جميل أن يجمع الإنسان بين حسن مظهره وجمال مخبره بحيث يكون ظاهره صورة لباطنه في الحسن، ومن الجميل أيضا أن يكون مخبر الإنسان جميلا حتى لو وصف بسوء المظهر لعلة لازمة أو عجز لا يمكن دفعه أو عزوف عن تحسين المظهر عن رغبة واختيار، ولكن ما ينفر منه المرء ديانة وطبعا أن يكون المظهر جميلا والمخبر سيئا عن قصد واختيار وسوء طوية، ولهذا فقد عاب الله عز وجل على المنافقين هذا الخلق فقال: ''وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة'' وفي هذا المعنى قال الشاعر: ترى الرجل النحيف فتزدريه *** وفي أثوابه أسد مزير ويعجبك الطرير فتبتليه *** فيخلف ظنك الرجل الطرير ومما يؤسف له أن الناس في كل زمان ومكان ينخدعون بالمظاهر، ويبنون عليها أحكاما تكون خاطئة في كثير من الأحيان، بل ربما عادت عليهم بالوبال إن أقاموا عليها علاقات أو ربطوا بها رباطات، وما هذا إلا لسذاجتهم وفكرهم المحدود وعدم اهتمامهم بالأسس الحقيقية التي تبنى عليها الأحكام وتقام عليها العلاقات، وهي التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم بأوجز لفظ وأحسن تعبير حين قال: ''إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم'' أي أنه لا يحاسبكم على ما ليس لكم سلطان عليه من اللون والشكل والجنس ولكن يحاسبكم على الأعمال والأخلاق التي تأتونها أو تذرونها، وهذا معيار عادل في الحكم على الأشياء غاب في زماننا فصارت حياتنا فوضى في جوانب كثيرة منها. ومن النوادر التي تدخل في هذا الباب حكاية تلك العجوز التي التقت بشيخ يضع عمامة على رأسه ويركب حمارا له وعليه علامات المهابة والوقار فاستوقفته وبادرته بالسؤال قائلة: يا شيخنا الكريم ما قول الشرع في المسألة الفلانية وعرضت عليه مسألتها، فرد عليها متعجبا: وما أدراني بهذا الأمر إني جاهل ولا قبل لي بالفتوى، فقالت له وعلامات الدهشة وعدم التصديق بادية عليها: أتضع هذه العمامة على رأسك ولا تعرف فتوى مسألة كهذه؟ وهنا قام الشيخ بنزع العمامة ووضعها على رأس الحمار وقال لها: إذا كان الأمر كذلك فها هو الحمار يضع العمامة فاسأليه! وليت الأمر اقتصر على الجهل فقط وإلا لكان الخطب أهون والمفاسد أقل، ولكنه تجاوز ذلك بأشواط كثيرة فصارت المظاهر الحسنة تخبأ وراءها الخداع والمكر والشرور والموبقات وسوء الأخلاق والأعمال، وأصبحت الظاهرة عامة في المساجد والجامعات والأسواق... بل إنها اجتاحت العلاقات الاجتماعية كالزواج والمصاهرة والجيرة وسائر الارتباطات التي يحتاج فيها الناس إلى بعضهم وقد صدق من قال: ''الحمد لله أني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين'' ولعل الاختصار أوفق للمقام وبهذا القدر تكون نهاية الكلام.