من أكثر المظاهر التي يتميز بها شهر الصيام تلك الحركية الزائدة للمواطنين الذين ينصاعون للرغبات الملحة التي يمليها الصيام عليهم كل مساء. السياقة الجنونية والاكتظاظ في السويعات الأخيرة التي تسبق المغرب. ومنهم من يفعل ذلك بدافع قتل الوقت فقط، حتى وإن كان على حساب أرواحهم وروح غيرهم عن طريق المناورات الخطيرة وارتكاب المخالفات التي توصلهم إلى مائدة الإفطار قبل آذان المغرب بلحظات يسيرة.. وتلك هي الموضة التي درج عليها الكثير من الشباب تحت مسمى ''غلبه رمضان'' تعد السياقة الجنونية في شهر رمضان من المشاهد التي تجسدها انفعالات الشباب الذين يتسابقون مع الوقت من أجل إدراك مائدة الإفطار مع آذان المغرب أو قبيله ببضعة دقائق، وإذا لم يجد هؤلاء المتهورون حلا لإدراك تعطلهم وتأخرهم للدخول إلى البيت سوى قيادة مركبتهم بطريقة جنونية تحركها سرعة خيالية تعجز السائق من التحكم في سيارته ظنا منهم أنها الطريقة المثلى للوصول في الوقت المحدد، وهي المشاهد التي تخلف في الغالب مآسي تحصد أرواحا بريئة كان يمكن تجنبها، ولأن ما يعرف عن الجزائريين ويعاب على تصرفاتهم في شهر الصيام تلك العصبية الزائدة التي تطبعهم وغالبا ما يكون ذلك سببه إدمان التدخين وشرب القهوة التي كثيرا ما تفرز لديهم قلقا شديدا يغلب على برودة أعصابهم وهو الأمر الذي يؤدي بهم إلى صب جام غضبهم على مركبة حديدية. العاصمة مسرح مآس قبيل ساعات من آذان الإفطار غالبا ما يحصد إرهاب الطرقات أرواحا بريئة راحت ضحية عدم التحكم في النفس وضبطها واشتعال أعصابهم رغم أن العجلة من الشيطان، وبدل ان يصلوا بنفس السرعة إلى البيت ينقلون على جناح السرعة لكن إلى المستشفيات، إذ لا يكاد يمر يوم واحد في رمضان إلا وتسمع فيه صفارة سيارة الإسعاف وهي تنقل الضحايا الذين لبوا نداء الأمعاء الخاوية لتسجل بصفة مستمرة مصالح الاستعجالات حالة من حالات حوادث المرور، راح ضحيتها شاب متهور، أخذ في طريق ضحايا آخرين بعد أن فقد السيطرة على سيارته بعدما تجاوز 120 كلم في الساعة ليعجل بآجاله، ويقلب ''العواشير'' إلى مآتم تحيل فرحة الأسر واطمئنانها إلى هم وشجن المرحوم الطاهر أحد الضحايا الذين فارقوا الحياة نتيجة حادث مرور مروع في رمضان الماضي وبالذات في أولى أيامه ليترك ذكرى مؤلمة في نفسية عائلته يتذكرونها عند حلول رمضان الأول أو الذكرى الأولى لوفاته، خاصة وأنه ترك وراءه عائلة متكونة من طفلين وبنت وانتقلت بذلك مسؤوليتهم إلى أم أفقدتها وفاة زوجها طعم الحياة، لتبقى السيدة ليلى زوجة الطاهر التي روت لنا تفاصيل مأساتها تتكفل بأمور عائلتها، ويعد حادث السيد طاهر من الحوادث التي يتسبب فيها طيش الشباب الذين يخلفون بتصرفاتهم كوارث اجتماعية وإنسانية. إذ تعود مجريات الحادث عندما دخل السيد الطاهر إلى محل لبيع الحلويات الشرقية ليغادر بعدها المحل للعودة إلى سيارته التي كان بداخلها أولاده وزوجته كانوا متجهين لتلبية دعوة الإفطار عند الأقارب الذين لا يبعد بيتهم عن بيت السيد الطاهر إلا مسافة قصيرة وعند عبوره الطريق من ممر الراجلين توقفت السيارة الأولى لتتركة يعبر، إلا انه فوجئ بسيارة ثانية تجاوزت الأولى بطريقة جنونية يقودها شاب لم يتجاوز 18 سنة يقود المركبة دون رخصة لتصدم الرجل وتطرحه أرضا فاقدا الواعي ثم الحياة لحظات فقط قبل الإفطار، ليغادر السيد الطاهر الحياة تاركا وراءه عائلة لا تزال إلى اليوم تبكي فراق وليها. وما هذا الحادث إلا عينة عما يحدث في شهر رمضان، إذ لا يتوقف الحد عند الحوادث، إنما لا حديث عن اختناق الطرقات بالسيارات التي تحدت ضجة كبيرة من خلال أبواقها التي تصدر أصواتا تزيد من قلق المواطنين وقد أضحت هذه المشاهد تتكرر كل سنة وتفاقم من حوادث المرور لتحصد بذلك أرواحا بريئة، وتحول شهر رمضان من شهر للرحمة إلى شهر للقتل نتيجة طيش الشباب المتهور، إذ وصل عدد حوادث المرور خلال الفترة الممتدة من الفاتح جانفي إلى غاية 28 أوت إلى 2746 قتيل و 40871 جريح في 25156 حادث مرور لتحتل الجزائر بذلك المرتبة السادسة عربيا وولاية الجزائر المرتبة الأولى.