تكبدت الاسواق المالية الدولية انهيارات حادة على وقع تأزم وضعية اكبر المصارف المالية بالولاياتالمتحدةالأمريكية ونزوحها نحو الانهيار، لتصبح بذلك شبحا يهدد الاقتصاد العالمي ويقذف إلى الذاكرة احداث الكساد الكبير الذي عصف بها نهاية عشرينيات القرن الماضي، في الوقت الذي فشلت فيه نواقيس الخطر التي دقت منذ بداية أزمة الرهن العقاري بما يقارب العام والنصف بإعادة الاستقرار إلى الاسواق الدولية، ليتسيقظ العالم على خطر داهم كان أوله ازمة الائتمان العالمية وأخره خطة إنقاذ حكومية بتكلفة 700 مليار دولار حمّلت الحكومة الأميركية أعباء ديون إضافية، وعصفت بالاقتصاد العالمي. ------------------------------------------------------------------------ آثار الأزمة قد تضاعف الخسائر ------------------------------------------------------------------------ قدرت الاوساط المالية الدولية قيمة الخسائر التي تكبدتها مختلف البورصات العالمية بأكثر من 945 مليار دولار، كحصيلة أولية عن تداعيات الازمة الحالية لقروض الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالامريكية، بعدما أكد صندوق النقد الدولي في أحدث تقرير له امكانية تضاعف الخسائر في حالة تأزم الوضعية المالية إلى اكثر من الضعف. وأشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن الخسائر الناجمة عن انخفاض أسعار العقارات والقروض عالية المخاطر في قطاع التمويل العقاري بالولاياتالمتحدة لوحدها قد تصل في مجملها إلى 565 مليار دولار، مضيفا أن هذا الرقم قد يتضاعف، في حالة امتداد آثار الأزمة لتصل إلى قطاعات الائتمان الأخرى، بما في ذلك قطاع العقارات التجاري وقروض الشركات والمستهلكين. وكانت كبرى البنوك عبر العالم قد اضطرت إلى شطب أكثر من 200 مليار دولار من قيمة أصولها كرد فعل على انخفاض قيمة الأوراق المالية المضمونة بقروض عقارية منذ صيف 2007 مما أدى إلى تراجع حجم السيولة النقدية المتاح لدى البنوك لإقراضها للمستهلكين. في الوقت نفسه، حذر الصندوق من تداعيات أخطر للأزمة المالية الحالية إذا لم يتم التحرك سريعا لمنع فقدان القطاع الخاص للثقة في أسواق المال العالمية، وهو ما تم تداركه عقب إقرار الكونغرس الامريكي لخطة الانقاذ الحكومية بما يعادل 700 مليار دولار، موازاة مع اقدام الاحتياطي الاتحادي الأميركي على خطوات غير مسبوقة بالتعاون مع بنوك مركزية أخرى لضخ 400 مليار دولار في أسواق المال، مقللا بذلك من مخاطر حدوث أزمات مماثلة في النظام المالي والمساهمة في استقرار الأسواق. ------------------------------------------------------------------------ تجدّد الآمال في أسواق المال ------------------------------------------------------------------------ بعد المساعي الدولية لتفادي الانهيارات الحادة التي منيت بها أسواق المال العالمية في ظل تداعيات تصفية اصول مصرف واشنطن ميوتشيوال وإفلاس ليمان برازرز، عمت نهاية الأسبوع بوادر تعافي ملحوظة بأغلب الأسواق الدولية وفي مقدمتها بورصة وول ستريت التي تمكنت من إحراز خلال جلستي تداول أعلى ارتفاع يسجل منذ عام ,1987 سرعان ما صاحبها عودة التوتر إلى الأسواق الدولية بشأن مخاوف حول الخطة الأمريكية، رغم إقرار الكونغرس الامريكي إنقاذ كبرى المؤسسات المالية من الافلاس بكلفة حوالي 700 مليار دولار، لتلافي أضرار اقتصادية اكبر على المصارف الامريكية. وفي هذا الإطار، قال الرئيس الامريكي جورج بوش ان فوائد خطة الإنقاذ المالي التي أُقرت يوم الجمعة سوف تستغرق بعض الوقت لظهور أثار ايجابية في الاقتصاد الأمريكي، بعد يوم من توقيعه حزمة الإنقاذ لتصبح قانونا ساريا، مضيفا أن الحكومة الاتحادية ستباشر خطة الانقاذ بوتيرة متأنية ومدروسة لضمان رشادة الانفاق. وانتعشت أسواق المال الأمريكية والأوروبية أمس متأثرة بتجدد الآمال بشأن خطة الإنقاذ المالي، وتباينت التعاملات وتراجعت مؤشرات وول ستريت في نهاية التعاملات بعض الشيء مخلفة وراءها موجة الصعود الحادة التي سبقت ذلك أثناء تداولات النهار. وفي أوروبا تراوحت تعاملات البورصات أمس بين ارتفاع وانخفاض لتغلق على صعود، حيث ارتفع مؤشر بورصة فاينانشال تايمز بنسبة أكثر من 2ر2 بالمائة وبلغ مستوى 4980 نقطة، كما كسب مؤشر بورصة داكس الألمانية أكثر من 4ر2 بالمائة، ووصل الى مستوى 5780 نقطة. وأغلقت البورصات الأمريكية متراجعة بعد ارتفاع حاد، حيث انخفض مؤشر بورصة ''داو جونز'' 5ر1 بالمائة إلى مستوى 10320 نقطة، وهبط مؤشر بورصة ناسداك المجمع لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى بنحو 5ر1 بالمائة ليستقر عند 1950 نقطة. ------------------------------------------------------------------------ تراجع حاد للنفط وتحسن للدولار ------------------------------------------------------------------------ انخفضت أسعار العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي بحر الاسبوع الفارط دون 93 دولارا للبرميل في ثالث يوم من الهبوط على التوالي، وذلك بفعل الشكوك عقب إقرار خطة الإنقاذ الأميركية حول تراجع الطلب على النفط. وزادت الأزمة المالية المتنامية القلق بشأن الطلب على النفط الذي تراجع هذا العام في دول صناعية مثل الولاياتالمتحدة واليابان، مما تسبب في هبوط حاد لأسعار الخام من مستوياتها القياسية فوق 147 دولارا للبرميل التي سجلتها في جويلية الماضي. وفي سوق العملات حام الدولار قريبا من ذروته خلال السنة الجارية، مع اقبال البنوك والمؤسسات المالية على شراء العملة الأميركية في السوق المفتوحة. وواصل الدولار صعوده مقابل اليورو بعد مكاسبه التي حققها سابقا، عقب انحسار مخاطر التضخم، معززا التوقعات بأن البنك المركزي سيحذو حذو البنوك المركزية الكبرى الأخرى في خفض أسعار الفائدة. وقفر الدولار هذا الأسبوع 2ر4 بالمائة مقابل سلة من 6 عملات رئيسية، ويتجه فيما يبدو نحو تسجيل أكبر زيادة أسبوعية له في 16 عاما، مقابل تراجع الأورو إلى أدنى مستوى له في عامين مقابل الين، بينما تراجع الدولار الأسترالي قريبا من أدنى مستوى له في ثلاثة أعوام .