نعلم أن العمل الإعلامي الآن من أهم الأعمال في المجتمع ، ولكن ما حكم من يموت من الصحافيين في ميدان القتال دون أن يباشر العمل القتالي، فهل يعد شهيدا في الإسلام؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فالشهيد في الإسلام لا يقف عند حد من يموت في قتال الأعداء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أنواعا أخرى من الشهداء الذين ينالون مرتبة الشهادة عند الله تعالى ، فقال صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله). بل أوصل بعض العلماء شهداء المسلمين إلى ثلاثين نوعا، وأوصلهما بعض العلماء إلى أكثر من ذلك ، وهذا يدل على اتساع مفهوم الشهيد في الشرع. كما أن من الشهداء من يذهب إلى المعركة وإن لم يكن دوره أن يقوم بعمل عسكري، فمن خرج ليداوي الجرحى ، أو يساعد في أعمال مدنية في دائرة القتال عد من الشهداء. والصحافي الذي يذهب إلى ميدان المعركة ، لينقل الحقائق للنا س، وليبين ما يقع من ظلم الظالمين ، واعتداء المعتدين ، وجهاد المجاهدين ، ليعطي صورة صحيحة في وقت يستخدم فيه الأعداء الإعلام وسيلة للكذب والتزييف ولإحباط الروح المعنوية يقوم بنوع من أنواع الجهاد المدني المشروع ، الذي قد يصل إلى حد الوجوب في بعض الأحايين، ولذلك لأن الحرب ليست حربا عسكرية فحسب، بل تستخدم وسائل الإعلام كمقدمة لها فكان الصحافي المسلم يجاهد بقلمه وبصورته في نقل الحقائق، وإن مات فهو شهيد في سبيل الله. وإن كان المقتول في وقت الحرب بيد الأعداء شهيد وإن لم يباشر القتال ، فإن الصحافيين في معركة القتال إنما يقتلون بأسلحة العدو، وقد يكون هذا القتل متعمدا ، كي لا يتم تصوير الحقائق ونقلها للناس. وإن كان من يموت مبطونا أو غريقا أو تحت هدم نال ثواب الشهادة، فإن المقتول برصاص العدو في أرض القتال شهيد من الشهداء ؛ وإن لم يقاتل. وقد جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية في تعريف الشهيد: الفقهاء نصوا على أن الشهيد الكامل وهو شهيد الدنيا والآخرة هو المسلم المكلف الذي قتله أهل الحرب، أو أهل البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر دال على قتله، أو قتله مسلم أو ذمي ظلما بآلة جارحة ولم تجب بقتله دية، وكان موته فور إصابته بأن لم يباشر أمرا من أمور الدنيا بعدها - وحكمه أنه يكفن ويصلى عليه ولا يغسل، ويدفن بدمه وثيابه إلا ما ليس من جنس الكفن، كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهداء أحد - هذا هو شهيد الدنيا والآخرة وحكمه - أما شهيد الآخرة فقط فقد قال السيوطى كما نقله عند ابن عابدين أنهم نحو الثلاثين وزادهم بعض الفقهاء إلى نحو الأربعين منهم الغريق والحريق والغريب ومن مات في سبيل طلب العلم . وهؤلاء يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم . وإن كان الشهيد هو من يقتل ، لأنه يجاهد في سبيل الله، فإن الجهاد غير محصور في مباشرة القتال. يقول الدكتور القرضاوي في تعريف الجهاد : الجهاد بذل الجُهد أو تحمل الجَهد: البدني والنفسي والعملي من أجل الدفاع عن الدين، حتى تكون كلمة الله هي العليا. وهو يبدأ بجهاد النفس. ثم جهاد الشيطان، ثم جهاد الظلم والفساد في المجتمع، ثم بجهاد الكفار والمنافقين. وقد قسم ابن القيم في كتابه الشهير (زاد المعاد) الجهاد إلى ثلاث عشرة مرتبة: أربعه منها لجهاد النفس، واثنتان لجهاد الشيطان، وثلاث لجهاد الظلم والفساد والمنكر في المجتمع. وأربع لجهاد الكفار والمنافقين، بالأيدي والألسنة والأموال. وواحدة فقط من هذه الأربع هي التي اشتهرت باسم (الجهاد) وهي قتال الكفار بالسيف أو باليد. وعلى هذا ، فكل من يقتل جهادا عن الإسلام ، فهو شهيد ، فمن اغتيل بيد الأعداء لنشاطه في نشر الإسلام عد شهيدا ، ومن دافع عن نشر الحق والعدل، فقتل لأجل هذا فهو شهيد، وغير ذلك من أنواع الشهادة. والواقع أن الجهاد الإعلامي أضحى ضرورة شرعية حسب متطلبات العصر الذي نعيش فيه، ومن الحكمة فهم طبيعة حرب الإسلام القائمة الآن ، في تأخذا أشكال متعددة ، في ميادين متنوعة ، وعلى رأسها ، الجهاد الإعلامي ، مما يوجب على المسلمين أن ينتبهوا لهذا ، وأن يسعوا للجهاد بالآلة الإعلامية . ولاشك أن الإعلام بمختلف أشكاله يلعب دورا هاما في حياة الشعوب . وفي ذلك يقول الأستاذ محمد تميم رئيس تحرير مجلة ''التجديد '' الإسلامية المغربية : لم تعد تخفى أهمية الإعلام بجميع أشكاله وألوانه في إطار المجتمعات المعاصرة خاصة مع الثورة المعلوماتية الحديثة والتطور الهائل الذي عرفته تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، حتى إنه أصبح اعتبار الإعلام سلطة رابعة مقولة تنتمي إلى التاريخ، وغدا من اللازم الحديث عن الإعلام باعتباره سلطة السلط أو السلطة الأولى. كما لم يعد يخفى دور الإعلام في صناعة ثقافات الشعوب واتجاهات الرأي العام ومن ثم التأثير الذي يمارسه في باقي السلط الأخرى أي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. ولقد تحول الإعلام إلى صناعة قائمة الذات وإلى ميدان ضخم من ميادين الاستثمار وإنتاج الثروة بل لم يعد من الممكن أن نتصور تنمية اقتصادية واجتماعية دون قنوات للتواصل والتعريف بالمنتوجات على نطاق واسع. كما أن اضطلاع الإعلام نفسه بدوره ووظيفته لم يعد ممكنا دون ارتباطه بالنشاط الاقتصادي والصناعي والتجاري إلى درجة وصلت فيه العلاقة بين الاقتصاد والإعلام درجة الاعتماد المتبادل، وصار من غير الممكن تصور سياسات اقتصادية وتجارية دون سياسات إعلامية وثقافية، كما صار من غير الممكن بناء سياسة إعلامية وثقافية دون أخذ بعين الاعتبار لحاجيات السوق ودون سياسات تمويلية تضمن الدعم اللازم لإمضاء وتنفيذ السياسات المذكورة.