بعد سنة من انتهاء عملية ترميم وتوسيع مركز إيواء نساء في شدة، بهدف الرفع من طاقته الاستيعابية لاستقبال أعداد أكبر من النساء المعنفات، ودون مأوى كنقطة عبور إلى أن يتم التوصل إلى حل لمشكلاتهن، عادت ''الحوار'' مرة أخرى لتلتقي المشرفات عليه ونزيلاته وتتعرف على وضعيتهن داخله، وتنقل قصصهن على ألسنتهم ومطالبهن إلى الجهات المعنية بتوفير لكل واحدة منهن مأوى خاصا بها يقيها مخاطر تواجدها بالشارع. فبالرغم من العناية التي تجدنها على مستوى المركز، يبقى تواجدهن به حلا مؤقتا إلى غاية حل مشاكلهن، إذ يعد الحصول على مسكن وعمل المطلب الرئيسي لجميع من تقربن منهن من النساء المقيمات على مستواه. وقفت ''الحوار'' على عملية ترميم وإعادة توسيع مركز استقبال نساء في شدة، حيث كان من الضروري، بعد مضي 15 سنة من إنشائه وتعاقب مئات النزيلات عليه، أن يتم إسعافه هو الآخر من الخراب الذي لحقه. وعادت إليه النساء النزيلات الهاربات من بطش أزواجهن، بعد سنة، لتجده في حلة أخرى جديدة، يوفر الأمان والسكينة لطالباتها، بعدما سهر المشرفون على المركز على توفير كامل الضروريات وشروط الراحة والأمن لهن. يستقبل المركز نساء معنفات من كل الأعمار معنفات من طرف أزواجهن أو أوليائهن أو قصدنه للتخلص من معاناة أخرى دفعت بهن إلى مغادرة منازلهن سواء قصدنه بأنفسهن أو تم توجيهن نحوه من طرف الشرطة لدى تدخلاتها اليومية لمعالجة مثل هذه القضايا التي تعرف تزايدا كبيرا، أوضحت نائبة المديرة. وتختلف أسباب تواجد كل واحدة في المركز عن الأخرى وإن كانت كلها ذات مصدر واحد، الهروب من العنف والتسلط، فأغلب هؤلاء النسوة فررن من المنزل العائلي أو الزوجي ابتعادا عن الظلم والمعاناة والحرمان من الحقوق التي يخولها لهن الشرع والقانون كالعمل مثلا أو التمدرس أو حرية التعبير والاختيار وغيرها، فتستقبلهن جمعية نساء في الشدة التي تأسست منذ 1993 في مركزها هذا الذي افتتح أبوابه سنة ,1995 لاحتوائهن من خطر الشارع والمستقبل المجهول الذي قد يواجههن في مجتمع لا يرحم، حيث تتعرض هؤلاء النسوة وخاصة الشابات والقاصرات منهن إلى أسوأ أنواع الاستغلال، فقد تكون الواحدة منهن ضحية لتتحول بعد فترة من تواجدها في الشارع إلى مجرمة أو أخطر من ذلك انتقاما من أهلها ونفسها أيضا، لذا تشرع الناشطات في الجمعية وهن من المتطوعات، في بحث الأسباب والعمل على إيجاد الحلول فتستقبلن النساء المعنفات بالمركز كمرحلة انتقالية إلى غاية أن تتمكن من إيجاد حل لمشكلاتهن. وتشرف الأخصائيات النفسانيات خلالها على إعادة الثقة في النفس لهن لتتمكن من تجاوز محنهن، مع محاولة إقناعهن بالعودة إلى أهاليهن بفتح النقاش بين الطرفين حسب ظروف كل واحدة، ونوع مشكلتها. وتلجأ الناشطات إلى هذه الطريقة خاصة في الحالات التي تعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية بسيطة يمكن تجازها عن طريق الحوار. واستقبل المركز خلال سنة 2008 حوالي 320 امرأة معنفة، تأتي كل واحدة منهن إليه لتمكث لفترة معينة وتغادره بعدها لتستخلفها أخرى ودواليك، فلا يستقبل المركز هذا العدد كله دفعة واحدة. وهو ما يفوق ربما قدرته الحقيقية حسب ما كشفت عنه نائبة المديرة، في لقاء جمعنا بها السنة الماضية، فجعله عرضة لسوء استعمال مرافقه وبالتالي تخريبها، فكان من الضروري إعادة النظر في تجهيزه بروضة أطفال وكذا تزويده بمطبخ مجهز بكامل الضروريات حتى لا تضطر النزيلات إلى استعمال المواقد داخل الغرف. وللإشارة فإن الروضة ستستقبل أطفال النزيلات مجانا وأطفالا من خارج المركز أيضا مقابل مبالغ معقولة كطريقة للحصول على دخل إضافي يسد العجز المادي للجمعية ويساعدها على تجهيز المرافق الجديدة. يعمل المركز إلى جانب مهمته الأولى استقبال النساء في شدة، على فتح أمامهن فرص إعادة الاندماج في المجتمع من خلال الخدمات التي يقدمها لهن، فلقد تم تزويده بورشات خاصة لتعليم الخياطة والطرز وأخرى للإعلام الآلي، فتح أمام النزيلات أو المقيمات وحتى نساء من أسر فقيرة غير مقيمات به، فرصا للتكوين، حسب الاختصاص الموافق لقدرات ورغبات كل واحدة منهن، وبالتالي ممارسة مهنة في المستقبل تحسن من خلالها مستواهن الاقتصادي والاجتماعي، فقلد كشفت نائبة مديرة المركز عن تمكن حوالي 60 امرأة من ولوج عالم الشغل بعد التكوين على مستوى المركز وفتح مؤسسات مصغرة حتى لا تضطر الجمعية إلى توجيهن جميعا أو غالبيتهن إلى العمل كخادمات في المنازل. ولا يتوقف دور الجمعية عند الإيواء والتكوين فحسب، وإنما يتعداه إلى التوعية بجعل هؤلاء النسوة على اطلاع بحقوقهن المكفولة شرعا وقانونا والتي تجهلنها وكذا تقديم الدعم النفسي اللازم لهن ولغيرهن بفضل مركز الاستماع القانوني والنفسي التابع للجمعية.