كإصابة المريض بالسكري أو ضغط الدم ولا علاقة لها بتقنيات الجراحة وهي نتائج يعتبرها رئيس المصلحة مشجعة تدفعه وطاقمه الطبي لبذل مجهودات أكبر. وحسب الدكتور لعريبي أخصائي في قسم الجراحة الصدرية بنفس المصلحة، فإن مدة مكوث المتبرع بالكلية بالمستشفى لا تتعدى 5 أيام في حين المستفيد من العضو ما بين 15 إلى 21 يوما على الأقل حتى يتمكن من الاستفادة المستمرة من العناية وكذا معرفة مدى تأقلم جسمه مع الأدوية. أما عن الوقت الذي تستغرقه العملية فيقول المتحدث ''في البدايات الأولى أي في التسعينيات كانت تستغرق 6 ساعات والآن لا تتعدى 3 ساعات. أما التحاليل سواء بالنسبة للمتبرع أو المستقبل فتتطلب الكثير من الدقة مثل دقة العملية مع الإصرار على توفير عدة شروط كتقارب البطاقة المناعية في الأجنة أي من الأقارب دون أن يتجاوز سن المتبرع 65 الى 70 سنة تجنبا لمضاعفات أخرى تهدد حياة المتبرع''. أجواء توحي بالأمن والاطمئنان من يقصد مصلحة الجراحة الصدرية وزراعة الكلى لمصطفى باشا يحتضنه طاقم كله تفاؤل بأنه قادر على التغلب على المرض. فالمصلحة تعد مركزا مرجعيا على المستوى الوطني. أحد المرضى القادمين من ولاية ورڤلة يقول ''محظوظ من يستفيد من سرير بهذه المصلحة خاصة إذا أجريت له العملية، فالمصلحة وجدتها مثلما رسمت صورتها في مخيلتي... بعدما فقدت الأمل في قسنطينة حيث كنت أعالج، حيث أكدت لي الطبيبة عدم نجاح العملية مسبقا ووجهتني إلى العاصمة ... نجحت العملية... وفعلا وجدت اهتماما كبيرا لم أكن أتوقعه من طرف الطاقم الطبي أو شبه الطبي''، مستغربا الزيارة اليومية التي يقوم به الفريق رفقة رئيس المصلحة إلى المرضى كل صباح رغم أن الأمر عادي بالنسبة لأي طبيب له ضمير مهني ويقدس عمله، و هو نفس القول الذي أكده لنا أحد المرضى من ولاية قسنطينة الذي يعاني من مرض سرطان الرئة ''حاولت دخول المستشفى بقسنطينة التي أقطن بها عدة مرات لكن البيروقراطية حالت دون ذلك، فالطبيب رئيس المصلحة تجنب تشخيص حالتي بدعوى أنها مستعصية بالإضافة إلى خوفه من عدم نجاح العملية ...إلا ان مكالمة هاتفية لمصلحة مصطفى باشا كانت كافية لإنقاذي ... فلدي 10 أيام هنا؛ يقول المريض الذي أجهش بكاءً، ...لا اصدق أن البروفسور مرفقا بفريقه يتفقد حالة المرضى الصحية كل صباح ومداومة مستمرة ...لا أصدق''. في حين عبرت أخرى من ولاية الوادي عن ارتياحها نظرا لما لقيته من رعاية بذات المصلحة ''هذا ما جعلني أنسى عناء التنقل وعبء التكاليف... فأنا أفضل العلاج بهذه المصلحة وأخضع بانتظام للكشف الدوري بعدما فقدت الثقة بمختلف المستشفيات التي اتجهت إليها في البداية ورفضت استقبالي''. عائشة، كمال، محمد... عينة صغيرة من مرضى أرادوا البقاء بالمستشفى لوقت أطول نظرا لتعلقهم بالطاقم الذي أنقذ حياتهم بعدما كانوا يعدون الأيام التي بقيت لهم في هذه الحياة، تقول عائشة من تلمسان. فالعناية بالمصلحة تتوفر على كل الشروط الضرورية التي تؤنس المريض وهو في سريره قابعا بالمستشفى، عناية دائمة ومستمرة، أدوية متوفرة، غذاء متكامل، نظافة، هذا ما لمسناه ونحن نتجول بين أجنحة المصلحة لاستجواب عينات من المرضى. هي انطباعات مختلفة لكنها مشابهة وتتقاطع في فكرة واحدة وهي الرعاية والاهتمام كونهم متعطشون الى مثل هذه السلوكات النادرة في مستشفياتنا التي تكثر فيها المحاباة والبيروقراطية، كلهم قادمون من مختلف مناطق الوطن بشار، تمنراست، باتنة، تلمسان، وهرانوقسنطينة. نجد 48 ولاية مختزلة في مصلحة واحدة ... اختاروا العاصمة نظرا للكفاءة التي يمتاز بها طاقم المصلحة وكلهم اعتزازا وقناعة بأن الجزائر تزخر بكفاءات محترمة، لكن هذا الشيء ليس بالهين يقول لعريبي ''رغم وجود مصلحة الجراحة الصدرية بكل من وهرانوقسنطينة إلا أننا نستقبل المرضى من 48 ولاية''. وهو سؤال يتركه مطروحا على الوزارة الوصية. فالمطلوب، حسبه، تفعيل الهياكل لكي تؤدي دورها المنوط بها مع العمل على تطوير مثل هذا التخصص كون عدد المختصين لا يستجيب لعدد المرضى المتزايد.