مازالت أكثر من 80 ألف نسمة من تعداد سكان دائرة مفتاح ولاية البليدة ينتظرون حل عاجل يخلصهم من متاعب حقيقية بسبب التلوث البيئي، رغم احتجاجهم المتكررة لسلطات المحلية لإيجاد حل لمشكلة التلوث والغبار الذي أصبح يسطوا على أروقة هذه المدينة التي اختبأت فيها المساحات الخضراء بفضل هذا المشكل البيئي التي يعانيه سكان منذ مدة طويلة.يأتي هذا بالرغم الاحتجاجات الكثيرة التي شهدتها المنطقة سابقا، لكن لا حياة لمن تنادي بما أن هذا المشكل يزداد يوما بعد يوم حيث طالت معاناتهم المتواصلة مع مصنع للإسمنت والذي بات خطرا محدقا بسكان المنطقة، فهو شبح يهدِّد صحة المواطنين وجعل أغلبهم يصابون بأمراض مزمنة على غرار الربو ومختلف الأمراض التنفسية، إلا أن لا شيء من هذا القبيل تغير، أو التفاتة أو مبادرة تنهي معاناتهم مع هذا المصنع ليعود هؤلاء الاتصال بنا مجددا لرفع انشغالاتهم، مؤكدين أن حياتهم على فوهة بركان وتحولت إلى جحيم حقيقي وبكل ما تحمله الكلمة من معان بسبب هذا الأخير الذي يعود تاريخه إلى سنة 1976، والواقع بمحاذاة الطريق الوطني رقم 29 وبالتحديد في مدخل بلدية مفتاح، وهو المصنع الذي أسماه السكان الموت البطيء بالنسبة لهم، حيث أكدت السلطات المحلية في وقت سابق أن 80 بالمائة من السكان مصابين بمرض الربو، والحساسية، وأمراض أخرى خاصة منهم فئة الأطفال الذين يعدون الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض نظرا لحساسية أجسامهم الصغيرة. سكان حي أولا سعيد أكثر المتضررين ومن بين الأحياء التي قمنا بالتوجه إليها والتي كانت الأقرب مسافة إلى ذلك المصنع، هو حي أولا سعيد الذي يعد معقل لتجارة الإسمنت، مما جعل الزيارة التي قادتنا إلى مساكن المواطنين تكون بمثابة اكتشاف للحقيقة وليست للمجاملة، وهو ما حدث حيث شاهدنا بأم أعيننا بعد وصولنا إلى عين المكان بساطا من الإسمنت في كل بيت دخلناه هناك، فضلا عن الغبار الكثيف الذي يغطي النوافذ التي تنفثه فور الشروع في فتحها، والأمرّ أن فتح النوافذ يكون مرات قليلة فقط في اليوم حتى لا يختنق الأطفال والنسوة الماكثات بالبيوت مما يزيد من تدهور الأوضاع الصحية، حيث من المعروف أن التهوية أمر لا يختلف اثنان في أهميته، لكن في هذه الحالة يكون الاختناق داخل جدران البيت أهون وأكثر وقاية من فتح الشرفات للتهوية. أطفال صهاريج يصنعون الحدث في الحي لكن ما زاد دهشتنا هي الوقوف على ظاهرة بطلها شباب في مقتبل العمر يتنافسون من أجل الظفر بالشاحنات ذات صهاريج لاقتناء كميات من الإسمنت ويعاد بيعها في الأسواق الموازية، لكن الأمر الذي أدهش الجميع أن هؤلاء يضطرون الدخول بداخل هذه الصهاريج بشكل يوحي مدى خطورة الوضع بالمنطقة، هذه الظاهرة لم تقتصر على أطفال صغار أو شباب مراهق فقط بل امتدت حتى الكبار، حاولنا رصد أرائهم و اقتربنا إليهم، أكدوا لنا أنهم مضطرون لمثل هذه الأعمال الشاقة و الخطيرة من أجل لقمة العيش خاصة بسبب عدم وجود بديلا عن ذلك، كل هذه المظاهر و التهميش يبقى يتقاسمها سكان المنطقة التي كانت قبلة للرومان في الماضي بسبب اخضرار المنطقة التي كانت تلقب في الماضي ب "الخضراء"، نظرا لمناظرها الخلابة التي كانت قبلة للسياح في عهد الاستعمار الفرنسي. المدارس و المؤسسات التربوية أضحت عبارة عن ورشة للغبار لم تكن المساكن هي الوحيدة المتضررة من نفايات المصنع وروائحه وغباره، بل إن الضرر تعدى إلى المدارس المجاورة له منها مدرسة الابتدائية بحي فلوريانة، فهي الأكثر تضررا وعرضة للغبار والنفايات الإسمنتية بدليل أن معظم التلاميذ المتمدرسين هناك مصابون بالحساسية أو الربو، وهذا حسب شهادات الأولياء أن على الأقل يوجد شخص أو شخصان ببلدية مفتاح مصابٌ بأمراض مزمنة نتيجة لغبار المصنع، و طالب هؤلاء السلطات الوصية ووزير الصحة بالنظر إلى وضعيتهم ووضعية أطفالهم الصحي، والوقوف على هذا المشكل الذي بات يؤرق المنطقة بأكملها، والتي يفوق عدد سكانها أزيد من 80 ألف نسمة· وأضاف المواطنون أنه بالرغم من أن المصنع جلب مناصب شغل للشباب المنطقة لكن لا يعني الاستسلام للموت البطيء الذي يهددهم، لأن الأضرار الناجمة عنه فاقت كل التصورات وعليه يجب على السلطات المحلية والوصية تغير نشاط هذا المصنع الذي بات كارثة بيئية مائة بالمائة.