أكيد أنَّ الحديث عن قيام الرجل بالأعمال المنزلية ليس بتلك الأهمية التي تجعل منه موضوعا قابلا للطرح والنقاش، إلاّ أنّ المستوى الذي يصل إليه النقاش في كل مرَّة كنا نطرح فيها الموضوع، جعلنا نعتقد لوهلة أنَّنا بصدد قضية تكاد تكون أكبر ممَّا تستحق، فبين مؤيِّد (النساء) ومعارض (ثلَّة من الرجال)، أخذ الموضوع جانبا آخر يعكس إلى حدِّ بعيد التغير الجذري الذي أصاب تركيبة المجتمع وطريقة تفكير الكثير من الرجال بشكل خاص، والنساء على العموم. أكيد أنَّ مشاهدة رجل يأتزر صدرية الأعمال المنزلية أو ''طابلية الشغل'' كما تعرف باللغة العامية، أو مشاهدته وهو منهمك في غسل الأواني، أو تنظيف الأرضية، من بين الأمور التي تثير الكثير من التحفظات في مجتمعنا خاصة أنَّه مجتمع ذكوري لأبعد الحدود، وفي الوقت نفسه نجد أنَّ الكثير من الرجال مازالوا أسيري اعتقاد أنَّ المرأة خلقت لخدمتهم وتلبية حاجياتهم متناسين في خضم انتشائهم بمفهومهم الضيِّق لمعنى الرجولة، ومبدأ القوامة التي لم يأخذوا منها إلاَّ ظاهرها، أنَّ قيام المرأة بخدمتهم إنَّما هو جميل لها عليهم، وهذا لا يعني أبدا أنَّه لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها بل بالعكس فخدمتها له شرف لها وكرم منها ومساعدة الرجل لزوجته كرم أكبر. وعلى العموم فإنَّ قيام الرجل ببعض أعمال المنزل في حدِّ ذاته لا إشكال فيه، خاصة أنَّ سيد الخلق ومعلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم كان يخيط نعله ويرقع ثوبه، كما كان علي كرم الله وجهه يساعد زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وحاشاهما أن يكون ذلك قد انتقص من قدرهما بل زادهما عزًّا وشرفا . قد يكون أقل شيء يقوم به الزوج لمساعدة زوجته في البيت عظيما في نظر الزوجة، فما الذي سيكلف الرجل إن قام بغسل الطبق الذي أكل فيه أو قام بوضع ملابسه في الخزانة بدل رميها على الأرض، فالحديث هنا عن مجرد أعمال بسيطة ليس عن القيام بكل أعمال البيت فهذا أيضا أمر لا تقبله أي امرأة عاقلة. شباب يرفضون الفكرة ومن خلال استطلاعنا للموضوع كانت هناك العديد من الإجابات التي فيها شيء من التهكم خاصة من طرف الشباب الذين اعتبروا أن القيام بأعمال المنزل وظيفة المرأة، وهذا ما أكده ''توفيق'' معتبرا أنَّ القيام بمساعدة الزوجة يدل على ضعف شخصية الزوج وعلى سيطرة زوجته عليه، ومثل هذه الإجابة سمعناها كثيرا. وجهة نظر أخرى ربما هي ارحم من الأولى والتي ترى أنَّه لا مانع من مساعدة الزوجة لكن فقط إن كانت مريضة في حين راح البعض الآخر يخوض في تحليل الجانب النفسي للرجل الذي يكون في منتهى السعادة والفرح عندما تخدمه زوجته حتى ولو لم يطلب هو منها ذلك، كما أنَّ هذا من شأنه أن يرفع معدل حبِّه لها. وما تجدر الإشارة إليه أنَّ بعض الرجال يجدون أنفسهم مضطرين للقيام بهذه الأعمال حتى بعد عودتهم من وظائفهم مساء بسبب مرض الزوجة أو غيابها لفترة معينة. إلا أنَّ الآراء التي جمعناها لا تعكس أبدا الواقع الذي نراه ونسمع عنه ويتعلق الأمر برجال امتهنوا الأعمال المنزلية ولا يجدون حرجا في ائتزار صدرية الأعمال المنزلية أمام الملأ، وهو ما يقوم به ''بلال'' بشكل شبه يومي كونه يعمل في الكثير من الأحيان في الفترة المسائية، ظننا في البداية أنَّ قيامه بهذه الأعمال راجع لكون زوجته امرأة عاملة إلاَّ أنَّ ما أكدَّه لنا الجيران هو أنّه يقوم بذلك حتى مع وجود زوجته في البيت. حالات أخرى شاهدناها بأم أعيننا عند قيامنا بزيارة إحدى العائلات لنفاجأ بأن الزوج هو الذي قام بتقديم واجب الضيافة من قهوة وشاي وحلويات في الوقت الذي كانت زوجته مستمتعة بتجاذب أطراف الحديث معنا، إلاَّ أنَّ هذا الوضع لم يقلق الزوج الذي بدا راضيا عن وضعه. وما أثار انتباهنا هو أنَّ الحالات التي صادفناها تتعلق برجال يحتلون مناصب تتطلب قوة شخصية وسيطرة على الوضع. رجال يساعدون زوجاتهم سرا أجمعت معظم النساء اللواتي تحدثنا إليهن أنَّ أزواجهن يقومون بمساعدتهن في القيام ببعض الأمور ليس بصفة دائمة ولكن في بعض الأحيان وحسب الظروف، إذ ترى ''آمال'' أنَّ الرجال أصبحوا متفهمين بعض الشيء للتعب والإرهاق الذي تلاقيه المرأة في سبيل خدمة زوجها وأطفالها، لذلك فإنَّ بعض الأزواج يحاولون التخفيف عن زوجاتهم بمساعدتهن لكن دون أن يفصحوا عن ذلك، وإن سألتهم فسينكرون ذلك، مؤكدَّة أنَّ زوجها في كثير من الأحيان يساعدها في بعض الأعمال إلاَّ أنَّه لا يجرؤ على فعل ذلك أمام الآخرين خوفا من أن ينعتونه بعديم الشخصية وبأنه يخضع لسيطرة زوجته.