من الغريب جدا أن يخرج الإنسان عن طبيعته التي فطر عليها، فكل شخص خلق لما هو مسخر له، إلا أن المتغيرات التي فرضها علينا عصرنا الحالي ألغت الكثير من الخصوصيات المتعلقة بالرجل و المرأة. اكتسب كل من الرجل والمرأة مع الوقت مقومات جديدة أفقدتهما صفاتهما الأساسية، فالرجل الصلب، القوي والمفعم بالرجولة أصبح اليوم في خبر كان، فلم يبق من الرجال إلا أشباه الرجال الذين يتمايلون مع هبة النسيم متنازلين طواعية عن قوامتهم التي أثقلت كاهلهم للمرأة، هذه الأخيرة التي رفضت أن تكون مخلوقا ضعيفا وقررت أن تنزع عنها عباءة الأنوثة وتدخل في مواجهة مع الرجل الذي خرج مكسور الجناح. الحديث هنا ليس على العموم وإنما على عديد الحالات التي ما فتئت تأخذ شكلا أوسع، والخوف من أن تصبح ظاهرة شاملة هو ما دفعنا للحديث عنها. فبعدما كثر الحديث عن العنف ضد المرأة أصبحنا اليوم نسمع عن عنف آخر تمارسه المرأة ضد الرجل وليس أي رجل هو زوجها وشريك حياتها، هذا الواقع أثبتته إحصاءات وأرقام عن الأزواج الذين تعرضوا للضرب من قبل زوجاتهم في الوطن العربي، كما أن الرجل المعنف لم يتحرج مطلقا في أن يرفع صوته وينشئ جمعيات خاصة للمطالبة بحقوق الرجال. وقد كشفت الدراسات أن 35٪ من النساء الكويتيات يشعرن بالمتعة بعد ضربهن لأزواجهن، فيما كشفت دراسة أخرى في مصر أن أكثر من نصف الرجال المتزوجين معرضون للعنف من طرف زوجاتهم وذلك بنسبة 6,50٪ سواء أكان العنف لفظيا أو جسديا وأن 28٪ من الأزواج قد تعرضوا للضرب فعلا، وفي المغرب أيضا بلغت نسبة المعنفين من الرجال 23 ٪ من قضايا العنف الأسري (منطقة اغادير)، وليس بعيدا عن المغرب فالجزائر هي الأخرى أصبحت مسرحا للعنف ضد الأزواج. ورغم كل مل قيل عن رجولة الجزائريين وشهامتهم وقوة شخصيتهم، إلا انه، وكما يبدو، فإن عدوى التجرد من الرجولة قد أصابت البعض منهم، فأصبحوا تحت رحمة زوجاتهم. الجزائريون يفضلون التكتم على المشكلة ... و زوجات يتفنن في تعذيب أزواجهن !؟ بالرغم من أن المجتمع الجزائري هو مجتمع ذكوري إلى ابعد الحدود، إلا أن الحالات التي نسمع عنها والتي يكون ضحيتها الزوج تجعلنا نضع العديد من الاستفهامات حولها رغم كون الشكاوى والقضايا التي تتم معالجتها في المحاكم لا تعبر عن النسبة الحقيقية للأزواج الذين يتعرضون للعنف من طرف زوجاتهم كون معظم هؤلاء الأزواج لا يحبذون فكرة التبليغ عما تعرضوا إليه من عنف لأن ذلك يتعارض مع كبريائهم وعزة نفسهم وكذلك خوفا من نظرة المجتمع التي تصنف هذه الفئة ضمن خانة المشكوك في رجولتهم. كما أن هناك من يعتبر أن هذه الأمور هي أسرار بيوت ولا يحق لأحد الاطلاع عليها، إلا أن العديد من النساء لا يجدن حرجا في الحديث عن بطولاتهن وأساليبهن في تعذيب أزواجهن مثلما هو الحال مع السيدة ''سليمة'' التي أقرت بأنها في الكثير من المرات اضطرت إلى تأديب زوجها الذي يستغل أتفه الأسباب من اجل افتعال المشاكل وإثارة غضبها، لذلك فهي دون أن تشعر تقوم برميه بأي غرض يوجد أمامها أو حتى