قيل قديما ''الشعر ديوان العرب'' لاهتمامه بقضايا المجتمع القبلي العربي منذ الجاهلية، حيث استطاع شعراء تلك الآونة نقل ووصف وتشخيص الأحداث التي ميزت تلك الفترة من خلال القصائد الشعرية التي نظمت خلال الحقب التاريخية التي مر بها العالم العربي، والتي كانت محور اهتمام الشعراء. كما مكنتنا قصائد الشعراء من معرفة نمط المعيشة لتلك الشعوب وكذا حركية ونشاط أفرادها، كما وصف الشعراء عبر أشعارهم سمات بعض الأشخاص ذوي المواقف البطولية مثل عنتر بن شداد العبسي، ونقلوا أيضا قصص الحب والرومانسية التي بقي صداها إلى عصرنا الحالي. السؤال المطروح هل بمقدور الشاعر العربي اليوم أن يشارك في نسج خيوط حضارة العرب في المستقبل، وهل استطاع تمثيل أحداث العصر الراهن فعلا على نهج الشعر القديم؟ أسئلة حملناها إلى مجموعة من الشعراء العرب حيث أجمعوا على أن ظهور الصحافة وتطور الإعلام السمعي البصري والأجناس الأدبية الأخر ى مثل الرواية، أفقد الشاعر بعض صلاحياته بعد أن كان سيدها في يوم ما. الشاعر حسن المطروشي: الإعلام أضعف موقف الشاعر واقتصر دوره في بناء عالم الجمال قال الشاعر العماني حسن المطروشي إن مفهوم ودلالة الشعر ودور الشاعر في الوسط الاجتماعي، عرف تغيرا جذريا. فقديما، يقول حسن، كان الشاعر لسان حال قبيلته وصوتها الذي يوصل بطولاتها وأمجادها إلى باقي القبائل العربية الأخرى، إلى جانب دوره المهم في تحريك الأحداث، وأدى عدة أدوار، كان إعلاميا وواعظا وحكيما. الآن ومع التطورات الحاصلة على مستوى الابتكارات التي حدثت خاصة على مستوى الإعلام وظهور ما يسمى بالجرائد والمجلات ونشريات ودوريات إخبارية التي تعنى بنقل الأحداث بطريقة آلية ومتطورة مثل القمر الصناعي، التي تنقل الأخبار عبر العالم بسرعة البرق، كل هذا أضعف من موقف الشاعر وسلبت منه خصائصه، واقتصر دورنا على بناء عالم الجمال والبحث عما هو أجمل في هذا العالم . وأظن أن الشاعر على الرغم من ذلك أنصف واقعه، ونقل عبر قصائده أحداثا كثيرة من الحروب التي خاضها العرب في وقتنا الحالي، لو قلت نعم لحملت نفسي أكثر مما أستطيع كما قال نزار قباني ''الشاعر مثل صافرة إنذار يطلقها رجال الحماية، حيث كلما طرأ تغير ما يتسابق نحو توثيق ذلك في قصائده''، ولنا في أحداث غزة وفلسطين مثل واضح على ذاك. فدور الشاعر أن يضع أصبعه على مواطن الجرح العربي. إنّ قلم الشاعر اليوم يتحرك من دائرة النفع وإزالة اللبس على هذا العصر ونقله بحذافيره للأجيال اللاحقة بكل أمانة في ظل هذا القبح والدمار الذي طبع العالم عامة. فالشاعر مطالب ببناء عالم أجمل وأكثر أمنا وتأسيس السلام من خلال دعوته إلى الخير، أما أن نطلب منه أن يؤرخ أو أن يوعظ فهذا مخول للقنوات الفضائية. سعيدة بن خاطر الفاريسية من سلطنة عمان: الشاعر له القدرة على نقل حاضره إلى مستقبله وتدوين الأحداث ضمن قصائده من جهتها أوضحت الشاعرة سعيدة بن خاطر الفاريسية من سلطنة عمان أن الشعر سيبقى قوة ومرهم الإنسانية الذي يداوي الوجع، ''الشعر هو المحفز والمداوي لكل الآفات الإنسانية حتى عندما يضمحل الشعور الإنساني، وتتضخم المشاكل الإنسانية، وهنا يأتي دور الشعر ليعيد الإنسان إلى إنسانياته لأنه يلعب دورا كبيرا، وليس بالضرورة أن يكون ذلك معلنا أو ديوانا يسجل الأحداث أو تاريخا، لكن الشعر هو الأسمى بين الفنون القولية لأنه قادر على أن يرطب الروح ويحافظ على الجوهر وحس الإنسان ومن ثم فهو قادر على بناء حضارة الغد للإنسان العربي''. الشاعرة السودانية روضة الحاج: الشاعر زاد الأمة العربية ودخرا لها كما أكدت الشاعرة السودانية روضة الحاج أنه على الرغم من كل الظروف فهي تؤمن بأن الشاعر له القدرة الكاملة على تفعيل والمساهمة في بناء وتأسيس حضارة الغد، عن طريق نقله للأحداث الراهنة للأجيال اللاحقة لتكون ذخرا ومرجعا لمعرفة ما لم تذكره سجلات أصحاب الساسة، ليدونها هو في سجل دواوينه وأشعاره بكل آمانة ليطلع عليها جيل هذه الأمة القادم، لذلك يبقى أثر الكلمة ممتدا وعميقا ليس في النفس العربية فقط، بل في الروح الإنسانية قاطبة، والعرب أكثر الأشياء التي تنفذ إلى قلوبهم وإلى وجدانهم وإلى عواطفهم هو الشعر وهو أقصر الدروب لتوحيد الأمة العربية. الشاعر المغربي حمروش عبد الدين: على الرغم من تطور المعلوماتية يبقى الشاعر يراهن عليه لنقل الأحداث بكل أمانة وفي السياق ذاته أوضح الشاعر المغربي حمروش عبد الدين أن الشاعر باعتباره جزءا من مجتمعه، فهو يتفاعل مع كل الأحداث التي تطرأ على بيئته وعلى محيطه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، وكل التحولات التي مست جوانب أمته العربية والإسلاميةو، فالشاعر لا يقف ملعثم اللسان، بل يستطيع ذكر كل الأحداث عبر قصائده بكل أمانة وخارج دائرة الخوف وبكل إخلاص. إن الشاعر، يقول حمروش، له خصوصيته في نقل الأحداث، فهو يراهن عليه في نقل كل أوجاع وبطولات هذه الأمة بكل أمانة للأجيال القادمة، رغم أن هناك أجهزة خاصة تصور كل الأحداث بطريقة دقيقة، ورغم تطور المعلوماتية.