المرأة لها نفس وصورة؛ وهي روح وجسد، وهي بهذا الكيان تحتاج إلى علامات في نفسها وصورتها حتى تميّزها عن الجنس الآخر، وهذه العلامات بثها الله فيها وفطرها عليها، إلا أنه بمرور الزمن وتقارب الأمم في هذا القرن جعل المرأة تفقد من علاماتها شيئا فشيئا، ومن هذه العلامات التي بدأت تُفقد: الأنوثة؛ حيث صارت تترجل وتبتعد عن الرقة واللطافة، وهذه العلامة هي علامة في نفس المرأة لا في جسدها، لأننا نرى أجساد نساء لكنها تحمل صفات رجل والعياذ بالله.والنفس لدى المرأة تقوم على قيم رئيسة هي علامة للمرأة مثل الأنوثة والأمومة، وهذه العلامات لها أبعاد جمالية خاصة، وهي من لطائف الأنثى خِلْقَةً، ومن أسرارها العميقة، وهذه العلامة صارت محل عبث لما دخلت إلى النساء أفكار فكادت أن تبعدهن عن الأنوثة ليصرن بعد ذلك أجسادا للمتوحشين.الأنوثة هي سر الجاذبية الخِلْقية في المرأة، والأنوثة في الإسلام مفهوم تكاملي لا مفهوم نقص وذم؛ ومن هنا كانت جماليته؛ أي به يُحَصِّل الرجل كمالَه من حيث هو جنس بشري، فبدونها الرجل ناقص أبداً، وكذلك المرأة في المقابل؛ لا تكون المرأةُ مرأةً إلا بالرجولة التي على الرجل أن يحفظها ويرعاها لها، فيكونُ هو رجُلا لها وتكون هي أنثى له، وهذه الجمالية التكاملية هي المذكورة في قوله تعالى: /هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنّ/ومن هنا وجدنا الإسلام ينهى بشدة عن تَرَجُّلِ المرأة؛ أي تشبهها بالرجل؛ لما فيه من فقدان الهوية الفطرية للتكامل الإنساني، ثم لما فيه من إخلال بالتوازن الجنسي والجمالي في الخلق، ولذلك نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم عن الترجل فقال: /ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المُتَرَجِّلَةُ المتشبهة بالرجال، والدَّيُّوثُ. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطى/. وفي حديث آخر: /ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الدَّيُّوثُ، والرَّجُلَةُ من النساء، ومدمن الخمر/. وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: /لعن الله الرَّجُلَةَ من النساء/.فالأنوثة حقيقة وجودية ضرورية لاستمرار النسل من ناحية، وضرورة وجودية للشعور بمعنى الحياة لدى الإنسان ذكرا وأنثى؛ والأنوثة ضرورة وجودية بما يكون من إنتاج للوظيفة البشرية في بناء الأسرة، وضرورة وجودية لاستمرار التاريخ إلى ما شاء الله، ومن ثَمَّ؛ وظيفة عمرانية في قيام الحضارات، أما الترجل النسوي إن وُجد فإنه يكون تهديداً للوجود الإنساني وخرماً لتوازنه، لأنه إذا فُقدت المرأة وذابت الأنوثة ذهب معها الشعور بالحياة، وذهب معها تكوين الأسرة، ولم يبق بذهاب هذا أي أمل في بناء الحضارة، فالرجل وحده عاجز عن ذلك كما تعجز المرأة وحدها.وهذا الترجل الذي نبذه الإسلام قد يوجد في المرأة -التي بدأت أو أرادت أن تتنكر لأنوثتها- شكلياً كما باللباس، أو طريقة الكلام، أو المشي، أو نحو ذلك من الشكليات الظاهرة، وقد يكون بدنياً بتغيير خلق الله في نفسها، بالجراحات الطبية المحرمة التي تؤثر في طبيعتها الأنثوية، ووظيفتها الوجودية، وكل هذا حرام بنص الأحاديث ومقاصد الشريعة، فقد حرم الإسلام حتى مجرد التشبه بالرجل قبل الترجل، وذلك كما في قوله عليه الصلاة والسلام: /لَعَنَ اللهُ المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء/. وقال في خصوص التشبه في اللباس: /لعن الله الرجلَ يلبس لُبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لُبسةَ الرجل/.فالأنوثة إذن؛ مقصد إسلامي وجودي وتشريعي، فما سنه في حقها إلا حفاظا على وجود الأنثى، لأن كل خَرْم له هو خَرْم لحقيقة التدين ولحقيقة الحياة، فلتحتفظ المرأة بأنوثتها، ولترفض أولئك الذين يدعونها إلى القضاء على هذه العلامة التي لن تكون شيئا بدونها.