لقد دونت ثورة التحرير، طيلة أعوامها القاسية في سجل ذاكرة الأمة محطات كبرى، وسلسلة من المعارك المشهودة، ومآثر خالدة، وأعمالا جساما لم يسجلها فرد بعينه، بل كانت من زخم الشعب ومن رحم ضميره الباطني والجمعي، والتي تستحق كل التقدير والاهتمام. ومن بين المحطات البارزة التي تعيد للذاكرة الجمعية أحداثها، مظاهرات 11 ديسمبر 1960، ذكرى خالدة في سجل إنجازات الشعب الجزائري الأبي الذي جسد روح التضامن والوحدة وعبر بصدق للعالم أجمع عن مطلبه السامي لحرية وطنه. مدركا أن لا بديل عن الاستقلال، غير الفعل الثوري. هذه الذكرى الخالدة في نفوس من عايشوها من المجاهدات والمجاهدين، أو ممن اكتووا بنارها من أبناء وطننا المفدى، كانت من بين الحلقات الأخيرة، لملحمة نوفمبر الثورة، حيث تكسرت فيها أسطورة الجزائر الفرنسية، وذابت فكرة الاستقرار الاستعماري الحاقد، وبينت في الوقت ذاته سياسة المحتل وفضحت مشاريعه وعرت منهجه، ودحضت أسلوبه في التعامل مع أبناء الثورة الجزائرية. لقد عبرت تلك المظاهرات الجماهيرية، مرة أخرى، عن أهمية الكفاح المسلح، وتظافر جهود الشعب، والتحام كافة فئاته، فلقن درسا للاستعمار الغاشم آنذاك، فانكشف وجه الاستعمار الكالح في أوساط المجتمع الدولي، شرقيه وغربيه ليعلو صوت الجزائر، مرة أخرى في المنابر الدولية والهيئات والمؤسسات العالمية، مؤكدا للجميع صدق الرسالة، و أحقية المطلب الشعبي في افتكاك حريته، وتجسيد سيادته ورفع علمه. أحداث 11 ديسمبر كشفت وحشية فرنسا الاستعمارية عاشوا ويعيشون على وقع أحداث الحادي عشر من ديسمبر 1960 واتخذوا من الثورة الجزائرية المضفرة ذاكرتهم وماضيهم الوحيد.. شربوا من مرارة وبطش الاستعمار الفرنسي الغاشم الذي نكل بهم أيما تنكيل. التقينا بهم ليرووا لنا ما شاهدوه خلال هذه المظاهرات فعشنا معهم الحدث. المجاهد رابح مشهود: 11 ديسمبر فضح المؤامرة الاستعمارية يوم 11 ديسمير لم أكن متواجدا في المدينة بل كنت في الجبل رفقة إخواني المجاهدين ..11 ديسمبر حدث هام جدا لأنه قام بفضح المؤامرة الاستعمارية الحقيقية وأبطلت الادعاء الفرنسي الذي كان ينادي ''بالجزائر فرنسية''. في هذه الأثناء جاء الجنرال ديغول إلى الجزائر وبدا جولته من الغرب الجزائري وهنا أطلق لعبته الجديدة تحت شعار ''الجزائر جزائرية فكان الرد الشعبي قويا من خلال المظاهرات التي عمت جميع القطر الجزائري. وهنا أؤكد على أن وسائل الإعلام الغربية ذكرت في ذلك الوقت بان المظاهرات حدثت في العاصمة فقط لان هذا الإعلام كان يغطي الأحداث التي تجري في العاصمة. المظاهرات عمت أرجاء الوطن وعرفت خروج كل شرائح المجتمع رجالا ونساء أطفالا وشيوخا.. هناك من قال إنها بدأت من حى بلكور وهناك من قال إنها بدأت من المدنية ثم انتقلت إلى ولايات الشرق والغرب. هذه الأحداث زادت من قوة دبلوماسية الثورة سواء على مستوى الأممالمتحدة او الجامعة العربية او حتى على مستوى المنظمات الطلابية. يبقى الشيء الوحيد بخصوص المظاهرات الذي احب أن اؤكد عليه هو ان هناك من يقول إن المظاهرات جاءت بناء على أوامر الحكومة المؤقتة وهناك من يقول انها كانت بأمر من جبهة التحرير الوطني. ولكن من وجهة نظري الحقيقة أن هذه الأحداث كانت نتاج الثورة، ولم تستطع الاجهزة الاستخبارية الفرنسية التي انشأت نظاما سياسيا خاصا يعتمد على التوجيه النفسي من اجل ردع الثورة الجزائرية وقف الثورة التحريرية، لكن النظام السري