ضربه إذا قام بضربها. السيد ''يزيد'' هو واحد من ضحايا عنف الزوجات، فكثيرة هي المرات التي كان يقصد فيها عمله وآثار مخالب زوجته مرسومة على وجهه، ورغم انه يرفض الاعتراف بالأمر إلا أن اقرب زملائه في العمل أكد ذلك، أما فيصل فهو احد ضحايا حبه لزوجته التي تستغل الأمر في حال إذا ما حاول التمرد عليها، لدرجة أنه قضى إحدى ليالي الشتاء الباردة في الشرفة عقابا له على إهانته لزوجته. أروقة المحاكم أيضا سجلت عددا من القضايا التي وصل فيها العنف ضد الزوج لدرجة القتل، وهو ما فعلته السيدة ''نعيمة'' بزوجها، حيث قامت بضربه على مستوى الجمجمة بالمطرقة وتركته إلى أن تعفنت جثته، أما ''حسين'' فلم يسلم من انتقام زوجته بعد أن قام بتطليقها، حيث اعتدت عليه بالعض والضرب مرتين متتاليتين لدرجة إلحاقها به عجزا جسديا لمدة 12 يوما، حيث ناشد الضحية هيئة المحكمة أن تكف أذى زوجته عنه. جمعيات للمطالبة بحقوق الرجل والمساواة مع المرأة!؟ المطالبة بحقوق الرجال كانت فيما مضى نكتة تتداولها ألسنة الرجال الذين ضاقوا ذرعا بالحقوق التي استطاعت المرأة أن تنتزعها لنفسها أو بالأحرى تسترجعها، في حين يرى البعض أنها تطاولت حتى على حقوقهم. اليوم نقف على واقع فيه من الغرابة ما يجعله طريفا بعض الشيء، حيث أصبحت النكتة واقعا ملموسا بظهور جمعيات للدفاع عن حقوق الرجل كجمعية سي السيد التي تأسست في مارس 2007 في مصر وتضم في عضويتها 620 عضوا تهدف إلى تعزيز المفاهيم الصحيحة لدور الرجال في الأسرة وفي المجتمع، كما تساعد على توفير فرص عمل للرجال العاطلين. إضافة إلى الشبكة المغربية للدفاع عن حقوق الرجل، حيث جاء تشكيلها، حسب ما أعلنه مؤسسوها، لتعرض الرجال للتعنيف على أيدي زوجاتهم بشكل لا يمكن إنكار وجوده وتعدد أشكاله، حيث تعمل هذه الجمعية على تحقيق المساواة والدفاع عن الرجال ضحايا العنف. التنشئة غير السوية وضعف شخصية الرجل من أهم الأسباب اعتبرت الأخصائية النفسية ''بن دايخة فتيحة'' أن من أهم الأسباب التي تدفع بالمرأة للتصرف بعنف مع زوجها هي ظروف تنشئتها التي قد تسبب خلطا في هويتها، فتأثرها بمحيطها العائلي يلعب دورا مهما في بناء شخصيتها خاصة إذا كانت شخصية احد الوالدين مسيطرة بشكل ملفت سواء تعلق الأمر بالأم أو الأب. ففي بعض الأحيان تكون سيطرة الأم واضحة من خلال تعاملها مع الأب وأحيانا يكون الأب هو المسيطر، ما يجعل الفتيات يكتسبن هوية ذكورية .وفي كلتا الحالتين يكون تأثر الفتاة واضحا مستقبلا من خلال تعاملها مستقبلا على هذا الأساس حتى مع اقرب الناس إليها. وتؤكد الأخصائية أن ما يشجع سلوك هذه الزوجات هو ضعف شخصية الرجل التي تتحكم فيها ظروف التنشئة نفسها، وهناك من يرى أن العنف الذي تمارسه الزوجة هو رد فعل للعنف الممارس ضدها في فترة من الفترات. ويعتبر الأخصائي في علم الاجتماع ''عبد اللاوي حسين'' انه لا يمكننا الحديث عن الموضوع كظاهرة في المجتمع الجزائري، و إنما هو عبارة عن مجموعة من الحالات المحصورة الموجودة في المجتمع.