تباينت آراء المختصين وخبراء الاقتصاد حول قرار الحكومة التخلي عن أرباح شركتي سونطراك وسونلغاز، في سبيل تمكينهما من توسيع نشاطاتهما والاستثمار داخليا وخارجيا، بين مشيد بالنجاعة الاقتصادية لهذه الخطوة، وبين متردد منها، وحتى متخوف من تأثيرها على الجبهة الاجتماعية. وأفاد الخبير الاقتصادي أحمد شريفي في تصريح خص به جريدة "الاتحاد"، بأن: "شركتي سونطراك وسونلغاز، يتم التعويل عليهما حاليا في تجديد الاستثمارات بقطاع الطاقة، إضافة إلى عملية الانتقال الطاقوي التي خصّص له جزء كبير في مخطط عمل الحكومة المصادق عليه سنة 2021، وبما أن هذه الاستثمارات الكبيرة تتطلب موارد مالية معتبرة لصالح هاتين الشركتين، إضافة إلى النقص المسجل في الاستثمارات الأجنبية بالجزائر، كل ذلك حتّم توجيه هذه الموارد المالية التي كانت مخصصة لمجالات اجتماعية نحو تجديد وتوسيع الاستثمارات الطاقوية"، مبرزا بأن "الاستثمار هو من يحافظ على التوازنات الاجتماعية والمالية والنشاط الاقتصادي". وأضاف محدثنا بأن سونطراك وسونلغاز تحصلان على موارد مالية لا بأس بها من استثماراتها داخل الوطن وخارجها، مستشهدا بشركة سونطراك التي تمتلك استثمارات في ليبيا واليمن وبعض دول أمريكا اللاتينية طبقا للقانون، وذلك بالشراكة مع مؤسسات أخرى تنشط في نفس المجال. وبخصوص التأثير السلبي لهذا التخلي على موارد الخزينة العمومية عموما، ومن ثمة الاستراتيجية الاجتماعية للدولة الجزائرية خصوصا، أوضح الخبير الاقتصادي، بأن موازنة أي دولة تعتمد على عدة موارد، والحكومة لا يمكنها التخلي عن مورد دون تعويضه بآخر له نفس القيمة، لافتا إلى أنه: "حاليا يوجد مورد اعتماد السعر المرجعي لبرميل البترول ما بين 45 دولار و50 دولار لتمويل الخزينة العمومية، مع تحسن أسعار النفط خلال سنتي 2022 و2023، وزيادة على هذه الفوائض، تضمن قانون المالية لسنة 2022، توسيع الوعاء الضريبي وتدابير أخرى لزيادة نسبة الإيرادات للخزينة تتعلق ببعض الرسوم والضرائب". وختم محدثنا بالإشارة إلى أن توقيت تطبيق هذا التخلي سيكون في غضون سنة 2022، وليس بالضرورة في الفاتح من شهر جانفي القادم، معتبرا بأن "ضمان قانون المالية الجديد لتدبير الموارد المالية اللازمة لتعويض أرباح سونطراك وسونلغاز، يرفع الحرج من تطبيق التخلي عن أرباح سونطراك وسونلغاز، العام المقبل". من جهته أشار الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية، في تصريح خص به جريدة "الاتحاد"، إلى أنه: "من الناحية الاقتصادية، تخلي الدولة عن أرباح شركتي سونطراك وسونلغاز لصالحهما، هو قرار إيجابي، حيث يؤسس لاعتماد الدولة على نفسها بموافقة نفقاتها لإيراداتها من جهة، ومن جهة أخرى تمكين هاتين المؤسستين من توسيع نشاطهما وتطويره بما يعود إيجابا أيضا على إيرادات الحكومة مستقبلا من ناحية الجباية والجمركة على نشاطهما، وكذا توفير مناصب الشغل وخلق الثروة"، لافتا إلى أنه "على الرغم من إيجابية القرار اقتصاديا، إلا أن الحكومة الجزائرية لطالما احتاجت إلى هذه الأرباح لتغطية بعض العجز في ميزانيتها السنوية والميزان التجاري، ما يجعل الأمر صعبا في البداية ومرهق، لكن على الأقل توجد نية لإحلال النفقات بتوازي قيمتها مع قيمة الإيرادات" حسبه. وأضاف محدثنا بأن الذهاب إلى هذه الخطوة قصده هو الاستفادة من أرباح هاتين الشركتين عبر الاستثمار المستدام وليس الاستهلاك فقط، داعيا إلى تحسين منظومة الجباية أكثر من أجل إعادة هذه الأرباح بإيرادات على الدولة مستقبلا. من جهته، حذر الخبير الاقتصادي، عبد الرحمان مبتول، في تصريح خص به جريدة "الاتحاد"، من "عدم استفادة شركة سونطراك من الارتفاع الحالي وعلى المدى القريب لأسعار النفط بنسبة مئة بالمائة، على اعتبار بعض المواد في عقود الشراكة مع الأجانب، والتي تنص على أن تغيير سعر البيع بشكل جذري يكون بالتفاوض في أجل 9 و10 أشهر" حسبه. أما بخصوص شركة سونلغاز، فأبرز مبتول بأن سونلغاز ليس لديها أرباح، وقد سجلت عجز بقيمة 70 مليار دينار خلال سنة 2020، وذلك راجع إلى أن سونطراك هي التي تصدر الغاز الجزائري وليس سونلغاز، في حين تتولى الأخيرة تسويق الغاز داخل الجزائر والذي يخضع إلى سياسة الدعم الاجتماعي في الأسعار. وأردف يقول بأن: "يمكن أن تربح نظرا لتغير العالم حاليا من ارتباط أسعار الغاز بأسعار النفط إلى تحديد أسعار الغاز لأسعار النفط، إضافة إلى تغيير سياسة دعم الدولة لأسعار الغاز الذي يسوّق داخل الجزائر"، داعيا إلى إبرام 50 بالمائة من عقود تصدير الطاقة في السوق الحر وليس في عقود طويلة ومتوسطة. هذا وأعلن الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، في 24 أكتوبر المنقضي، إقرار الدولة التخلي عن أرباح مجموعتي "سوناطراك" و"سونلغاز" ومؤسسات عمومية أخرى، بهدف السماح لها بإعادة استثمارها وتوسيع نشاطاتها، مفيدا خلال رده على تساؤلات أعضاء لجنة المالية والميزانية بالمجلس الشعبي الوطني، في إطار مناقشة مشروع قانون المالية 2022، والمتعلقة بمصادر عجز الميزانية، إلى أن "الحكومة تتوقع تراجعا في المداخيل الاستثنائية، ومن بينها الأرباح الآتية من الشركات المملوكة للدولة، على غرار مؤسسات سوناطراك وسونلغاز". وأوضح بن عبد الرحمان بخصوص سبل تغطية عجز الميزانية المنتظر، بأن الحكومة لم ولن تلجأ لطبع النقود أو الاستدانة الخارجية، مشيرا إلى أن السعر المرجعي لبرميل النفط تم اعتماده على أساس 45 دولار للبرميل، مع أن سعر البرميل يراوح حاليا 85 دولار للبرميل، وعليه، فإن "صندوق ضبط الإيرادات الذي سيوجه له هذا الفائض سيساهم في امتصاص هذا العجز". وقدّر مختصون في قراءتهم لمشروع قانون المالية لعام 2022، الذي قدمه رئيس الوزراء للجنة المالية في البرلمان، "عجزاً تاريخياً يفوق 30 مليار دولار بسبب ارتفاع النفقات بأكثر من نمو الإيرادات"، حسبهم.