من كان يتوقع أن يتمكن المنتخب الوطني الجزائري من بلوغ نهائيات كأس العالم، ثم من كان ينتظر تألقه في نهائيات كأس إفريقيا، وإزاحته أبرز المرشحين لنيل اللقب الإفريقي، على غرار مالي وكوت ديفوار. ولم يحزن أي جزائري لإقصائنا من نصف النهائي، لأنه لم يكن رياضيا، وكأن لسان حال ''محاربي الصحراء يقول: ''لا نريد إفريقيا.. فلنا العالم''. وكم كان التأهل إلى المونديال جميلا، ففيه أثبت زملاء ''ماجيك'' أنهم فعلا سحرة، أبهروا الجميع بأدائهم الراقي. أغلب المتتبعين كانوا يؤكدون قبل عامين، أن مهمة رابح سعدان ستكون محفوفة بالمخاطر، وسيكون مآلها الفشل، مثلما فشل من سبقوه، لاسيما المدرب الفرنسي، جون ميشال كافالي. ويجب الاعتراف في هذا الصدد أن ملامح المنتخب الوطني الحالي كانت قد بدأت في الظهور خلال المباريات الودية عالية المستوى التي أداها زملاء بلحاج أمام الأرجنتين والبرازيل. فمجيئ سعدان على العارضة الفنية ل ''الخضر'' سبقته مفاوضات ماراطونية من طرف رئيس الفاف، محمد روراوة الذي عاد هو الآخر ليتسلم مهام إدارة قصر دالي ابراهيم، بعد إلحاح من أغلب رؤساء الأندية. التحاق غزال، جبور، يبدة، مغني وعبدون زاد الفريق قوة بدأ العمل، ووضع ''الشيخ'' ورقة طريق، أهدافها كانت التأهل إلى تصفيات كأسي العالم وإفريقيا، وتكلل النجاح، وفعلهه زملاء صايفي عندما أزاحوا منتخب السنغال في اللحظات الأخيرة من مباراة ''مجنونة''، وضعتهم في مجموعة صعبة رفقة مصر وزامبيا ورواندا. الحلم بدأ يكبر، ومعه بدأ الحديث عن قرب التحاق لاعبين محترفين جدد لتدعيم التشكيلة الوطنية، ليأتي جبور وغزال ويحلان مشكل عقم الهجوم، قبل أن يلتحق مغني ويبدة وعبدون لتعزيز خط الوسط، في انتظار التحاق مهدي لحسن. المونديال بدأ بأحلام زياني.. وتحقق بصاروخية عنتر بأم درمان وللتاريخ، فإن أول من تحدث عن إمكانية تأهل ''محاربي الصحراء'' إلى مونديال جنوب إفريقيا، هو صانع الألعاب، كريم زياني، الذي فاجأ الجميع حينما أكد أنه سيسعى رفقة زملائه لافتكاك ورقة التأهل إلى المونديال. هذه التصريحات لم تعجب كثيرا الناخب الوطني رابح سعدان، المعروف بتحفظه الشديد عندما يتعلق الأمر ببلوغ الأهداف ''لأني شخص لا يحبذ قطع وعود لا يمكنني الإيفاء بها''، وكبر حلم المونديال بعد العودة بتعادل ثمين من رواندا، وقبله كان المنتخب المصري قد تعادل فوق أرضه أمام المنتخب الزامبي، وهو ما زاد الحلم أكبر، باعتبار أننا تيقنا جميعا أن ''الفراعنة'' فقدوا الكثير من البريق والتألق الذي سمح لهم ببسط سيطرتهم على كأس إفريقيا في 2006 و ,2008 وأن فرصة ''الخضر'' في بلوغ المونديال أصبح ممكنا. وتوالت النتائج الإيجابية ل ''الخضر'' في مشوار التصفيات، ففوز على مصر بالبليدة، بالأداء والنتيجة، ثم 3 انتصارات متتالية اثنان منها أمام زامبيا، ذهابا وإيابا، وآخر أمام رواندا، قبل الخسارة أمام مصر بطريقة، ك ''العادة''، غير رياضية، ولا داعي للعودة إليها. والتقى الجمعان مجددا في فاصلة السودان، يوم 18 نوفمبر ,2009 بمدينة أم درمان، بالخرطوم، وعلى ملعب المريخ، اقتلع عنتر يحيي هدفا تاريخيا، بلغت سرعته 100 كلم/الساعة، هز به شباك الحضري، وأهدى به الجزائر أجمل تأهل إلى المونديال. مشوار رائع ومستقبل يعد بإنجازات أروع وبالعودة إلى معدل عمر لاعبي المنتخب الوطني المقدر ب 24 سنة، فإن هذا يعد بمستقبل جميل للكرة الجزائرية، التي سجلت عودتها إلى الساحة العالمية بإقتدار، والموعد سيكون في جنوب إفريقيا، لتكريس هذه العودة خلال المشاركة في المونديال بعد غياب عن الطبعات الخمس الماضية. والمهم الآن هو التركيز على دعم هذا الفريق، وتجديد الثقة في اللاعبين والطاقم الفني بقيادة رابح سعدان، الذي أثبت مرة أخرى أنه مدرب من الطراز العالي، وأثبت كذلك أن الكفاءة موجودة بالجزائر، ولا داعي للبحث بعيدا. سعدان يدعو إلى الاستمرارية عبر العودة للتكوين وجدد الناخب الوطني دعوة السلطات، والقائمين على الرياضة ببلادنا، إلى وضع سياسة كروية جديدة من أجل ضمان تواصل النتائج، من خلال العودة إلى التكوين لدى الأندية، ''وهو السبيل الوحيد الذي سيسمح لنا بضمان الحصول على لاعبين محترفين قادرين على رفع لواء المنتخب الوطني، والحضور بشكل دائم في المحافل الدولية، لاسيما كأسي العالم وإفريقيا''. ولا يفوت سعدان الفرصة، كلما أتيحت له الكلمة، في انتقاد الأندية الجزائرية، وكذا اللاعبين المحليين، الذين ''لا يبذلوا الكثير من المجهودات، وهو ما يصعب مهمة الناخب الوطني في إيجاد لاعبين من ذوي المستوى، ولذلك أدعو اللاعبين الجزائريين إلى السعي نحو الاحتراف بأوروبا، من أجل تطوير إمكاناتهم. أنظروا إلى حليش، وكيف تمكن من تطوير إمكاناته بعد التحاقه بالبطولة البرتغالية.'' ويبقى الأهم في الوقت الحالي، مواصلة العمل على هذا المنوال، وتأكيد صحوة الكرة الجزائرية، عبر الإسراع في تنفيذ سياسة الاحتراف في البطولة الوطنية.