الجزائري استطاع أن ينتصر على الأجهزة الفرنسية التي لم تكن تتوقع الحدث بعد رفعها شعار الجزائر جزائرية فنحن كنا نتعامل مع كل الأحداث مهما كانت نوعها سواء كانت فدائية او دبلوماسية، وكان المحافظون السياسيون في الجيش الوطني يردون على الدعاية الفرنسية وقاموا بتوجيهنا. المجاهد قرنان رابح: المظاهرات جاءت كدعم للمفاوضات هناك من يقول ان الاحداث جاءت عفوية ولكن هذه مغالطة تاريخية، المظاهرات استمرت حوالي ثلاثة ايام والشعب وقف وقفة واحدة لكي يدعم هذه المظاهرات التي كانت كرد فعل للجزائريين على فرنسا التي خسرت في اللعب بكل اوراقها من اجل القضاء على الثورة التحريرية. انا في تلك الفترة كنت مسؤولا عن خلية مسلحة في احدى الاتحاديات السرية في مرسيليا بفرنسا، ورغم تواجدنا هناك الا أن كل المعلومات كانت تصلنا وكنا على اطلاع على كل ما يحدث في الجزائر اثناء الثورة تم تقسيمنا الى قسمين قسم خاص بالاعمال الفدائية وقسم خاص باعمال التخريب ضد المستعمر، هذا الاخير اختص بتخريب وتقتيل المستعمر والمنشات التابعة له حتى حيوانات المستعمر كنا نقتلها. المجاهدة زهرة سليمي دارنا يا معقل الثوار.. في تلك الفترة وبالتحديد في شهر ديسمبر تنقلني الذاكرة إلى حي القصبة العتيق حيث ولدت وترعرعت ''دارنا يادارنا يامعقل الثوار اتذكر هذه العبارة جيدا فكان منزلنا مأوى للثوار.... كان اهلي كلهم في السجون وانا رفقة الثوار كنا دائما على استعداد لاي مواجهة ضد العدو في سبيل تحرير الوطن . ويوم 11 ديسمبر كنت في بيتي وخرجت على وقع هتاف ''تحيا الجزائر'' والتحقت بوفود الجماهير التي كانت نتيجة اطلاق فرنسا شعار الجزائر جزائرية وكانت البداية من الساعة 11 سا صباحا خرجنا ا بقوة مرددين'' تحيا الجزائر.. الجزائر للجزائريين فقط'' وكنت في ذلك الوقت اصنع الأعلام الوطنية وهنا يستحضرني اول علم قمت بخياطته كان مزيجا من ''الطافطا والفينة''، ومن ثم بدأت بصناعة الأعلام التي كانت توجه إلى مختلف الولايات وحتى إلى تونس وبعض الدول الاخرى. لقد كنت في الصف الأول للمتظاهرين وعندما راني جينرال فرنسي اهتف بقوة تحيا الجزائر طلب من جنوده القبض علي ومن شدة بطشهم لي خلعوا مني معطفي ولكني استطعت أن افلت من بين ايديهم. المجاهدة بالقمبور فريدة خديجة لولا وقوف المرأة الجزائرية إلى جانب الرجل لما حققنا الاستقلال بكل حماسة استرسلت خديجة في سرد ذكرياتها إبان الثورة التحريرية وقالت: تجندت عام 1959 بكل سهولة وكنت أنشط على مستوى الولاية الثانية وبالتحديد في دوار بني يفتح التابع للميلية، حيث كان الثوار ينادونني فتحية نسبة للمنطقة التي لم يكن فيها كثيرا من السكان وهي منطقة محررة وكنت ايام الثورة اشتغل كممرضة. في يوم 11 من ديسمبر عام 1960 طلب منا المسؤول علينا عبد القادر بوشريط ان نخرج في مظاهرات، وكنا رفقة عدد قليل من المجاهدات واخذنا الاعلام الجزائرية وتوجهنا نحو احدى الثكنات العسكرية الفرنسية وكان البرد قارسا نتيجة الطبيعة الجبلية للمنطقة، ورحنا نردد ''يالي تحب شمال افريقيا تشاركنا في الوطنية بركة ربي والرسول انجيبو الحرية، درابونا ا نجمة وهلال تجندنا نساء ورجال واذا لازم نزيدو الذرية... ''. وواجهنا المستعمر بكل قوة وقاموا بضرب المجاهدة التي كانت تحمل العلم اسمها ''مليكة'' وسقطت على الارض وكان المجاهدات يطلبن منها ان يبقى العلم مرفوعا وفعلت ذلك، وبقينا حتى المساء ثم رجعنا الى بيوتنا.