توجد الكثير من القضايا الشائكة والأوضاع المعوجة التي صارت طبيعية وعادية بالنسبة إلينا، لأننا صرنا نعيشها يوميا ولا نلقي لها بالا بسبب التعود عليها، أو بسبب عدم القدرة على تغييرها وإصلاحها، أو بسبب الانشغال عنها وفق قاعدة: ''أنا مالي أو ما دخلي أنا أو كما قال جحا: تخطي راسي''، ولهذا ينبغي التفريق في هذا المقام بين نوعين من الرؤية، الرؤية الذهنية والرؤية البصرية، وما بين الرؤيتين من الفرق كما بين من يرى بالعين المجردة ومن يرى بالمجهر الإلكتروني، أو رؤية من يستطيع التغيير والإصلاح ولا يفعل، ورؤية من يتمنى التغيير والإصلاح ولا يستطيع، وما بين هاتين الرؤيتين كما بين المشلول الطموح وصاحب العضلات الكسول. الحقيقة أن هذه القضايا أصبح حلها في حكم المستحيل بالنظر إلى المعطيات المتوفرة والجو العام الذي صرنا نعيش فيه، وإن كنا نسمع في المقابل بعض الأصوات التي تردد هنا وهناك شعارات باعثة على التفاؤل وإن كانت لا تعدو كونها مجرد شعارات لا ''ما صدق'' لها بتعبير السي أرسطو وأبدأ من حيث لا ينبغي أن أبدأ: 1/يقولون بأن البلدية كجهاز إداري في خدمة المواطن لأنها من الشعب وإلى الشعب، فهل يستطيع أحد من العاملين في هذا الجهاز أن يجد لنا تفسيرا وتبريرا للوضع المزري والمقزز الذي صار عليه المدخل الجنوبي لمدينة بودواو على مستوى نقطة المراقبة إلى مفترق الطرق المؤدي إلى حي النشيط وبن مرزوقة، خاصة وأنه قد مر على هذا الوضع سنوات ولا يتطلب إصلاحه سوى دريهمات قد غطى أضعافها المضاعفة التجار والمواطنون الدافعون للضرائب والقسيمات ممن يستعملون ذلك الطريق ويعانون من ويلاته ومطباته وحفره العميقة، فهل ستبقى هذه القضية في طريق مسدود أم أنها ستجد من يعالجها؟ خاصة ونحن على أبواب الدخول المدرسي حيث تكثر الحركة ويكثر الزحام وطوابير السيارات والشاحنات الداخلة إلى المدينة بسبب فساد الطريق مما يؤدي إلى تأخر التلاميذ والأساتذة السالكون لذلك الطريق! ثم هناك مشكلة أخرى تسببت في فساد هذا الطريق ولا يتطلب حلها إجهاد فكر ولا كبير عناء، وهي كثرة الشاحنات السالكة لذلك الطريق والمتوجهة نحو مصنع الأنابيب الإسمنتية الواقع على طريق خروبة حيث يمكن فتح طريق بجانب الطريق السريع يمر على وادي بودواو بواسطة أنابيب إسمنتية كبيرة ويوصل تلك الشاحنات إلى المصنع مباشرة دون المرور على القنطرة القديمة التي صار الواحد منا يرتعد من الخوف وهي تهتز من تحته بسبب كثرة وثقل الشاحنات الكبيرة المارة عليها والله يستر! 2/ يقولون بأن الأمم المتحضرة تبدع في الأمانة ووضع الأشياء في مواضعها المناسبة، ويظهر ذلك في سنها للقوانين الجلية والمناسبة لتحقيق مسيرة التنمية المستدامة، وجعلها مقصدا وهدفا مطلوبا تحصيله والوصول إليه ليكون مؤشرا ثابتا وقويا على تحضرها ورقيها. وأما الأمم المتخلفة فإنها تبدع في الخداع والتدليس والتلبس بلبوس القوانين الغامضة ليسهل عليها إبقاء الأوضاع المتردية والنطيحة على حالها ورائدها في ذلك الحكمة المعكوسة: ''من لم يغشنا فليس منا'' فهل ما لدينا من مؤشرات واقعية يجعلنا في مصاف الأمم المتحضرة أم يركسنا في حمأة الأمم المتخلفة؟ 3/ هل يستطيع أحد أن يجد لنا حلا عمليا بعيدا عن التنظير والكلام الموجه للاستهلاك السمعي العاطفي، لغرس القيم الصالحة في أبنائنا، وتحرير المراهقين منهم من قبضة التميع والانحلال الأخلاقي، خاصة ونحن نعيش هذه الثورة المعلوماتية الرهيبة التي رفعت الحجب عن الآخر وقضت على كل وسائل المراقبة والتربية التقليدية؟ 4/ هل يستطيع أحد أن يجد لنا حلا عمليا بعيدا عن التنظير والكلام الموجه للاستهلاك السمعي العاطفي، للتقهقر الحاصل على مستوى التعليم وليس في نتائجه ولعزوف أجيال اليوم عن التعليم وانشغالهم بالتفاهات والهواتف النقالة والقصص الرومانسية، خاصة وأن التجارب والمشاهدات الواقعية قد أثبتت أن اختلاط البنين بالبنات يثير في النفس الغريزة الجنسية بصورة تهدد كيان المجتمع، كما قيل بأن الرئيس الأمريكي الراحل كنيدي قد صرح قبل حوالي خمسين سنة من الآن بأن مستقبل أمريكا في خطر لأن شبابها مائع منحل غارق في الشهوات لا يقدر المسئولية الملقاة على عاتقه وأن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية ، كما قيل بأنه نتيجة للاختلاط الكائن بين الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات اللبنانية فإن الطالبة في المدرسة والجامعة لا تفكر إلا بعواطفها والوسائل التي تتجاوب مع هذه العاطفة، وأن أكثر من ستين في المائة من الطالبات سقطن في الامتحانات , وتعود أسباب الفشل إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن وحتى مستقبلهن. وحول هذا الأمر يقول الدكتور ألكسيس كاريل: ''عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدى الإنسان تفرز نوعا من المادة التي تتسرب في الدم إلى دماغه وتخدره فلا يعود قادرا على التفكير الصافي''. فما الذي نريده وننتظره بعد كل الذي قيل خاصة إذا علمنا أن هناك مبدأ في القضايا الاجتماعية يقول بأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج لأن طباع البشر تتشابه ولا يوجد بينها كبير اختلاف؟ .../... ''يتبع'