يعاني عالم النشر في الجزائر من عدة مشاكل وأزمات أثرت على صناعة الكتاب بصفة عامة وعلى الناشر بصفة خاصة، وللاطلاع على تفاصيل عالم النشر في بلادنا اتصلت الحوار بمدير دار الأمة حسان بن نعمان وكان لنا معه هذا الحوار. تعرف نقابة الناشرين الجزائريين صراعات داخلية، بصفتك اقدم ناشر تشتغل في حقل النشر كمدير دار الامة هلا وضحت لنا مرد هذه الصراعات ؟ لقد صرحت وتكهنت منذ بدايات سنة 2007 بحدوث شروخ وانقسامات في نقابتنا بحكم معرفتي لكل الناشرين المؤسسين وجل الناشرين الملتحقين، فالمشكل الحقيقي هو أن لغة الحوار قد فقدت ثقة الناشرين في بعضهم البعض وتزعزعت والأولويات والغايات قد تعددت وتفرقت، فالنقابات في الأساس هي البيت الجامع لكل الناشرين، ولم تكن قبل 2007 هي الغاية بقدر ما كانت الوسيلة، مع ذلك قدمنا كل ما نملك لكي تكون قوية وتصدح بصوتنا، ولكن الذي حدث بعد أن أصبح للنقابة صوت هو أن بعض الناشرين بحكم الأنانية وحب الظهور والطمع بل واللهث وراء المكسب وأحيانا بحسن نية تنقصها التجربة قد أخطئوا التقدير في جعل هدفهم وغاياتهم الأولى هو دخول مكتب النقابة وكأن كنزا كان في الانتظار هنالك وفي سبيل ذلك كانت الغاية تبرر الوسيلة، فحطموا سنوات من العمل والتشييد ونشروا الشك والضغينة بين الناشرين وسادت بينهم سياسة ''فرق تسد''. فبعد أن كانت النقابة تلعب الدور الاول في الساحة الثقافية وشريكا أساسيا في تجسيد السياسة الثقافية في الجزائر ومؤسسة يعول عليها في تطوير المشهد الثقافي ببلادنا تحظى بثقة الجميع، تكالب على عرشها ذوي النفوس المهزوزة والغايات المكبوتة والرؤية الضيقة فترنح العرش، لكنه لم ولن يسقط لأنني على يقين وإن كانت المهمة صعبة بأن النقابة قادرة على العودة وسيعود لها بريقها ورونقها، ذلك لأن من أعضائها الكثير ممن يؤمنون بأن مستقبلهم مرهون بمستقبلها، وأنه إذا كان لكل جواد كبوة فالطريق مازال طويلا ومن يريد أن يواصل السير بالتأني والصبر. فعودة الثقة ليس بالأمر الهين والهدم أسهل من البناء، أما أولائك الذين احترقت أوراقهم ونفذ صبرهم فأقول لهم أن الذي يريد البناء عليه تمتين الأساسات على أرض صلبة حتى لا يهوي البناء مع أول هبة ريح آتية فما بالك بإعصار لا محال هو آت. أعلن مؤخرا على هامش الصالون الدولي للكتاب في دورته ال 15 عن تاسيس نادي الناشرين الجزائريين، ما رأيك في هذه المبادرة ؟ إنشاء نادي الناشرين الجزائريين يعود إلى غياب لغة الحوار والاختلاف حول الأولويات والغايات فعلى المدى البعيد لا يمكن لعائلة الناشرين أن تتفرق في مجموعات تجمعها مصالح آنية ولاشك أنه سيلتم شمل الناشرين دون استثناء عندما تصبح المعركة معركة بقاء ووجود ، ويتفق الجميع على ضرورة الحفاظ على المهنة وتطويرها بدل السعي وراء إشباع بعض البطون وتصبح الاحترافية هي المعيار الوحيد. يعاني الصالون الدولي للكتاب من مشاكل ونقائص مستمرة فكيف يمكن تفادي الوقوع فيها ؟ ليست هنالك أية مشكلة بقدر ما هناك فقاعات وأخطاء في تحديد الأولويات والأهداف، فالجدل القائم حول الصالون الدولي للكتاب سببه وجود بعض الناشرين الذين يقدمون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة وهو في نظري جدل عقيم وحق أريد به باطل، فمن المهزلة والغباء أن تتعالى بعض الأصوات في الانتقاد السلبي لمنظمي المعرض ويقوم نفس هؤلاء بالإطراء ومدح وزيرة الثقافة المسؤول الأول على نجاح هذا المعرض فهذه الازدواجية في التصريحات مؤشر واضح على المكبوتات. ما هي السبل التي يراها حسان بن نعمان مناسبة لنجاح هذا الصالون؟ العمل على تحسين ونجاح الصالون الدولي للكتاب واجب على كل واحد منا ولن يتحقق ذلك إلا بإدلاء الرأي والنقد البناء والمساهمة في الانجاز، أما الذي يحدث فهو في الغالب تصفية للحسابات وتشكيك في القدرات ورغبة في التحطيم فالغرض من النقد أصبح بحثا عن الإساءة عوض النصيحة، وإغفال ذكر المحاسن هو تعبير عن الضغينة والحقد، وان كان الكمال غاية لا تدرك فتجربة صالون الجزائر الدولي للكتاب تجربة قصيرة خطونا فيها خطوات عملاقة قد لا تخلو من الأخطاء لكن الجاحد وحده من لا يعترف بالعمل الجبار والجهود المضنية المبذولة من أجل إنجاحه. اطلقت وزيرة الثقافة مؤخرا المركز الوطني للكتاب، برايك إلى أي مدى يمكن ان يساعد هذا المركز في تطوير صناعة الكتاب في الجزائر؟ تنصيب المركز الوطني للكتاب هو القاطرة التي ستجر خلفها صناعة الكتاب في الجزائر وهو همزة وصل بين عالم النشر والهيئات الوصية، فلن يكون له معنى دون حركة نشر نافعة ولن يكون للنشر مستقبل إذا أغفلت القاطرة خط السير، لذا فأنا أدعو الى التعامل بحكمة مع مرصد أو هيئة مسؤولة عن مستقبل النشر في الجزائر، ويجب الإشارة إلى أن هذا المرصد هو نتاج تفكير وتخطيط دام سنوات وقد بدأ التفكير فيه منذ سنة 2008 عندما بادرت النقابة الوطنية للناشرين في التشاور مع وزارة الثقافة لتشخيص حالة الكتاب وصناعة النشر في الجزائر ومحاولة إيجاد حلول من اجل النهوض بهذه الصناعة وكان التفكير الأول في سن قانون للكتاب يحمي الناشرين والصناعة ولعل هذا المرصد هو مرحلة متقدمة في طريق تجسيد هذا الهدف الذي يجمع بين الناشرين والوزارة الوصية. طلبتم انتم الناشرين مرارا بعقد الجمعية العامة ولم يحدث ذلك، ما هي الإجراءات التي ستتخذونها مستقبلا؟ صحيح لقد طلبنا بعقد الجمعية العامة منذ أكثر من سنة ونصف ذلك لأن الخطر الداهم قد ظهرت بوادره منذ ذلك الحين وقد أشرت إلى ذلك عندما تحدثت عن أزمة النقابة، لكن توصلنا الى اتفاق وقد حدد تاريخ 27 نوفمبر لعقد الجمعية العامة وإن كانت هذه الجمعية قد أتت متأخرة إلا أنها لم تأت قبل فوات الأوان، وستكون منعرجا لنا نحن اهل الكتاب من أجل الاتفاق على مستقبل خير الجليس لأن النقابة صارت في خطر وعلينا العودة إلى العمل بمبادئ النقابة وروحها التي أنشئت من أجلها، وعلى الجميع احترام القوانين المسيرة للنقابة وقبل ذلك احترام أراء الناشرين وجعل الحوار سلوك ومنهج. عجز اتحاد الناشرين العرب في لم الشمل ما هي الأسباب في رأيك؟ أظن أن اتحاد الناشرين العرب قد فقد بريقه بسبب تضارب مصالح الأعضاء أحيانا وجهلهم أحيانا أخرى بالدور الاساسي و الايجابي الذي يمكن لهيئة ثقافية تابعة لجامعة الدول العربية أن تلعبه في لم الشمل وتوحيد الرأي ووجهات النظر من أجل سياسة ثقافية عربية موحدة، وتاهت الهيئة في محاولات بائسة لإرضاء هذا أو ذاك متناسية دورها الأساسي وأصبحت طرفا عوض أن تكون حكما، وأعيب عليها هنا على سبيل المثال لا الحصر، الخطأ الجسيم الذي ارتكبته في التعامل مع صالون الجزائر الدولي في دورة 2005 عندما انتقدت حينها القانون الداخلي للصالون ليصبح نفس القانون مرجعا في تنظيم المعارض العربية لاحقا، وكذلك مقاطعة مكتب الاتحاد لمعرض 2010 بتحليلات ديماغوجية أساءت للاتحاد أكثر مما نفعت فرهنت عمله المستقبلي الدائم من اجل صورة ظرفية قد ينساها كثيرون ولكنها لن تمحى. بعد تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية والمهرجان الإفريقي ستحتضن الجزائر تظاهرة ثقافية أخرى وهي تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، هل تتنبأ خيرا بمستقبل الثقافة في بلادنا ؟ لاحظننا في السنوات الأخيرة اهتمام الدولة الجزائرية بمجال الثقافي وهذا يعني أن هناك أملا0 في الارتقاء بالثقافة بالجزائر، كما أن تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية هي وقفة مع الذات للنظر من خلالها إلى عراقة تاريخنا وإسهامات وعبقرية رجالاتنا، فالجزائر جزء لا يتجزأ من العالم العربي . فتلمسان الجغرافيا هي الجزائر في بهائها وجمالها وتلمسان التاريخ هي عروبة الجزائر وإسلامها.