منتصف الشهر الجاري مرت علينا ذكرى النكبة الثانية والستين، وقد أحياها أبناء الشعب الفلسطيني بجميع فصائله ومكوناته وطوائفه، فكانت الذكرى موعدا مع التاريخ لتذكير العالم باغتصاب فلسطين الأرض والحضارة والثقافة والدين، وفي الذكرى أيضا وقفة مع ضياع هذا الحق، الذي ترك جرحا غائرا في ضمير الأمة العربية وفي الجسد الفلسطيني الذي أصبح هزيلا، ولا يزال حصاده يجنى مرا علقما .. وبمرور الأيام يتأكد لنا بأن القضية الفلسطينية أصبحت ككرة ثلج كلما تدحرجت كبر حجمها، ولكنها أصبحت تأخذ في طريقها المزيد من الحقوق الفلسطينية المشروعة، وإلى هذه اللحظة لم يستطع الفلسطينيون ومن ورائهم العرب إيجاد موانع لإيقاف تدحرج كرة الثلج حتى لا تصل إلى ما يمكنه أن يفتتها. .. إن إحياء الذكرى بقدر ما هو وقوف على مأساة أرض مغتصبة بسابق إصرار وترصد إنما هو اليوم ضرورة حتمية لإحياء الضمائر الميتة على أمل عودة الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الفلسطيني، ففي ملحمة قل نظيرها خرجت الفلسطينية بمختلف فصائلها متخلية عن رموزها وأعلامها، مؤكدة أن لا علم سوى علم فلسطين، وأن لا عودة للحق المسلوب إلا بعودة اللاجئين، فعودتهم حق غير قابل للتصرف، ومن هذا المقام، لعلنا لا نبالغ أبدا إن قلنا أن الانقسام الفلسطيني هو نكبة أشد وأعظم تضاف إلى نكبتهم الأولى التي تسيب فيها بني صهيون ومن والهم .. إن البكاء على الأطلال لم يعد ينفع على الإطلاق إذا وقفنا على مشاهد الحياة اليومية التي يعيشها فلسطينيو الداخل من بؤس وفقر ومعاناة ومعيشة لا ترقى إلى الحد الأدنى من الإنسانية، لكون عائلات وأسر بأكملها تقتات على ما يتكرم به المجتمع الدولي وبالكاد هي إكراميات تسد رمق العيش، في ظل حصار جائر وغاشم وظالم يستمر تحت تواطؤ وتغطية دولية .. إن المطلوب ألا تمر هذه الذكرى مرة أخرى إلا وتحققت مشاهد الوحدة الوطنية، مع التيقن بضرورة إصلاح البيت من داخله ولا نعول على الخارج لترميمه وبنائه، لأن إصلاح البيت والتمسك بالثوابت هو بداية الطريق نحو تفتيت كرة الثلج واستعادة ما سلب وما نهب لبناء وتشييد الوطن، وإلا لم يعد للذكرى والتذكر معنى ..