عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه،يتعلق بهذا الحديث فوائد،الفائدة الأولى:لقد امتن الله على هذه الأمة بأن خصها بليلةٍ شريفة مباركة في شهر رمضان مِن كل عام، وبخاصة في العشر الأخيرة منه، هذه الليلة هي ليلةُ القدرِ التِي قال الله فيها: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3، ووصفها بأنها ليلة مباركة، فقال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [الدخان: 3، ومِن خصائص هذه الليلة، أنها ليلةٌ مُبارَكةٌ، يعني: كثيرةَ الخير والفضلِ والثواب، كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ و أن الله تعالى أنزل فيها القرآن الكريم، كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر: 1،و أن العملَ فيها خير مِن العملِ في ألفِ شهرٍ، كمَا قالَ تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 3، وهذا يعادل أكثر مِن ثلاثٍ وثمانين سنة،كذلك أن الملائكة تتنزل فيها إلى الأرض، كما قال تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 4، وهم ينزلون بالخير والبركة والرحمة،و أنها ليلة سلام، كما قال تعالى: سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر: 5، والمعنى: أن هذه الليلة مباركة كثيرة الخير قليلة الشر والآفات مما يكون في غيرها من الليالي، وذلك لما جعل الله تعالى فيها من الخير والبركة، وكثرة نزول الملائكة،و أن من صلى ليلتها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه،الفائدة الثانية:اختلاف العلماء رحمهم الله تعالى في معنى (القدر) الذي سميت به هذه الليلة الشريفة على عدة أقوال، ذهب إلى كل واحد منهما جماعة من الأئمة، أشهرها ثلاثة أقوال هي: أن القدر بمعني التقدير، والمراد: أن هذه الليلة الشريفة تقدر فيها مقادير الخلائق، والمراد بهذا التقدير، والتقدير السنوي، وهو ما يكون بين يدي الملائكة الكرام عليهم السلام كل عام في ليلة القدر إلى التي تليها من العام الآخر، قال تعالى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [الدخان: 4، أما التقدير الأول العام فقد كان قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة،و أن القدر بمعني الشرف وعلو المنزلة، والمراد: أن هذه الليلة شريفة عند الله تعالى، ومن شرفها أن انزل فيها كتاب الكريم، وجعلها خيرا من ألف شهر،و أن القدر بمعنى التضييق، والمراد: أن هذه الليلة الشريفة يكثر فيها تنزل الملائكة الكرام عليهم السلام إلى الأرض حتى تضيق بهم، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: «إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى»، راوه الطيالسي وأحمد وصححه ابن جزيمة،وكل هذه أقوال صحيحة لا تعارض بينها، ويؤيد ذلك اللغة وواقع هذه الليلة الشريفة الذي دلت عليه النصوص الشرعية،الفائدة الثالثة:ليلة القدر متنقلة في العشر الأواخر، ولهذا يشرع تحريها في جميع العشر، وليالي الأوتار أكد وقد تكون في ليالي الشفع، وأولى الليالي بتحريها ليلة سبع وعشرين، ويسن أن يجتهد المسلم في جميع ليالي العشر بالطاعات كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك لعله أن يوافق هذه الليلة المباركة، فيتضاعف أجره وعمله إلى عمل أكثر من ثلاث وثمانين سنة، وإن من أعظم التفريط، إضاعة التفريط: إضاعة هذه الليالي المباركة، بالسهر فيما لا ينفع، أو في المحرمات وترك الطاعة والتقصير فيها، وعدم الاهتمام بما عظمه الله تعالى وشرفه من الليالي والأيام ومما يشرع في هذه الليالي:أولا: الحرص على الفرائض وعدم التفريط فيها،ثانيا: الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم،ثالثا: الإكثار من الدعاء، ومن أحسنه الدعاء الذي علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر بم أدعو؟ قال: «تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه،رابعا: الحرص على الاعتكاف هذه العشر أو بعضها ما أمكن ذلك، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى الاعتكاف في العشر الأواخر ليوافق ليلة القدر،خامسا: الحرص على قيام الليل في هذه الليالي المباركة فإن من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه.