إبان مونديال 1982 طرحت مجلة «لير» الثقافية الفرنسية موضوع علاقة الأدب والثقافة بلعبة كرة القدم، وكان للكتّاب والمثقفين والفنانين الفرنسيين والفرنكوفونيين مقاربات شتى، أجمعت على أن هذه اللعبة ذات الأصول الإنجليزية غدت تحتل حيّزاً واسعاً في النصوص الإبداعية والروائية، إذ تماهت في نظر الباحثين مع طقوس وأعياد شعبية، ورهانات اجتماعية وسياسية وأخلاقية. عدّ التربويون لعبة الكرة عنصراً تكوينياً لتقويم الجسد وتعديل السلوك وتنشيط العقل، وعاملاً من عوامل التآزر الاجتماعي أو المساواة بين الفئات والطبقات المختلفة. وكان من ثمار الالتفاف الجماهيري حول هذه الظاهرة الكروية، مع توسّع السوق المعولم، أن أضحى موعد المونديال ظرفاً مؤاتياً لتحويله إلى مشروع اقتصادي يحقق لبعض الفئات أرباحاً خيالية. بيد أنّ هذه النظرة إلى لعبة كرة القدم لدى الباحثين ليست إيجابية دائماً، بل تعتريها نظرة تبخيسية تحطّ من قيمة هذه اللعبة، وتتوجس من عواقبها، حين تراها عبارة عن ملهاة، ابتكرتها البورجوازية لتعمي أبصار الطبقات الشعبية المسحوقة عن المطالبة بحقوقها المسلوبة والمغتصبة. وترى أن المنافسة تحوّل أحياناً العنف المقنن والرمزي الى عنف سافر. ومن بين الذين يقاربون هذه المسألة من باب الرواية، القاص الجزائري الفرنكوفوني رشيد بوجدرة، الذي وضع روايته «ضربة جزاء» الصادرة بالفرنسية، قبل أن يترجمها مرزاق بقطاش إلى العربية. وضعها على خلفية رياضية، هي مباراة نهائي كأس فرنسا، التي حصلت في .1957 وتبارى فيها فريقا تولوز وانجي، وقد تقطّعت فصول الروايةال 12 حسب إيقاع النتائج بين الفريقين، بدءاً بتولوز: صفر- انجي: صفر، إلى نهاية المباراة تولوز: 6 - أنجي: .3 واستغرق الزمن السردي، الفترة المحددة عادة للمباراة، وهي تسعون دقيقة، تتخللها فترة استراحة ما بين الشوطين. أما الحدث الرئيسي الموازي الذي جرى داخل الملعب، وعلى منصات المتفرجين، فهو إقدام فدائي جزائري على اغتيال الباشاغا محمد شكال أحد عملاء الاحتلال الفرنسي. وبوجدرة مؤلف هذه الرواية شغوف بهذه اللعبة إلى حد بعيد، وإن وجّه النقد إلى جمهورها، وهو جمهور الفرنسيين، وجمهور الرعايا الجزائريين المتواجدين على الأرض الفرنسية. وكان كتب «سيناريو» لفيلم يتحدث عن فريق جبهة التحرير الجزائرية لكرة القدم الذي تأسس العام ,1958 من لاعبين احترفوا اللعب في النوادي الفرنسية. ومنهم اللاعبان إبراهيمي وبوشوك اللذان يلعبان في رواية «ضربة جزاء» دوراً هاماً يحقق لفريقهما، فريق تولوز، النصر على الفريق الخصم انجي. في الرواية يتتبّع بوجدرة الملمّ بقوانين لعبة كرة القدم المسارات المكانية، والتشكيلات الهندسية التي ترسمها على أرض الملعب أقدام اللاعبين، من خلال مراوغاتهم، ومهاراتهم، ومناوراتهم وتكتيكاتهم الذكية، وصوابية أو عشوائية تسديدهم الكرة إلى مرمى الخصم. وإذ يتطور حدث القتل المتزامن، مع حدث المباراة، فإنه يبلغ ذروته عند فوز فريق تولوز على فريق انجي. لكن المدة الزمنية المحصورة للمباراة، يفتحها الروائي المتأثر بتيار الرواية الجديدة في فرنسا، على تقنيات القصة الحديثة، من التداعي الحر، إلى السرد الاسترجاعي الذي يمتد إلى زمن مرابع الطفولة الأولى وشقاوتها، وإلى حاشية من ذكريات المراهقة الطائشة، وأمكنة السفر والارتحال، وأعوام الاحتلال القاسية، حيث عاش أبناء الجزائر أصحاب الأرض تاريخاً امتصته الثورات والانتفاضات والمذابح، والتمرد والتهجير الجماعي، والنفي والخراب والطرد. وتتقاطع هذه الاسترجاعات على مدى السياق السردي للرواية، منذ اللحظة الأولى، حتى إعلان صفارة الحكم انتهاء المباراة، بحديث المعلّق الرياضي الذي يبثّه المذياع، في سيارة تقلّ بطل الرواية، وهو يرصد بدقة متناهية حركات اللاعبين واستراتيجياتهم ازاء الفريق الخصم، إما حماية لمرماهم، أو انقضاضاً واستهدافاً للمرمى المواجه. ويعقّب الراوي البطل على الأداء الرائع للجزائريين بوشوك وإبراهيمي، كيف أنهما يحرزان نصراً كروياً لفرنساالمحتلة، فيما الدم يتدفق بغزارة على أرض وطنهما.